في كتابه الصادر في فبراير الماضي، يرسم رجل الأعمال الأميركي، ومؤسس شركة «مايكروسوفت» بيل غيتس خريطة طريق بشأن كيف يمكن للعالم الوصول إلى هدف الصفر بخصوص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري قبل فوات الأوان لتفادي كارثة مناخية، مشدداً على ضرورة التحرك قبل فوات الأوان.
وأمضى غيتس نحو عقد من الزمن في البحث والتحري بشأن مسببات التغير المناخي وتأثيراته، بمساعدة خبراء مختصين في مجالات متنوعة مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والهندسة والعلوم السياسية والمالية، وركز على ما يجب فعله من أجل كبح انزلاق الكوكب إلى كارثة بيئية.
في كتابه الذي يحمل عنوان «كيف نتجنب كارثة مناخية»، يشرح غيتس التحول الضروري من أجل وقف تأثير عقود من الممارسات الكارثية، إذ يقول إننا بحاجة للتخلص من 51 مليار طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري من الجو كل سنة، وإن عدم القيام بذلك سيكلّف أكثر من 1،5 مليون شخص الذين قضوا حتى الآن جراء جائحة «كوفيد-19»، ويمكن أن يتسبب في خمسة أضعاف ضحايا الإنفلونزا الإسبانية قبل قرن من الزمن.
ومن أجل التخلص من الـ51 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري وتحقيق هدف الصفر في انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، سنحتاج إلى استخدام قدر أكبر من مصادر الطاقة المتجددة وقدر أقل من الوقود الأحفوري الذي سيشكّل قرابة 27% من الخفض اللازم في الانبعاثات، وتغيير طريقة صنع سلعنا (31%)، وزرع طعامنا (18%) وسفرنا (16%) والحفاظ على مبانينا دافئة أو باردة (6%).
صفقة خضراء
لبلوغ هذه الأهداف، يشير غيتس إلى مجموعة من التدابير، ومن ذلك صفقة جديدة خضراء، وتحديد تسعيرة للكربون، وزيادة مسؤولية الشركات. لكن أهم مقترحاته تتعلق بتكنولوجيات جديدة. «أرني مشكلة وسأبحث عن تكنولوجيا لحلها»، يكتب غيتس الذي يبدو أن اهتمامه الرئيس منصب على إيجاد اختراق تكنولوجي كبير، فيما يمكن وصفه بالمعادل البيئي لـ«مشروع مانهاتن» (مشروع البحث والتطوير الأميركي الذي أفضى إلى إنتاج أول أسلحة نووية خلال الحرب العالمية الثانية)، أو الهبوط على سطح القمر.
والواقع أن بيل غيتس يفهم التحدي الأساسي بشكل صحيح، ألا وهو «بلوغ الصفر» في أسرع وقت ممكن إذ كتب يقول: «إن البشر بحاجة إلى وقف إضافة غازات الاحتباس الحراري إلى الجو»، ويدرك أن السبيل إلى ذلك هو الكهربة، كهربة أكبر قدر ممكن من الأنشطة البشرية: من توفير الكهرباء لحواسيبنا إلى تدوير عجلات سياراتنا وحافلاتنا إلى إنتاج الفولاذ. غير أنه عندما يتعلق الأمر بتوليد الكهرباء، يبدو قلقاً لأن الألواح الشمسية لا تزداد كفاءةً وفعاليةً بالسرعة الكافية: فخلافاً لشرائح الحاسوب، مثلاً، فإنه ليس هناك «قانون مور» يضاعف فعاليتها كل عامين.
إلا أن ذلك ليس هو الهدف هنا حقاً: فكما أشار المحلل «رامز نعام» الربيع الماضي، فإن سعر الطاقة الشمسية انخفض بشكل مذهل خلال العقد الماضي، متجاوزاً بكثير حتى أكثر التوقعات تفاؤلا. ذلك أن انخفاض السعر متقدم بـ50 إلى 100 عام عما كانت تتوقعه «الوكالة الدولية للطاقة» في 2010، وذلك يعود إلى حد كبير إلى أننا تحسّنا في صنع الألواح الشمسية وتركيبها. وفي كل مرة نضاعف عدد الألواح المركبة، ينخفض السعر بنسبة 30 إلى 40 في المئة.
غير أنه نظراً لأن بطاريات التخزين أخذت أسعارها تنخفض الآن وفق منحنى مماثل، فمن الواضح أنه يتعين تركيب أكبر عدد ممكن من ألواح الطاقة الشمسية (وطاقة الرياح، التي هي على المسار نفسه بخصوص السعر)، وذلك لأننا إذا لم نحرز تقدماً كبيراً خلال السنوات العشر المقبلة فإن العلماء يؤكدون أننا لن نتمكن أبداً من تحقيق الأهداف التي حددناها في اتفاقية باريس للمناخ.
ولكن، لماذا لا نتحرك بسرعة أكبر من سرعتنا الحالية؟ السبب هو السياسة، وهذه هي النقطة التي يرى بعض المنتقدين أن غيتس أهملها. يقول غيتس في كتابه بغير قليل من الفخر: «إنني أفكر كمهندس أكثر مني كعالم سياسة»، والحال أن هذا يعني أنه يستطيع تأليف كتاب كامل عن «كارثة المناخ» بدون أن يناقش الدور الذي لعبه قطاع الوقود الأحفوري، وما زال يلعبه، في منع التحرك والتعبئة المناخية.
ويقول غيتس في كتابه: «لا أملك حلاً للصراعات السياسية حول تغير المناخ»، غير أن بعض المراقبين يرون أن لديه كلمة ليقولها ودوراً ليلعبه في الواقع. فقد أسس غيتس شركة تبرعت بالمال لسياسيين يدافعون عن مصالح شركات النفط الكبرى، ومؤسسته أحد المساهمين فيها. كما وجد تحليل لخدمة بلومبيرج الخريف الماضي أن «مايكروسوفت» منحت ثلث تبرعاتها فقط لسياسيين «أصدقاء للمناخ».
سياسات مناخية
وفي عدد ديسمبر من نشرتها الإخبارية المناخية «هيتد»، أشارت الصحافية إميلي آتكن إلى أن شركة «مايكروسوفت» انضمت إلى 24 شركة أخرى في رسالة إلى الرئيس المنتخب (آنذاك) بايدن تدعوه فيها إلى تبني سياسات مناخية «طموح»، وبعد ذلك تبرعت للمرشح الجمهوري ديفيد بيردو، الذي ينكر وجود تغير المناخ، من أجل جولة الإعادة في انتخابات الكونجرس في ولاية جورجيا. والحال أنه لو فاز وحافظ الجمهوريون على الأغلبية في مجلس الشيوخ، لكانت فرص تحقيق تلك السياسات المناخية الطموح قريبة من الصفر.
عنوان الكتاب: كيف نتجنب كارثة مناخية.. الحلول التي لدينا والاختراقات التي نحتاج
المؤلف: بيل غيتس
الناشر: نوف
تاريخ النشر: فبراير 2021
المصدر: صحيفة الاتحاد الإماراتية