يثور الجدل بين الخبراء حول مساهمة قطاع الثروة الحيوانية في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويبدو أن الحقيقة توجد في منتصف الطريق بين الدراسات التي تعتبره مسؤولا بشكل أساسي وكبير عن تلك الظاهرة، وبين تلك التي تقلل من دوره.
ثر الجدل بين الخبراء حول مدى مساهمة قطاع الثروة الحيوانية في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويبدو أن الحقيقة بشأن تسبب هذا القطاع في انبعاث الغازات توجد في المنتصف بين من يعتبره مسؤولا بشكل واسع ومن يقلل من دوره تماماً.
المؤلف الأمريكي جوناثان سافران فوير عالج هذا الموضوع في كتابه “تناول لحوم الحيوانات” الذي حقق مبيعات عالية، وهي القضية نفسها التي تشغل علماء المناخ والمهندسين الزراعيين، فهم حاليا مهتمون بمعرفة مدى مساهمة النشاط الإنساني المتمثل في تربية الحيوانات في انبعاث الغازات الدفيئة الضارة بصحة المناخ.
يتعلق الأمر من جهة بالانبعاثات التي تنجم مباشرة عن تربية الحيوانات بشكل عام مثل تربية الأبقار التي تنتج غاز الميثان أثناء عملية الهضم. ومن جهة أخرى، يركز العلماء أيضا على نسبة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، الناجمة عن نشاطات متعلقة بتربية الحيوانات كتسميد الحقول ونقل الأعلاف واستخدام الآلات ومنها تلك الخاصة بحلب الأبقار مثلا.
وتتركز مهمة العلماء في معرفة دور كل هذه العوامل في نسبة الانبعاثات الغازية الضارة. لكن الباحثين توصلوا إلى نتائج مختلفة جدا حول علاقة أكل اللحوم بالضرر الذي يلحق بالبيئة نتيجة للانبعاثات المترتبة على تربية الحيوانات، كل حسب العوامل التي أخذها بعين الاعتبار.
لذلك ثارجدل واسعحول الأرقام الصحيحة بالفعل، فبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO تصل النسبة إلى 18 في المئة،وقد تم الاعتماد في تحديد تلك النسبة على دراسة “الظلال القاتمة لتربية الحيوانات” التي أُعدت عام 2006. لكن معهد المراقبة العالمي Worldwatch Institute (WWI) المرموق يختلف مع هذا الرأي معتمداً على دراسة “الثروة الحيوانية والتغير المناخي” التي نشرت في عام 2009.
في تلك الدراسة التي نشرها روبرت غودلاند وجيف أنهانغ، وكلاهما عملا كخبيرين لسنوات طويلة في البنك الدولي، خلص الكاتبان إلى أن تلك النسبة تصل إلى 51 في المئة.
فرضيات قوية – دلائل قوية
هذا الرقم يثير شكوك كبار الباحثين مثل كلاوسبوترباخ، الذي يجري أبحاثا حول العلاقة بين تربية الحيوانات والتغير المناخي في كل من معهد كارلسروه للتكنولوجيا والمعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية في نيروبي، وهويتساءل عن مصدر تلك النسب العالية.
لكن ما هي النسبة الصحيحة بالفعل؟ الباحث كلاوسبوترباخ والعديد من زملائه يرون أن الزراعة بجميع عملياتها تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية بنحو الثلث، و يرى الباحث بوترباخ أن هذه القيمة صحيحة لأنها نشرت على نطاق واسع،على سبيل المثال من خلال أبحاث عالمة المناخ الدنماركية سونيا فيرمولين، وعالم البيئة جون انجرام الذي يدرس في جامعة أكسفورد، فكلاهما قاما معا عام 2012 بنشر دراسة شهيرة تم الاقتباس منها كثيرا بعنوان “تغير المناخ والنظم الغذائية”.
وكما يقول بوترباخ، فإن “نسبة الثلث أصبحت الآن نسبة شبه متفق عليها، وما تم الآن إضافته إلى تلك القيمة القياسية الآن، هو التغيرات الحقيقة في استخدام الأراضي والآثار المناخية، فعندما تلجأ البرازيل مثلا إلى قطع الغابات المطيرة بشكل جائر بهدف زراعة فول الصويا، فإنها تفقد بالتاليأشجارا كثيرة كانت بمثابة مخازن للكربون، وبذا تفقد الغابة قيمتها كخزانات تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون.”
وتعد تلك الأرقام أدق من الدراسة التي أجرتها منظمة الأغذية والزراعة لأنها تأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت على استخدامالأراضي.لكن من أين تأتي القيمة العالية التي تصل إلى 51 في المائة؟
آثار إنتاج اللحوم
“أكبر مما كان مفترضا في السابق”
لقد قام المدافعون عن حقوق الحيوان في مؤسسة ألبرت شفايتزر بالتدقيق في الدراسة التي قامت بها منظمة الأغذية والزراعة بالتفصيل ومقارنتها مع تحليل معهد Worldwatch(WWI) ، وتتلخص النتيجة التي تم التوصل إليها في أن رأي كلا الجانبين ليس قاطعا بما يكفي، إذ حوى رأي معهد(WWI) بعض المبالغة، بينما تحصر منظمة الأغذية والزراعة المسألة في حيز ضيق للغاية وتعمل بالاعتماد على بيانات قديمة.
عند المقارنة يمكن أن نرى بوضوح الأساليب المختلفة التي يتم اتباعها لدى إجراء الدراسات المناخية، فمن ناحيته يركز معهد ( WWI) على انبعاثات غاز الميثان نتيجة لتربية الأبقارويعتبرها أكثر ضررا على صحة المناخ بمعدل 25 ضعفا مقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون، وهو التقييم الذي أصبح معتمداالآن في العديد من الدراسات.
ويضع المعهد أيضا في الاعتبار تأثير تنفسالماشية في مفاقمة ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو عامل لا تكاد دراساتالمناخ الأخرى تأخذه بعين الاعتبار، شأنه شأن الأثر الذي يتركه تنفس الإنسان.
والأمر نفسه ينطبق على الفرصة الضائعة التي لم يتم استغلالها لإعادة تشجير الغابات في المناطق التي تعرضت فيها الغابات للتدمير، وهي من بين العوامل التي يضعها المعهد في الحسبان.
وبذا نجد أن بعض العوامل يتم وضعها في الاعتبار مرتين، وكما ترى مؤسسة ألبرت شفايتزر السويسرية، فإنه “منالصعب فهم هذا الحساب المزدوج، فالسؤال الأهم هو ما إذا كان من الضروري أخذ جميع الفرص الأخرى الضائعة بعين الاعتبار.”
“الأبقار جزء من الطبيعة”
كل هذه الأسئلة أدت أيضا إلى فتح نقاش جديد في ألمانيا حول اتباع نظام غذائي نباتي غير ضار بصحة المناخ.
ويتم التركيز هنا على صناعة اللحوم وتنمية الثروة الحيوانية وما ينتج عنها من انبعاثات عالية من غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري.
لكن هناك أيضاً أصوات معارضة لتلك الآراء، كالطبيبة البيطرية والكاتبة الألمانية أنيتا آيدل، فهي ترى بأن اعتبار تربية الماشية ضارة بصحة المناخ “خطأ فادح يتم توظيفه بشكل ماهر في النقاش حول حماية البيئة والمناخ”.
ومن وجهة نظر آيدل فإن الأبقار “جزء من الطبيعة، وهي تساهم منذ آلاف السنين في زيادة خصوبة الأرض، لذا فإن معظم الدراسات حول التأثير السلبي لتربية الماشية على صحة المناخ، قائمة على أساس غير علمي، لأن معظم الباحثين يضعون في الاعتبار جانبا واحدا فقط من الصورة في الاعتبار”.
وتضيف الطبيبة البيطرية أن تربية الحيوانات بأسلوب مستدام يساعد على الحفاظ على التربة، حيث لا مجال فيه لاستخدام الأسمدة الاصطناعية موضحة أن للاعتماد على العشب أهمية كبيرة هنا، لأنه كعلفللماشية يعتبر أفضل كثيرا مقارنة مع الذرة وفول الصويا والذرة، بالإضافة إلى أن زراعة العشب أكثر رفقا بصحة المناخ.
وكما تقول آيدل فإن “هناك حاجة كبيرة لإجراء المزيد من الأبحاث لمقارنة الأنظمة المختلفة المتبعة في تربية الحيوانات، بدلا من تحليل تربية الحيوانات ضمن نظام الزراعة الموسع الذي تستخدم فيه الأسمدة الاصطناعية الضارة بالبيئة”.
وتعتبر آيدل أن تقييم ضرر غاز الميثان على صحة المناخ بأنه أكبر بحوالي 300 ضعفا مقارنة بثاني أكسيد الكربون، أمراً تقوده المصالح المختلفة ويعمل ضد الزراعة المستدامة.
يتحدث أيضاً كلاوس بوترباخ عن أسلوب جديد لتربية الحيوانات، بعيدا عن المزارع الكبيرة المغطاة بالعشب والتي يتم فيها إرهاق التربة من خلال تربية عدد كبير من الحيوانات.
فعندها تفقد تلك المساحات الخضراء قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
وكما يقول الخبير البيولوجي، فإن “علينا تجنب تربية الحيوانات بذلك الأسلوب، كما علينا كذلك التخلي عن العادة الغذائية السيئة فيحياتنا اليومية، والمتمثلة في اكل كميات كبيرة من اللحوم.
إن اتباع نظام غذائي أكثر توازنا سيعود بالفائدة على صحة الانسان وصحة المناخ.”
dw