عندما تفكر في طبيعة إمارة أبوظبي قد تتصور وجود شواطئ رملية وكثبان متموجة من الرمال تتخللها هنا وهناك بعض النباتات التي قد تثيرها الرياح بين الحين والآخر، وهو مشهد لا يتسم بالكثير من الخصوبة الزراعية والخضرة.
ولكن هذه المنطقة الحارة والجافة تمتلك بالفعل إمكانات كبيرة لدعم نوع من الحياة يمكن أن يساهم في التطور الاقتصادي والبيئي للإمارة. فبعض المساحات الشاسعة من صحراء وساحل أبوظبي، يمكن أن تصبح يوماً ما مزارع لنوع واعد من المحاصيل التي توفر طاقة مستدامة وسلعة تصديرية قيّمة. وهذا المحصول هو أنواع معينة من الطحالب، وهي نباتات بسيطة تنمو في المياه وليست لها جذور أو سيقان أو أوراق حقيقية كما هو الحال في النباتات الأخرى، ويمكن زراعتها بسهولة هنا.
إن المناخ المناسب ووفرة أشعة الشمس يجعلان من أبوظبي بيئة مثالية لزراعة ونمو الطحالب -وعند القيام بالمعالجة المناسبة، يمكن تحويل هذه الطحالب إلى مصدر للطاقة، أي إلى وقود حيوي.
ويتميز الوقود الحيوي المستخلص من الطحالب بالعديد من المزايا الإيجابية مقارنة بمصادر الوقود الحيوي الأخرى. إذ يمكن زراعة الطحالب بسهولة على الأراضي الجافة أو المالحة، أو الأراضي القاحلة التي لا تصلح للزراعة، بمفهومها التقليدي. وهذه ميزة مهمة أخرى حيث لا ينطبق عليها الجدال القائم حول “الغذاء مقابل الوقود” الذي كثيراً ما تحتدم سجالاته ضد أشكال أخرى من الوقود الحيوي، مثل الإيثانول المستخرج من الذرة، على اعتبار أن تخصيص أراضٍ خصبة لزراعة الإيثانول الموجه لإنتاج وقود حيوي من شأنه أن يؤثر سلباً على حجم الأراضي والمياه المخصصة لإنتاج الغذاء. وقد احتد هذا السجال خلال السنوات الأخيرة، وخاصة مع تنامي معدلات إنتاج الإيثانول، وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية الغذائية.
كما أن الطحالب لا تستنزف أيضاً مخزون دولة الإمارات الثمين من المياه العذبة، حيث يمكنها أن تنمو في المياه المالحة ومياه البحر، وحتى في مياه الصرف الصحي. كما أن عملية زراعة الطحالب خالية من انبعاثات الكربون وهذا يعني الحد من معدل التلوث، وهذه ميزة بيئية أخرى في غاية الأهمية. وأخيراً، يمكن أيضاً استخدام الطحالب في إنتاج منتجات ثانوية مفيدة مثل الأدوية والمواد الغذائية التكميلية.
ومع أخذ كل هذه الفوائد والمزايا الإيجابية في الاعتبار، بدأ معهد “مصدر” للعلوم والتكنولوجيا في دراسة سبل استخدام الطحالب الدقيقة المحلية لصنع الوقود الحيوي. وتشرف على تنفيذ هذه الأبحاث فرق متعددة التخصصات من العلماء والمهندسين في معهد “مصدر”، حيث يعكفون على دراسة زراعة الطحالب من الناحية الهندسية الزراعية والكيميائية لإنتاج وقود الديزل ووقود الطائرات. ومن الناحية الزراعية، يسعى الباحثون لمعرفة البيئة المثلى لنمو الأنواع المحلية من الطحالب وذلك من حيث درجات الحرارة والملوحة والتعرض لأشعة الشمس.
كما تجري دراسة فكرة استخراج الزيوت من الطحالب باستخدام تقنيات معالجة الوقود الحيوي المعتادة، لكي يتم لاحقاً تحويلها إلى وقود، إلى جانب بحث طرق أخرى جديدة لإنتاج الوقود الحيوي لا تعتمد على الزيوت. ويجري معهد “مصدر” أيضاً أبحاثاً على منتجات الطحالب مثل البروتينات والكاروتين (صبغ يوجد في أنسجة النباتات والحيوانات ويحول إلى فيتامين “أ” في الكبد) التي يمكن استخدامها في المواد الغذائية التكميلية أو صناعة الأدوية.
وتعتمد هذه الأبحاث على فهم المسارات الأيضية أو التفاعلات الكيميائية المتتابعة التي تستخدمها الطحالب لإنتاج المواد الغذائية مثل “البيتا كاروتين”، وهي المادة التي يعتمد عليها الجسم في إفراز فيتامين “أ”. وفي ذات الوقت تجري حالياً دراسة الخريطة الجينية للطحالب المحلية لهذا الغرض، ثم سيتم بعد ذلك تعديلها وراثياً لتحسين مستوى كفاءة هذه التفاعلات الكيميائية.
وبالإضافة إلى الطحالب، يُجري العلماء والمهندسون في معهد “مصدر” أبحاثاً على الطحالب كبيرة الحجم والمعروفة باسم الأعشاب البحرية، وهي تعتبر مصدراً غنياً لصناعة الأدوية مثل المضادات الحيوية والمركبات المضادة للفيروسات، وهي لذلك ذات قيمة تجارية عالية جداً. ولكن لا يعرف سوى القليل في الوقت الحاضر عن المنتجات التي يمكن الحصول عليها من الطحالب المحلية كبيرة الحجم ومكوناتها.
ويتركز العمل في الوقت الحالي على إجراء الأبحاث على الطحالب الكبيرة المحلية في دولة الإمارات، ودراسة التفاعلات الكيميائية الخاصة بها. وبفضل نحو 2390 كيلومتراً من الخط الساحلي لدولة الإمارات، يمكن أن يصبح لأبوظبي، ودولة الإمارات العربية المتحدة، قطاع اقتصادي وإنتاجي جديد “أخضر” وقابل للنمو يعتمد أساساً على المنتجات المستخلصة من الكائنات البحرية الحية.
الدكتور روبرت بالدوين
أستاذ الهندسة الكيميائية في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا
المصدر: جريدة الاتحاد