تقترب الطائرة من مطار عاصمة رواندا. تبهرك كيغالي بجمال تلالها الخضر، التي أعطت هذه الدولةَ لقبَ «بلاد الألف تلّة». وفازت كيغالي في عام 2008 بجائزة «برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية الحضرية» كأنظف مدينة في أفريقيا. وتخلو من أكياس البلاستيك. وفي كيغالي، تلتقط العين انتشار وحدات صغيرة للطاقة الشمسية فوق أسطح المدارس، إضافة إلى وتيرة سريعة في البناء، وأسواق حديثة، وصور خلابة على لوحات إعلانية عن المتنزّهات والحدائق البرية، مثل غابة «نيونغوي» في جنوب غربي رواندا.
تمتد هذه الغابة على مساحة 1000 كيلومتر مربع. وتعتبر من أقدم الغابات، إذ يعود تاريخها إلى ما قبل العصر الجليدي. وتعلو البحر بما يراوح بين1600 و2950 متراً. وتضمّ عشرات الأنواع من الأشجار النادرة، ترتع فها القرود والشمبانزي. وكذلك تُظهر صور الإعلان بيئة السافانا والينابيع الصافية في متنزّه «أكاجيرا» في شرق رواندا.
يشقّ هذا المتنزّه نهر «كاجيرا» الذي يصبّ في بحيرة فيكتوريا، وهي من منابع نهر النيل. وتهتم الإعلانات أيضاً بصور الغوريللا التي تحاول رواندا الحفاظ على ما تبقى منها.
البيئة تجذب الاستثمار
في تقريره لعام 2010، وضع البنك الدولي رواندا على قائمة الدول الأكثر جذباً للاستثمار، مشيراً إلى تصدّرها الدول الأفريقية في معدل نمو الدخل القومي، إذ يصل فيها إلى 7 في المئة سنوياً. ووضعت رواندا استراتيجية حتى عام 2020، تعتمد على مبادئ التنمية المستدامة، وتحقيق التوازن بين البيئة والتنمية، مع الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات.
وفازت رواندا هذا العام بجائزة «منظمة سياسة المستقبل الدولية» (مقرها ألمانيا)، بفضل تطبيقها أفضل سياسة لإعادة تأهيل الغابات. ويبلغ عدد سكان رواندا عشرة ملايين نسمة، يعيش معظمهم في الريف والتلال، ويعتمدون على الشرب من مياه العيون العذبة، كما يحصلون على الطاقة من الأخشاب والحطب. ولا تزال غالبية السكان فقيرة. وتسعى رواندا إلى علاج مشكلة الفقر، لكنها تواجه تحديات متنوعة بيئياً واقتصادياً واجتماعياً.
ومن هذه التحديات تدهور البيئات الهشة كالأراضي الرطبة التي تشكل جزءاً كبيراً من رواندا، إضافة إلى تلوث مجاري المياه، وقطع الغابات، وتناقص الأنواع البيولوجية.
وأوصت دراسة من «المنتدى الدولي لحوض نهر النيل» أن تتجه رواندا نحو استخدام تقنية حصاد الأمطار، مع تطوير نظم الري، وزراعة محاصيل تقاوم الجفاف في المناطق الشرقية، واستخدام تكنولوجيات حديثة لحماية التربة، وطرق ري حديثة للمناطق المرتفعة. وتولي رواندا أهمية كبرى للتنمية النظيفة في إطار تنفيذ بروتوكول «كيوتو» عن المناخ. إذ تنفذ مشاريع لترشيد الإضاءة، وتتوسّع في استخدام طاقة الشمس، وتصنّع أفراناً خفيضة الاستهلاك للخشب، وتستخدم الطاقة الحيوية، وتنخرط في مشاريع لإضاءة الشوارع بطاقة الشمس وغيرها.
وأنشأت رواندا وزارة للموارد الطبيعية. واستحدثت جهازاً لإدارة شؤون البيئة، يعرف باسمه المختصر «ريما».
والتقت «الحياة» الدكتورة روز موكانهو ميجي مديرة هذا الجهاز التي أوضحت أن بلادها تنهض بعد معاناة مذبحة الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي. وقالت: «دمرت الحرب البنية التحتية والبيئة، لكننا عملنا على البناء على أسس صحيحة ووضعنا قوانين لصون الموارد الطبيعية وحماية البيئة ودعم التنمية المستدامة. وحرصنا على مشاركة مواطني رواندا». وتناولت تجربة منع أكياس البلاستيك في رواندا. وقالت: «نجحنا لأن الجميع شارك فيها بالعلم والعمل.
وشارك الإعلام بدور كبير. وطُبّق القانون على الجميع بفهم ووعي. أوقفنا استخدام أكياس البلاستيك. ووضعنا بدائل تفيدنا اجتماعياً واقتصادياً. شجّعنا المشاريع الصغيرة الموجهة للمرأة لتصنيع أكياس من قماش القطن وأخرى من أوراق الموز. هذا جزء من معارفنا الشعبية التقليدية. كما شجّعنا التعاون مع الجمعيات الأهلية. لا نعتمد على أكياس الورق، بل نحاول الحدّ من استخدامها أيضاً، لأنها تتضمن هدراً لموارد طبيعية. وجود هذه المشاريع جعل الناس يهتمون بالبيئة، ومشاركة موارد الطبيعة. يعمل جهاز تنظيم شؤون البيئة على تدريب المواطنين ورفع قدراتهم. لا نريد أن تصبح ثقافة البيئة قصراً على العاملين فيها، أو أن تنحصر في قطاع محدود من المجتمع. نرى أن البيئة قضية كل مواطن. يقتصر دورنا على تسيير الأمور وتيسيرها. ولدينا برنامج طموح لتقديم منح صغيرة للشباب والمرأة، يدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة».
تطويع التكنولوجيا محلياً
تحدّثت ميجي عن أساليب العمارة الخضراء المقتصدة في استهلاك المياه والطاقة، فقالت: «تعرضت غابات رواندا لتدهور شديد أثناء فترة الصراع في تسعينات القرن الماضي، ونحاول إعادة تأهيلها. ليس لدينا ما يكفي من الأخشاب للبناء، فنعتمد على الاستيراد، ولكننا نحرص أيضاً على البناء على أسس سليمة علمياً وبيئياً. وقد أنهينا وضع استراتيجية للتكيف مع التغيرات المناخية، تشمل صناعة البناء، وطُرُق استخدام الأراضي في شكل ينسجم مع استدامة موارد الطبيعة وكيف نستخدم أراضينا في شكل مستدام. ولدينا الآن معايير محددة للموافقة على المشاريع، تتصل بتقويم آثارها على البيئة. ونتعاون مع البنوك، إذ لا يحصل مشروع على قرض من البنك من دون الحصول على هذه الشهادة. هذه أموال الشعب، ولا نريد أن نستثمر أموالنا في مشاريع غير مستدامة. ونقدم أيضاً معلومات وافية للمستثمر، كما نتيح له مناخاً جيداً للاستثمار، لكن في ضوء احترام البيئة».
ولاحظت ميجي أن أخطر التحديات يتمثّل في عدم التوازن بين نمو السكان واستخدام الموارد الطبيعية، إذ يعتمد معظم الروانديين على استهلاك الموارد الطبيعية. وقالت: «نواجه تدهوراً في الأراضي نتيجة تزايد ضغوط الاستخدام. ونعاني من تآكل التربة نتيجة ارتفاع أراضي رواندا عن البحر، ما يؤدي إلى جرف التربة الخصبة عند تساقط الأمطار. كما نواجه مشكلة تزايد الحاجة إلى الطاقة. نريد تجنّب قطع الغابات.
وبدأ بعض المشاريع في استخدام طاقة الشمس. في هذا الإطار، تعتبر التكنولوجيا مسألة لها أولوية قصوى. ليست المشكلة هي حصولنا على التكنولوجيا أو نقلها، بل مسألة إدارتها وتكيفها بطُرُق تتوافق مع الظروف محلياً. ولا بد من تشجيع الابتكار المحلي». وأضافت: «أنا مقتنعة بأن القارة الأفريقية يجب ألا تظل معتمدة على العالم الغربي. لا بد من تعاون دول الجنوب مع بعضها بعضاً. من الضروري التعرّف إلى أولوياتنا الحقيقية وحاجاتنا فعلياً، بدل التركيز على اهتمامات الدول المانحة وأولوياتها. عندما نعي ذلك جيداً ونعمل عليه، نتحرك إلى الأمام».
وتحدّثت ميجي عن التغيّر في المناخ وتأثيره في رواندا ودول حوض النيل. قالت: «يعتبر تغيّر المناخ من أكبر الأخطار التي تهدد الحياة في حوض نهر النيل والتنمية فيه، خصوصاً ما يتصل بظواهر التطرّف في المناخ. تعرّضت كيغالي لفيضانات مفاجئة قبل شهرين وغطّت الفيضانات والأمطار الكثيفة المنطقتين الشمالية والغربية ودمرت الكثير من المنازل، فيما عانى الجزء الشرقي من الجفاف والتصحر. وهذا يدخل في إطار تطرّف المناخ ويؤكد عدم قدرة أي دولة على مواجهة تغيّر المناخ منفردة، كما يشير إلى أهمية وجود تعاون إقليمي بين دول الحوض، ووعي متخذي القرار فيها بخطورة هذا الموضوع. نريد أن نعمل معاً، وأن يصبح لنا صوت موحّد نوجهه لهؤلاء الذين تسببوا بما يحدث حاضراً من تغيّر في المناخ، فنطالبهم بتمويل مشاريع التكيّف مع تغيّر المناخ الذي لم نكن سبباً في تخريبه».