تؤثر التغيرات المناخية تأثيرا كبيرا على الشعوب الأصلية بشكل خاص. زيادة معرفة هؤلاء بالمناطق التي يعيشون فيها، يكسب دورهم في مجال مكافحة التغير المناخي أهمية كبيرة.
لا تزال نسبة كبيرة من السكان الأصليين تعيش في تناغم مع الطبيعة، سواء في المنطقة القطبية الشمالية أو الغابات الاستوائية أو المناطق الساحلية النائية والمناطق الجبلية. لكن تبعات التغير المناخي تؤثر بشكل خاص على هذه الشعوب، ولا يعتبر هذا السبب الوحيد للتركيز عليهم في النقاش الدائر حول المناخ. فالعديد من المناطق التي يعيشون فيها وخصوصا الغابات، تتمتع بأهمية خاصة في سياق حماية المناخ العالمي.
اشارت اللجنة الدولية للمناخ (IPCC) في آخر تقرير لها، إلى أن الشعوب الأصلية تتأثر وتعاني بشكل خاص من تغير المناخ. ويرجع هذا أساسا إلى أنهم يعيشون غالبا في مناطق تتميز بنظم بيئية هشة، تقع في مناطق من العالم لا يمكن الوصول إليها بسهولة. وللمفارقة، فإن هذه العزلة الطويلة هي التي ساهمت في حماية مناطقهم من التدخلات الخارجية. لكن مع الطلب الكبير على المواد الخام في بداية العصر الصناعي، أصبحت صحراء أفريقيا ومنطقة التندرا Tundra في القطب الشمالي وأيضا الغابات الاستوائية المطيرة في الأمازون، محط أنظار جهات خارجية. وترتب على ذلك عواقب وخيمة في بعض الأحيان، ولا سيما بالنسبة لمناطق الغابات التي تعاني من القطع الجائر للأشجار. إن ما يصل الى خمس انبعاثات ثاني اكسيد الكربون عالميا، تنتج عن إزالة الغابات، وذلك بحسب دراسة أجرتها الجمعية الألمانية للتعاون الدولي (GIC).
السكان الأصليون “لاعبون رئيسيون” في حماية المناخ
ونظرا إلى أن الكثير من الشعوب الأصلية تعيش في الغابات وتعتمد عليها في الغذاء، فقد تم في مؤتمر المناخ العالمي في بالي عام 2007، اعتبارهم”لاعبين أساسيين في تنفيذ برنامج REDD”، والبرنامج يتضمن مجموعة متنوعة من المشاريع الدولية، تهدف في مجملها إلى الحد من الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدميرها. ويدخل أيضا بيع شهادات الانبعاثات وحماية المناطق الحرجية في صلب ذلك البرنامج. ومنذ ذلك الوقت، تحمس الساسة من جميع الاتجاهات لالتقاط الصور مع الهنود الحمر بزينتهم الملونة المميزة، وذلك للتدليل لوسائل الإعلام على احترامهم للتنوع الثقافي، وكذلك على اهتمامهم وارتباطهم بالطبيعة.
ومع ذلك، فإن المنظمات المهتمة بالشعوب الأصلية، مثل Indigenous Environmental Network (IEN) تنتظر منذ وقت طويل مشاركة ممثلين عن تلك الشعوب بشكل مباشر في المفاوضات الجارية حول المناخ، وهم يخشون من أن الاموال التي يمكن أن يدرها الاتجار في شهادات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سيؤدي إلى تزايد الرغبة في الاستفادة من الموارد المتوفرة في المناطق التي يسكنها السكان الأصليون. وعلى أية حال، نادرا ما أنشأت دولة ما منطقة محمية من أجل سكانها الأصليين. ولم يتغير الوضع بصدور إعلان الأمم المتحدة عام 2007 بهذا الخصوص.
انتقادات للبرامج العالمية
توم غولدنتوث يشغل منصب المدير التنفيذي لمنظمة IEN ، وهو ينحدر من مجموعة الهنود الأصليين. ويتخوف غولدنتوث من أن “نهاية برنامج REDD ، ستؤدي إلى ستؤدي إلى الاستيلاء على مساحة أكبر من الأراضي، وذلك بشكل لم يشهده العالم على الإطلاق. وسيؤدي الاتجار بشهادات الانبعاثات الكربوني، إلى الاستعمار الجديد والخصخصة الإجبارية، خصوصا بالنسبة للشعوب التي تعيش في الغابات المطيرة. ومن يملك السلطة والمال يمكنه أن يستولي على أراضي ضخمة في البلدان النامية.
وفي مؤتمر هذا العام للتنمية المستدامة في ريو دي جانيرو “ريو +20″، دعت منظمات السكان الأصليين إلى بناء مشاركتها في حماية المناخ على أساس سليم من الناحية القانونية. لكن لم يتم الاستجابة إلى تلك الدعوات، فالحكومات تولي اهتماما أكبر للأزمة المالية، يفوق اهتمامها بحل قضايا البيئية والاجتماعية، بحسب ممثلي السكان الأصليين الذين أعربوا عن معارضتهم للبيان الختامي الرسمي لمؤتمر ريو +20. وطالما لايبدو هناك استعداد لحماية أراضي السكان الأصليين من التلوث ولمنع الاستيلاء على الأراضي من قبل المستوطنين وشركات الأخشاب والتعدين،فلدى الكثير من الشعوب أيضا مخاوف أخرى، بخلاف وضع المناخ العالمي.
حماية المصالح الاجتماعية تأتي أولا
ويعمل ديونيس زنك مع جمعية “الهنود الحمر وحقوق الإنسان”، من أجل حصول الشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية على حقوقها. وقد شهد بنفسه، كيف تمت التضحية بمبادرته التي كونها من أجل حماية الغابات والحياة البرية- من أجل المصالح الاقتصادية لكندا. وتسبب تدمير الغابات بدوره في تدمير البيئة التقليدية لحياة السكان الأصليين.
حماية ثقافة السكان الأصليين تعود بالفائدة على الجميع، وهذا ما خلصت إليه الدراسة التي أعدتها الجمعية الألمانية للتعاون الدولي GIZ، والتي حملت عنوان: “الشعوب الأصلية وتغير المناخ”. ومن الأهمية بمكان أن تتم موائمة المشاريع الإقليمية بحيث تتناسب مع احتياجات السكان المحليين.
المشاريع الإقليمية تكشف إمكانيات جديدة
وهناك بالفعل عدد كبير من المشاريع الصغيرة التي أنشئت خصيصا من أجل فائدة السكان المحليين، كهنود الساتري-ماوي Sateré-Mawé الذين يسكنون في غابات الأمازون، وهم على سبيل المثال يديرون جمعية لتجارة الأعشاب الطبية مثل الغوارنا وزيت خشب الورد والكرز. وفي هذا السياق، تتمثل الشروط الأكثر أهمية في بيع هذه المنتجات بسعر مناسب واتباع أساليب مستدامة في الزراعة والتوزيع. وتقدم منظمات التجارة العادلة توفر وسيلة بديلة لتوزيع المنتجات خارج منطقة الأمازون بأسعار عادلة.
وتعمل شعوب أخرى على نحو مماثل، مثال على ذلك شبكة إنقاذ التايغا (TRN)، وهي المنظمة التي تمثل شعب الخانتي Chanten في مستنقعات وغابات غرب سيبيرياو مناطق السامي والنرويج والسويد وفنلندا. وتدعم تلك الشبكة الاستغلال التقليدي للغابات البكر. جانيس باري من شبكة TRN يعمل على استغلال المنتجات غير الخشبية والتي تعرف اختصارا بـ (NTFPs) ، يرى أنه “عندما يتعلق الأمر باستغلال الغابات، فلا أحد يفكر في الغابات البكر، وعلى النقيض من الاستغلال الحديث للغابات، يمكن لشعوب التايغا الحصول على الغذاء والدواء وأشياء أخرى ضرورية للحياة دون التدخل في الدورة الطبيعية، أي دون قطع الأشجار. وتشكل التجارة في ثمار التوت واللحوم والفطر والنباتات الطبية عاملا اقتصاديا هاما لشعوب التايغا، والذين تقدم لهم الحكومات المعنية حماية كافية.
وهذا في الواقع وضع مربح للجانبين، فمن يحمي الثقافات الأصلية، يحقق فائدة ذاتية، وكما يقول توم غولدنتوث فإن “الشعوب الأصلية يمكن أن تقدم حلولا بشأن كيفية تحقيق الفائدة الاقتصادية مع وضع عامل الاستدامة في الاعتبار. الشعوب الأصلية قامت بتغذية حضارات بأكملها، دون اللجوء إلى الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية والنفط”.
DW العربية