من الذى استقدم بذور هذه الشجرة الشريرة ليدمر بها البيئة المصرية ؟ وهل الإجراءات الحالية كفيلة بكبح جماحها قبل أن تتغول، وتدمر كل شىء؟
إنها شجرة الموسكيت المعروف عنها سرعة الانتشار كالسرطان التي لا يماثلها فى خطورتها أى نبات آخر بل أى من عناصر التنوع الإيكولوجى، لذا صنفها الاتحاد الدولى(IUCN) كأخطر الكائنات الحية فى العالم فى حالة إدخالها لتزرع فى بيئات غير بيئاتها الأصلية.
ونظرا لشراستها أطلق صناع السلاح اسمها على أخطر الصواريخ المدمرة، فيما يلقبها خبراء الزراعة وعلماء البيئة بسرطان البيئة أو الشجرة الحمقاء.
لقد تم رصد هذه الشجرة مؤخرا في البيئة المصرية، ووجدت حول أسوار أحد المشروعات الضخمة بالقاهرة، وتحديداً على الطريق الدائرى، كما أنها ظهرت فجأة فى جنوب سيناء، وأوشكت عملية تطهير أرض منطقة الطريق الدائرى الأوسط بشرم الشيخ منها على الانتهاء.
ولأن وجودها فى أى مكان بالبيئة المصرية يمثل كارثة الكوارث، فالمؤكد أن اكتشافها فى البيئة المصرية يحتاج لإجراءات حاسمة تُمكن من القضاء عليها، قبل أن تنتشر وتستفحل وتستحيل مقاومتها.
ويؤكد الخبراء أن الأمر يحتاج إلى طوارئ على أعلى مستوى لإجراء عمليات مسح شاملة بجميع محافظات مصر ، كي لا يترك الأمر للصدفة البحتة، وكي لانفاجأ فى النهاية بمشكلة بلا حل!
أضرارها فادحة
يقول الدكتور محمد سالم -رئيس قطاع محميات جنوب سيناء- : «الوطن الأصلى لشجرة الموسكيت هو المكسيك، وهى شجرة دائمة الخضرة طول السنة، وأفرعها تنمو بطريقة عشوائية غير منتظمة، وذات أشواك حادة جداً وكثيفة للغاية، تحول حتى دون الاستفادة بها فى رعى الحيوانات المستأنسة، وتشبه فى شكلها بعض الأشجار البرية الموجودة فى سيناء، ومنها شجرة الأكاشيا إلا أنها تختلف عنها، وقد جلبها الإنجليز للسودان في أثناء احتلالهم له، لاستخدامها فى تثبيت الكثبان الرملية، وكانت الكارثة أنهم استخدموا الطائرات فى رش بذورها، وبمتابعتهم لنموها اكتشفوا تسببها فى أضرار بيئية غير طبيعية بل تسبب أضرارا فادحة من الناحية الاقتصادية أيضاً، لأن جذورها تتوغل وتنتشر فى أعماق الأرض فى جميع الاتجاهات، ولمسافة تصل إلى 60 متراً الأمر الذى يستحيل معه نزعها من باطن الأرض».
فى الوقت نفسه تستنزف شجرة الموسكيت المياه الجوفية فى أى منطقة تنتشر فيها إذ تبتلعها بشراهة، ووصولها للمياه الجوفية يعنى استحالة مقاومة انتشارها أو القضاء عليها، ويتعدى ذلك إلى الجور على المجارى المائية والترع والمصارف لانتشار أفرع الجذور رأسياً وأفقياً، بل ولجذوها القدرة على امتصاص الماء من جذور النباتات الطبيعية المحيطة بها مما يؤدى إلى تدميرها، والقضاء عليها ، ويؤدى ذلك بالتالي إلى التأثير السلبى على الحيوانات والأحياء التى تتغذى على تلك النباتات أو تتعايش فى تلك البيئات، مما يعنى أنها تسهم فى القضاء على التنوع البيولوجى الموجود ببيئته الطبيعية.
ولا يقف الأمر عند هذه الحدود بل تدمر جذور الموسكيت البنية التحتية الموجودة تحت سطح الأرض مثل الصرف الصحى وشبكات مياه الشرب والغاز الطبيعى وغيرها!
وعن صعوبة مقاومة ومكافحة تلك الأشجار يقول الدكتور سالم: «من المعروف أنه على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات على مكافحة أشجار الموسكيت فى الدول التى انتشرت فيها كاستراليا وجنوب أفريقيا والسودان وبعض أجزاء من اليمن إلا أن تلك المكافحة فشلت لأنها بدأت فى مرحلة متأخرة جداً، ولأن تلك الأشجار إذا وصلت إلى أعماق وجود المياه الجوفية تستحيل معها المكافحة.
وكان من النتائج السيئة لانتشارها القضاء على مساحات واسعة من الأراضى الزراعية التى أصبح من المستحيل إعادة زراعتها مرة أخرى، ومن هنا يأتى اتخاذ دول العالم الاحتياطات اللازمة لعدم وصول بذورها، أو زراعتها فى أراضيها.
ظهورها بجنوب سيناء
عن حجم المشكلة بمصر، يقول مدير قطاع محميات البحر الأحمر: «رصدنا مجموعة من أشجار الموسكيت فى جنوب سيناء، وعلى الفور أخطرنا المحافظة ووزارة وجهاز شئون البيئة، وبسرعة اتخذت المحافظة بقيادة اللواء خالد فودة الإجراءات اللازمة.. كما كانت هناك استجابة سريعة من الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة البيئة، والدكتور عمرو السماك رئيس جهاز شئون البيئة، وزيارتهما للمنطقة، مع سرعة اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مما كان له الأثر الأكبر فى نجاح المكافحة بإزالتها، وجمع بذورها من الأماكن المحيطة بها، ثم طحنها، وحرقها طبقاً للمعايير العالمية، لأن خطورتها فى أنها تبقى حية لأكثر من 20 سنة، ويمكن أن تنبت فى أى وقت لمادم توافرت لها ظروف الإنبات الملائمة».
جريدة الأهرام