تعتبر الطاقة الشمسية من أكثر مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة المتوافرة على سطح الأرض، وهذا بجانب مصادر الطاقة الثانوية الأخرى مثل طاقة الرياح وطاقة الأمواج والطاقة الكهرومائية والطاقة الناتجة من تحلل الكتلة الحيوية.
وتتميز الطاقة الشمسية بتوافرها وسطوعها لفترات طويلة على بقاع كثيرة في شتى أنحاء العالم، كما تتميز بتوافر عامل الأمان البيئي فيها كونها من مصادر الطاقة النظيفة التي لا ينتج عنها أي ملوثات أو نفايات.
لذا يحاول الإنسان منذ قديم الأزل وبكل الطرق والوسائل استغلال هذا المصدر في إنتاج الطاقة سواء كان هذا بشكل بسيط ومباشر كما في حالة التدفئة المباشرة وتجفيف المحاصيل الزراعية والأغذية، أو كان بشكل غير مباشر وأكثر تطورا، وهو الحاصل في التقنيات الحديثة التي تهدف إلى استغلال حرارة الشمس وتحويلها إلى نوع آخر من الطاقة المكافئة سواء كانت كهروضوئية أو حرارية.
وقد أسهم التقدم العلمي والتقني الحادثان في تطوير التقنيات الخاصة باستغلال الطاقة الشمسية وباكتشاف سبل ووسائل إضافية للاستفادة من هذا المصدر المتجدد. ومن هذه الوسائل على سبيل المثال البرك الشمسية، التي يمكن من خلالها تحويل الإشعاع الشمسي إلى طاقة حرارية، واستغلال ذلك في توليد الطاقة الكهربائية أو في بعض الأغراض الصناعية أو فى تحلية مياه البحر فى المناطق النائية التى تعانى نقصا فى المياه العذبة.
فكرة العمل
تعتبر البرك الشمسية من الأنظمة الجديدة المبتكرة التي يمكن بواسطتها تخزين الطاقة الشمسية الحرارية في فترة الصيف، والاستفادة منها في الشتاء خصوصا في فترة انخفاض الإشعاع الشمسي.
والبركة الشمسية هي عبارة عن حفرة أو بركة ثلاثية الأبعاد من المياه الملحية يعمل سطحها ومحتواها المائي الطبقي والمتدرج في الملوحة على امتصاص حرارة الشمس الساقطة عليه وتخزينها كطاقة حرارية كامنة في قاع البركة.
وهناك نوعان من البرك الشمسية، الأول يعتمد على تركيز الأملاح بالبركة واختزان الطاقة الحرارية بقاع البركة عن طريق إعاقة تيارات الحمل، في حين يعتمد النوع الثاني على تخزين تللك الطاقة عن طريق إعاقة عملية التبخر.
ويتكون النوع الأول من البرك الشمسية وهي الأكثر شيوعا من ثلاث طبقات من المياه متباينة في درجة الملوحة، تبدأ بالطبقة العلوية وتكون ذات تركيز ملحي ضعيف، تليها الطبقة الوسطى وتزيد فيها درجة التركيز الملحي تدريجيا بزيادة العمق، لذا فهي تمنع التبادل الحراري بين الطبقة السفلى الموجودة بقاع البركة والطبقة العليا ضعيفة الملوحة، ثم يلي ذلك الطبقة السفلية التي غالبا تكون فائقة الملوحة وإليها يرجع الفضل في قدرة البركة على الاحتفاظ بالحرارة الشمسية وتوليد الطاقة.
وتعمل البرك الشمسية وفق مبدأ بسيط للغاية، يعتمد على تثبيط تيارات الحمل الحراري ومنع فقد الطاقة الحرارية المختزنة قرب قاع البركة. فالمعروف أن أشعة الشمس تتسبب في ارتفاع درجة حرارة المياه وتسخينها في البرك والمسطحات المائية العادية وهو ما يجعل المياه الموجودة بالأسفل أخف وزنا وأقل كثافة، وهذا بدوره يجعلها تبدأ في الارتفاع للأعلى بواسطة تيارات الحمل حتى تبلغ السطح وتفقد في النهاية حرارتها المختزنة بسبب تعرضها للهواء.
لكن هذه العملية لا تتم بهذا الشكل في حالة البرك الشمسية، وهذا بسبب تمايز المياه فيها إلى ثلاث طبقات، ووجود طبقة ملحية عالية الكثافة في الأسفل يصعب ارتفاعها للأعلى بسبب ثقلها النوعي، وأيضا بسبب وجود طبقة متوسطة كبيرة السمك تعوق عمل تيارات الحمل وارتفاع المياه من الأسفل للأعلى. لذا فإن النتيجة النهائية بقاء الماء الساخن في أسفل البركة الشمسية وتزايد حرارته باطراد حتى حدود 95 درجة مئوية، وهذا خلافا لدرجة حرارة المياه الموجودة قرب السطح والتي لا تزيد في العادة عن 30 درجة مئوية.
وهذا الفرق الحراري يمكن استغلاله في توليد الكهرباء والطاقة عبر استخدام مضخة حرارية متصلة بمولدات أو توربينات خاصة أو عبر استخدام محرك الهواء الساخن المعروف باسم محرك ستيرلينغ الذي يعتمد على الحرارة مشغلا رئيسيا بجانب الغاز.
المتطلبات ومجالات التطبيق
ولإنشاء البرك الشمسية يجب توافر بعض المتطلبات والشروط أهمها توافر مساحة كبيرة نسبيا من الأراضي المسطحة، ومصدر للمياه عالي الملوحة، وموقع ذي سطوع شمسي عال. وعلى المستوى العملي والتجريبي فإنه يجب تبطين جوانب وقاع البركة الشمسية بمادة قاتمة اللون لامتصاص أكبر قدر من حرارة الشمس، وللحيلولة في الوقت نفسه دون تسرب مياه البركة إلى باطن الأرض، وهذا بجانب إعداد جوانب البركة بحيث تكون مائلة بزاوية 45 درجة.
كما يجب ملاحظة أن عملية إنتاج الطاقة من البرك الشمسية تتطلب في البداية بعض الوقت، وهذا لكى تصل درجة الحرارة في منطقة الطبقة السفلى القريبة من القاع إلى حالة الاتزان والثبات الحرارى المطلوبين. أما في مرحلة التشغيل، فيجب العمل على إزالة طبقات الأملاح المترسبة دوريا، كما يجب بطبيعة الحال تجديد المياه المعرضة للتبخر والتسخين باستمرار. وعمليا يمكن توليد الكهرباء من البرك الشمسية بقدرة 5 ميغاوات أو أكثر.
وعلاوة على إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية، يمكن كذلك استغلال البرك الشمسية في أكثر من تطبيق واستخدام ثانوي مثل تدفئة المنازل والمسابح الرياضية، وإنتاج الملح كناتج ثانوي أثناء التشغيل، وإنشاء مَرابٍ سمكية وتجفيف الحبوب والمنتجات الغذائية. كما يمكن إدارتها بشكل متكامل عبر إنشاء محطات لتحلية لمياه البحر تعمل على إمداد البرك الشمسية بالأملاح والمياه فائقة الملوحة وتسهم من جهة أخرى في خفض تكلفة التشغيل وإمداد المناطق النائية بالمياه.
المزايا والعيوب
وتتميز البرك الشمسية عن باقى تقنيات استغلال الطاقة الشمسية بتوافر الأراضي اللازمة لها بمساحات كبيرة وتكلفة منخفضة، وبقدرة هذه البرك على تخزين الطاقة الحرارية في جميع الأوقات ليلا ونهارا صيفا وشتاء. كما تتميز بإمكانية تطبيق تقنياتها فى المناطق النائية التي تعاني نقصا في المياه بتكلفة إجمالية معقولة وأقل عموما من الطاقة المتولدة بمحركات الديزل. وهي علاوة على ذلك تقوم بإنتاج الطاقة بطريقة نظيفة ودون حرق الوقود أو إطلاق غازات ضارة أو نفايات أي بشكل مستدام بيئيا.
وتتميز كذلك الكهرباء المولدة بنظام البرك الشمسية باستقرار الجهد والتردد، وهذا خلاف الكهرباء المولدة مثلا بنظام تكنولوجيا طاقة الرياح.
أما التكلفة فإن البرك الشمسية تعد من أرخص تقنيات الطاقة الشمسية، سواء كانت حرارية أو كهروضوئية، حيث تتراوح التكلفة الاستثمارية للكيلوواط الواحد المنتج بهذه التقنية بحوالي 3000 إلى 5000 دولار، أي نصف تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية بواسطة الخلايا الكهروضوئية.
وعلاوة على كل ذلك فإن العائد الإقتصادى من استخدام نظام البرك الشمسية مصدرا من مصادر الطاقة يعد مجديا للغاية، خاصة إذا ربطت القدرة الكهربائية المنتجة فى نظام متكامل مع وحدة لتحلية مياه البحر أو المزارع السمكية أو أحواض إنتاج الملح.
فرص التطبيق في العالم العربي
على المستوى العالمي تعد أستراليا والولايات المتحدة الأميركية والهند من أكثر الدول الرائدة في تطبيق تقنيات البرك الشمسية. أما على مستوى الشرق الأوسط والمنطقة العربية فتعد إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة المطبقة لهذا النظام. بل تعد من أكثر الدول تقدما في هذا المجال، حيث بدأت العمل البحثى والتجريبي به منذ العام 1958، مما مكنها من إنشاء أول بركة شمسية بالمنطقة والعالم. وقد كان هذا في العام 1959 قرب البحر الميت وكان طول البركة 25 مترا وعرضها 25 مترا.
وخلاف ذلك لم تتخذ أي دولة أخرى بالمنطقة للأسف أي خطوة حقيقية حتى الآن تتيح لها الاستفادة من هذا المصدر المتجدد والمستدام لإنتاج الطاقة، أو تتيح لها منافسة دولة الاحتلال الإسرائيلي في مجال إنتاج الطاقة المستدامة، وهذا رغم عدم وجود عائق مادي أو تقني ورغم توافر كل العوامل والمتطلبات اللازمة لإقامة وتشغيل البرك الشمسية، وأهمها ملائمة الموقع الجغرافي وطبيعة المناخ وقوة السطوع الشمسي، وتوافر المسطحات والبرك الملحية في عدد كبير من الدول العربية كونها تتمتع بسواحل عريضة ويطل بعضها على سواحل عريضة وممتدة، إما البحر المتوسط أو البحر الأحمر أو الخليج العربي وبحر العرب.
ترى هل ستلتفت الحكومات والهيئات العربية إلى ما تمتلكه بلادنا من ثروات وموارد متجددة وتقوم باستغلالها على الوجه الأمثل؟ وهل ستلتفت إلى أهمية الأخذ بالتقنيات الجديدة والواعدة المنتجة للطاقة مثل البرك الشمسية وغيرها من التقنيات والأساليب الحديثة، أم ستظل كما هي أسيرة التبعية والنمط الاستهلاكي؟
د. وحيد محمد مفضل
* باحث علمي من مصر، حاصل على الدكتوراه في الدراسات البيئية والاستشعار عن بعد
المصدر : الجزيرة