للبلاستيك دور هام وحيوي في حياتنا اليومية، وقلما تجد منتجا صناعيا يخلو من أحد أنواع البلاستيك، وقد أطلق البعض على عصرنا اسم “عصر البلاستيك” الذي بدأ منذ عام 1907عندما اخترع العالم “ليو بايكلاند” أول مادة بلاستيكية.
وتقدر الدراسات أن إنتاج البلاستيك التقليدي يستهلك سنويا 4% من مجمل الإنتاج العالمي من النفط الخام، وأنه في عام 2012 تم إنتاج 280 مليون طن من البلاستيك عالميا.
واستعملت هذه الكميات الضخمة المنتجة في معظم الصناعات، ووجد نصفها طريقه نحو مكبات النفايات على شكل قمامة ملأت قارات العالم ومياه المحيطات.
نفايات تقاوم التحلل
يتميز البلاستيك التقليدي بمقاومته للتحلل الأحيائي وغير الأحيائي في البيئة، فبعض أنواع البلاستيك تحتاج إلى نحو ألف عام لكي تتحلل، وإذا تم حرق النفايات البلاستيكية، ينتج عنها انبعاث لعدد كبير من الغازات والمركبات الخطيرة والضارة بصحة الإنسان والبيئة.
ومنذ أن اخترع البلاستيك وحتى الآن، شكلت مخلفاته مشكلة بيئية معقدة ألقت بظلالها الداكنة على كافة الكائنات الحية سواء كان هذا التأثير ماديا مباشرا أو كان تأثيرها كيميائيا بسبب إطلاق بعضها لمواد سامة.
لقد عانى كثير من الكائنات الحية البرية والمائية من المخلفات البلاستيكية، فمن النادر أن توجد منطقة على سطح الأرض لا توجد فيها قطع من البلاستيك سواء على شكل قوارير فارغة أو أكياس أو ألواح متناثرة أو غيرها، وهذه المخلفات شكلت خطرا داهما على استقرار التنوع البيئي في كثير من بقاع العالم وخسارة للثروة الحيوانية، مما حدا بأنصار البيئة والعلماء، إلى المطالبة بإيجاد أنواع جديدة من البلاستيك، قادرة على التحلل بيئيا ولا ينتج عنها مخلفات على المدى الزمني الطويل نسبيا.
الكيمياء الخضراء
منذ ثمانينيات القرن الماضي، والباحثون يسعون إلى إيجاد بديل مناسب عن البلاستيك التقليدي المصنوع من النفط الخام، وقد أسفرت الأبحاث التي قادها فريق من الكيميائيين عن ابتكار البلاستيك العضوي أو البلاستيك الحيوي المصنوع من بعض المواد النباتية الخام والمتجددة، كالذرة والقمح والبطاطس وقصب السكر حيث يتم الحصول على النشا والسكريات والسليلوز، وبواسطة بعض المعالجات الحيوية والكيميائية، يتم تصنيع هذا النوع من البلاستيك القابل للتحلل بيولوجيا خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا.
ويقسم البلاستيك العضوي أو الحيوي إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي:
* بلاستيك متحلل ضوئيا، وهو نوع من البلاستيك الحساس للضوء وخصوصا للأشعة فوق البنفسجية، حيث تتفكك الروابط الكيميائية الموجودة فيه خلال بضعة أشهر.
* بلاستيك كامل التحلل، وتتعدد أنواع هذا النوع من البلاستيك، ومنها “البولي لاكتات” و”البولي ايسترات” و”متعدد السكريات” وهذا النوع من البلاستيك يتم تصنيعه من مواد طبيعية نباتية وبكتيريا وفطريات.
*بلاستيك نصف متحلل وينتج من خلال عملية الجمع بين البلاستيك التقليدي والنشا، إذ يستعمل “البولي بروبلين” و”البولي ايثيلين” مع النشا وتستطيع الكائنات الحية الدقيقة تحليل الشق الطبيعي المحتوي على النشا، والهدف من تصنيع هذا النوع من البلاستيك العضوي تقليل كمية النفايات البلاستيكية.
ويعتمد استخدام الأنواع السابقة من البلاستيك العضوي على نوع المنتج المراد تصنيعه والغاية من استعمال البلاستيك، وتعد البرازيل حاليا من الدول الرائدة في مجال إنتاج هذا النوع من البلاستيك، حيث تستثمر شركة “براسيكم” الكميات الضخمة من قصب السكر التي يتم إنتاجها في البلاد.
وقد استخدمت بعض أنواع البكتيريا المعدلة وراثيا لإنتاج البلاستيك العضوي حيث تعمل على استقلاب الكربوهيدرات والأحماض الدهنية التي يتم استخراجها من النفايات لإنتاج مادة بوليستر بيولوجية.
ويسعى حاليا فريق من الباحثين الهولنديين من شركة “أفانتيوم” إلى استغلال الطحالب وتحويلها إلى مادة بلاستيكية نظرا لمحتواها المرتفع من بعض المواد العضوية التي يمكن معالجتها للحصول على بلاستيك عضوي، يمكن استخدامه لتصنيع القناني والأكياس وبعض أجزاء الأجهزة الكهربائية.
مصاعب وتحديات
لقد تضاعف إنتاج البلاستيك العضوي خلال السنوات القليلة الماضية، وزادت الاستثمارات المخصصة لإنتاجه والتي تهدف إلى تحقيق مفهوم الاستدامة البيئية، إلا أن أسعار مثل هذا النوع من البلاستيك مرتفعة حاليا وتبلغ نحو خمسة أضعاف كلفة إنتاج البلاستيك التقليدي.
ويوجه نقد حاد للبلاستيك العضوي لكونه يعتمد على بعض المنتجات النباتية التي سيكون استغلالها على حساب غذاء الإنسان، كما أن جودة هذا البلاستيك تختلف قليلا عن جودة البلاستيك التقليدي.
ولتذليل هذه المصاعب يسعى الباحثون إلى استغلال المخلفات النباتية لإنتاج البلاستيك العضوي، وتعد مؤسسة “كليماتيك” في البرازيل -التي أنشئت بتعاون ألماني برازيلي- من المؤسسات المهتمة بإنتاج هذا البلاستيك من فضلات ومخلفات مصانع قصب السكر، كما تسعى الشركات المنتجة له إلى المزاوجة بين البلاستيك العضوي والبلاستيك التقليدي لتحسين المنتج وتقليل التكاليف المادية.
إن إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية التقليدية على مستوى العالم، لا تزال أقل من المستوى المطلوب، وبالرغم من أهمية إعادة استخدام الكميات الهائلة من تلك المخلفات، فإن عملية إعادة تدويرها ما زالت مكلفة ولا يمكن أن تطبق على كافة أنواع المخلفات البلاستيكية التي يتوقع أن تبلغ كميتها في عام 2050 نحو 33 بليون طن.
من هنا يكتسب البلاستيك العضوي أهمية خاصة في كونه صديقا للبيئة وذاتي التحلل إلى حد كبير ويخلو معظمه من المركبات السامة والخطيرة التي تفتك ببيئتنا حاليا.
الجزيرة