تحت وطأة سياسات المياه في تركيا وسوريا وعامين من الجفاف المتواصل وسنوات من سوء الاستغلال من جانب العراق ومزارعيه, انحسر نهر الفرات كثيرا وأصبح أصغر مما كان عليه قبل سنوات قليلة, بل إن بعض المسؤولين قلقون من أنه سيصبح قريبا أصغر مما هو عليه اليوم بالنصف.فالفرات الذي كان ذا أهمية بالغة في ميلاد الحضارة الإنسانية والذي تتنبأ بعض الكتب السماوية بأن يمثل جفاف مجراه “أحد أشراط الساعة”, قد هلك الزرع والنخل الذي كان ينمو على ضفافه, وهجره من كان يعيش على الصيد من سمكه, وخلت القرى التي كانت على ضفتيه من مزارعيها بعد أن فروا إلى المدن بحثا عن العمل.
ولئن كان الفقراء هم من يعانون أكثر من هذا الوضع, فإن جميع طبقات المجتمع العراقي تأثرت بهذا الجفاف سواء تعلق الأمر بشيوخ العشائر أو الدبلوماسيين أو أعضاء البرلمان الذين يقضون أوقات راحتهم في مزارعهم بعد أسابيع من العمل في بغداد.
وقد أصبحت حقول القمح والأرز على طول النهر قاعا صفصفا, وتضاءلت القنوات المائية لتتحول إلى جداول ضحلة وهجر الصيادون قواربهم على اليابسة…
إنها أزمة تهدد جذور الهوية العراقية, ليس لأن العراق عرف ببلاد ما بين النهرين فحسب وإنما كذلك لأنه كان في فترة ما أكبر مصدر للتمور في العالم وكان يصدر الشعير لألمانيا ويعتز بأرز الأنبار الثمين.
واليوم ها هو العراق يستورد مزيدا ومزيدا من الحبوب, وها هم مزارعوه يقولون بحسرة وغضب إنهم قد يضطرون لوقف زراعة أرز الأنبار واستبدال عينات أخرى من الأرز أقل تكلفة به.
ورغم أن تركيا بدأت ضخ كميات كبيرة من المياه زادت نسبة تدفق المياه في النهر بـ60% ورغم أنها تعهدت بالمحافظة على ذلك بل بزيادته فإنه ليس هناك معاهدات ولا اتفاقيات تلزمها بذلك.
وقد علق وزير التخطيط العراقي على الوضع الحالي للفرات قائلا “إننا في العراق نعاني من شح شديد في المياه, فزراعتنا ستموت ومدننا ستذبل ولا يمكن الصمت على مثل هذه الوضعية”.