بمناسبة الإطلاق العالمي لتقرير التنمية البشرية لهذا العام، نظم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا فعاليات متزامنة في جامعة عمر المختار في درنة وبلدية غدامس وجامعة صبراتة. تم البث المباشر للإطلاق على موقع فيسبوك التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، وبعد أن واصل أصحاب المصلحة مناقشات حول نتائج تقرير جديد صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يشمل دليلا تجريبيا جديدا لقياس التقدم البشري آخذاً بعين الاعتبار البصمة المادية للبلدان وما تنتجه من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
و صرح الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جيراردو نوتو، في ملاحظاته الافتتاحية التي تم بثها على الهواء مباشرة على فيسبوك: “نطلق اليوم تقرير التنمية البشرية في ليبيا حيث أن كوفيد-19 هو أحد التحديات العديدة في الأنثروبوسين. يعمل التأثير البشري على تدمير الفرص وسبل العيش وتعميق أوجه عدم المساواة. يبحث التقرير في المصير المشترك للناس وكوكب الأرض لرسم الحدود المستقبلية للتنمية البشرية “.
“من تغير المناخ إلى فقدان التنوع البيولوجي، نشهد عواقب الضغوط التي نضعها على الكوكب. هذا هو الوقت المناسب لتغيير المسار – لا يمكننا العودة إلى العمل كالمعتاد ويجب علينا المضي قدماً في فصل جديد للعيش في توازن مع الأرض “.
و يضع التقرير قادة العالم أمام اختيار صعب – إما اتخاذ خطوات جريئة لتخفيف ما يُمارَس على البيئة والحياة الطبيعية من ضغوط هائلة، أو المجازفة بعرقلة تقدم الإنسانية.
وقال أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “لدى البشر اليوم سلطات للسيطرة على الكوكب أكبر بكثير من أي وقت مضى. وبعد ما شهدناه من تفشي جائحة كوفيد-19، وتسجيل ارتفاعات قياسية في درجات حرارة المناخ، وتصاعد غير مسبوق لأوجه عدم المساواة، حان الوقت لاستخدام تلك السلطات لإعادة تعريف مفهوم التقدم على نحو لا يمكن معه إخفاء بصماتنا الكربونية والاستهلاكية.” وأضاف “هذا التقرير يبين أنه حتى اليوم لم ينجح أي من بلدان العالم في تحقيق معدلات التنمية البشرية المرتفعة جداً دون أن تضع أنشطته وممارساته ضغوطاً هائلة على موارد الكوكب. ولكن بيدنا أن نصبح الجيل الأول الذي يصحح هذا الخطأ بما من شأنه أن يرسم آفاقا جديدة للتنمية البشرية.”
ويدفع التقرير بأنه مع دخول الناس والكوكب حقبة جيولوجية جديدة تماما، وهي التي تعرف بـ “الأنثروبوسين” أو “العصر البشري،” قد حان الوقت لأن تعيد كافة البلدان تصميم مسارات التقدم الخاصة بها لتشمل تحليلا محاسبيا كاملا للضغوط الخطيرة التي يمارسها البشر على موارد هذا الكوكب، ومعالجة الاختلالات القائمة في التوازن بين السلطات والفرص، والتي تمنع التغيير.
وفي هذا الصدد تسلط هذه النسخة من تقرير التنمية البشرية في عيده الثلاثيين والصادرة تحت عنوان “الأفق التالي: التنمية البشرية والأنثروبوسين،” عدسة تجريبية جديدة على دليل التنمية البشرية (HDI) الذي تتضمنه كل عام.
ومن خلال تعديل دليل التنمية البشرية، الذي يقيس مستويات الصحة والتعليم ومستويات المعيشة في كل بلد من بلدان العالم، ليشمل عنصرين إضافيين: البصمة المادية للبلد ومقدار ما ينتجه من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، سيمكن للدليل المعدل الجديد أن يبين كيف يتغير المشهد الإنمائي العالمي إذا ما وضعنا رفاه الناس وسلامة الكوكب، على حد سواء في قلب تعريفنا لمفهوم التقدم البشري.
هذا التعديل ينتج دليلا جديدا يمكن أن نطلق عليه دليل التنمية البشرية المعدل بعامل الضغط على موارد الكوكب (Planetary-Pressures Adjusted HDI – PHDI) تبرز من خلاله صورة عالمية جديدة، ترسم ملامح تقييم جديد لمفهوم التقدم البشري، أكثر وضوحا وإن كان أقل وردية. فعلى سبيل المثال، في سياق هذا التقييم الجديد يخرج خمسون بلداً من مرتبة الدول ذات تنمية البشرية المرتفعة جدا إلى المرتبة الأدنى، بما يعكس البصمة المادية لتلك البلدان واعتمادها الكبير على الوقود الأحفوري.
ومع هذه التعديلات، تصعد بلدان مثل كوستاريكا ومولدوفا وبنما حوالي ثلاثين مرتبة في الترتيب، بما يبرهن على أن تخفيف الضغط على الكوكب هو أمر ممكن.
وفي معرض استضافته لإطلاق التقرير، أكد ستيفان لوفين، رئيس وزراء السويد، أن “تقرير التنمية البشرية هو منتج هام من قبل الأمم المتحدة، وفي مثل هذه الأوقات التي نعيشها والتي تستلزم منا الفعل الايجابي، ومن خلال تركيزه على القضايا ذات الأهمية الحاسمة في عصرنا مثل تغير المناخ وتصاعد أوجه عدم المساواة، يساعدنا هذا الجيل الجديد من تقارير التنمية البشرية على توجيه جهودنا نحو صياغة المستقبل الذي نصبو إليه.”
ويرى التقرير أن الأفق التالي للتنمية البشرية سيتطلب منا جميعا أن نعمل مع الطبيعة وليس ضدها، وهو ما سيقتضي تحولات هامة في الأعراف الاجتماعية، والقيم، وتدابير الحوكمة، والحوافز المالية.
فعلى سبيل المثال، تشير تقديرات حديثة إلى أن أشد البلدان فقرا في العالم قد تواجه بحلول عام 2100 زيادة تناهز مئة يوم في العام من الظواهر الجوية شديدة الوطأة بسبب تغير المناخ – وإن كان بالإمكان خفض هذا المعدل بمقدار النصف إذا ما تم الالتزام بتنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ بشكل كامل.
ومع ذلك تواصل البلدان تخصيص الدعم للوقود الأحفوري: إذ يتم تقدير التكلفة الكلية لدعم الوقود الأحفوري الذي تموله المجتمعات، بما في ذلك التكاليف غير مباشرة بأكثر من 5 تريليون دولار أمريكي سنويا، وهو ما يعادل 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقا لأرقام صندوق النقد الدولي التي يستشهد بها التقرير.
ويمكن لتدابير إعادة تشجير الغابات ورعايتها بشكل أفضل وحدها توفير ما يقرب من ربع الإجراءات التي يتعين علينا اتخاذها قبل عام 2030 لمنع الاحترار العالمي من بلوغ الحد الحرج، والذي يقدر بدرجتي حرارة مئويتين فوق مستويات عصر ما قبل الصناعة.
وقالت جاياثما ويكراماناياكي، مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة الشباب “لقد حققت البشرية إنجازات مذهلة، ولكن من الواضح أننا تعاملنا مع استهلاكنا لموارد كوكبنا كأمر مسلم به.” وأضافت “لقد رفع الشباب في جميع أنحاء العالم أصواتهم مدركين أن مثل هذا التعامل يعرض مستقبلنا المشترك للخطر. وكما ينبهنا تقرير التنمية البشرية للعام 2020، يتعين علينا تغيير طبيعة علاقتنا مع الكوكب – لنجعل استهلاك الطاقة والموارد مستدامًا، ولنضمن لكل الشابات والشبان القدر الكافي من التعليم والتمكين يساعدهم على تقدير ما يمكن أن يوفره عالمٌ صحِّي من مباهج الحياة.”
وقال بيدرو كونسيساو، مدير مكتب تقارير التنمية البشرية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمؤلف الرئيسي لهذا التقرير “بالأساس ترتبط قدرة الناس على اكتشاف الممارسات التي تؤدي للضغط على موارد الكوكب بكيفية عمل المجتمعات التي يعيشون فيها،” مضيفا أن “المجتمعات المفككة التي نشهدها اليوم تضع الناس على مسار تصادمي مع الكوكب.”
ويبين التقرير أن أوجه عدم المساواة فيما بين البلدان، بل وداخل البلد الواحد، والتي تمتد جذورها العميقة في تربة الاستعمار والعنصرية، تعني أن الأغنياء يستحوذون على فوائد الطبيعة ويُصَدِّرون تكاليفها للآخرين، وهو الأمر الذي يقوض فرص الفقراء ويقلل قدرتهم على فعل أي شيء لتصحيح تلك الأوضاع.
فعلى سبيل المثال، تمتص الأراضي التي يقوم على رعايتها السكان الأصليين في الأمازون كمية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكل فرد، تعادل كمية الانبعاثات التي ينتجها أغنى 1 في المئة من سكان العالم. ومع ذلك ما زالت الشعوب الأصلية تعاني المصاعب والاضطهاد والتمييز، وتفتقر للقدرة على التأثير في صنع القرارات، وفقا للتقرير.
ويدفع مؤلفو التقرير بأنه في الكثير من الأحيان يتسبب التمييز على أساس العرق في تعرض المجتمعات بشكل أكبر للأضرار والمخاطر البيئية عالية التأثير، مثل النفايات السامة أو التلوث المفرط، وهو الأمر الذي يتكرر في المناطق الحضرية عبر قارات العالم.
ووفقا للتقرير، يتطلب تخفيف الضغوط على موارد الكوكب بما يُمَكِّن كافة الناس من الازدهار في هذا العصر الحديث معالجة الاختلالات القائمة في التوازن بين السلطات والفرص، والتي تحول دون التغيير.
كما يدفع التقرير بأن اتخاذ الإجراءات العامة يمكنه أن يعالج تلك التفاوتات القائمة في المجتمعات، ضارباً أمثلة تتراوح بين الضرائب التصاعدية المتزايدة، وحماية المجتمعات الساحلية من خلال توفير الاستثمار الوقائي والتأمين، وهي خطوة يمكنها أن توفر الحماية لحياة 840 مليون شخص يعيشون على طول سواحل العالم. ولكن يجب أن تتضافر الجهود لضمان ألا تؤدي تلك الإجراءات إلى وضع الناس في مواجهات متزايدة مع كوكبهم.
وقال بيدرو كونسيساو “إن الأفق التالي للتنمية البشرية لا يتعلق بالاختيار بين الناس والأشجار؛ بل يتعلق بإدراكنا اليوم أن التقدم البشري المدفوع بالنمو غير المتكافئ وكثيف الكربون قد وصل إلى مجراه.” وأضاف، ” يمكن للتنمية البشرية أن تتقدم خطوة للأمام على مسار التحول نحو دعم المجتمعات والكوكب معا وفي ذات الوقت من خلال معالجة أوجه عدم المساواة، والاستفادة من أدوات الابتكار والعمل الوثيق مع الطبيعة.”
بوابة افريقيا الإخبارية