يشهد قطاع الصناعة المتجددة إطلاق عدد أكبر من مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر في جميع أنحاء العالم، لتنمو شيئًا فشيئا حصة هذا الوقود النظيف من إمدادنا بالطاقة في المستقبل.
ففي العام 2020، تجاوز إنتاج مشاريع الهيدروجين الأخضر عالميًا 60 جيجاواط، أي ما يعادل إنتاج نحو 187.5 مليون خلية شمسية، و25000 توربين رياح، وذلك يكفي لإضاءة 6.6 مليار مصباح ليد. وكان 2020 بذلك عامًا استثنائيًا في مجال تطوير الهيدروجين الأخضر. وتوقع تقرير أصدرته شركة استراتيجي آند الشرق الأوسط، أن يصل حجم السوق العالمي لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2050، ما يوفر نحو 400 ألف فرصة عمل في قطاع الطاقة المتجددة في العالم. ومن المُقدَّر أن يصل الطلب العالمي على «الهيدروجين الأخضر»، إلى نحو 530 مليون طن متري بحلول عام 2050، ليكون بديلًا عن حرق نحو 10.4 مليار برميل نفط.
ما الهيدروجين الأخضر؟
الهيدروجين الأخضر وقود يعتمد إنتاجه على عملية تحليل الماء (المكون من الأكسجين والهدروجين) كهربائيًا بالاعتماد على طاقة ناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة، فتحقق بذلك دورة كاملة تنتج وقودًا مراعيًا للبيئة، لأن الهيدروجين بحد ذاته وقود نظيف يستخدم في خلايا الوقود الهيدروجينية لتشغيل السيارات (وربما الطائرات مستقبلًا) والانبعاث الوحيد له هو الماء.
إلا أن العملية التقليدية لإنتاج الهيدروجين بالاعتماد على الوقود الأحفوري تبقى عملية ضارة بالبيئة. فحتى اليوم ينتج نحو 95% من الهيدروجين عبر عملية تتطلب طاقة تأتي من حرق الوقود الأحفوري، مثل الغاز الطبيعي، ما يعني أن الهيدروجين في هذه الحالة أخضر من الجانب الاستهلاكي فقط، لكنه يتسبب من جانب الإنتاج بتأثير بيئي سلبي كبير.
فإذا تمكّن العالم من تحويل إنتاج الهيدروجين إلى هيدروجين أخضر بدورة إنتاج نظيفة تمامًا منخفضة الكربون، سيكون وقود الهيدروجين متوفرًا كمصدر طاقة مستدام تمامًا تقريبًا.
مبادرات الهيدروجين الأخضر حول العالم
يعد قطاع الطاقة المتجددة الأسرع نموًا في العالم، وهو يشمل وقود الهيدروجين أيضًا. ومن المحتمل أن نشهد نمو عددًا كبيرًا من شركات إنتاج الهيدروجين في العقود العديدة المقبلة.
ولا ريب أن الانخفاض السريع في تكاليف الطاقة المتجددة والتقدم التقني سيُمكِّنان الهيدروجين من أن يُصبح الوسيلة المُفضَّلة لنقل الطاقة النظيفة والزهيدة في شتَّى أرجاء العالم. علاوةً على ذلك، فقد أدت الجائحة التي تسبب بها فيروس كورونا المستجد إلى تسريع الاتجاه نحو إزالة الكربون عن طريق تقليل الطلب على الهيدروكربونات بشكل كبير.
إسبانيا
استثمرت إسبانيا كثيرًا في إنتاج الهيدروجين مؤخرًا، وأعلنت عن استثمار بقيمة 10.5 مليار دولار في تقنية الهيدروجين الأخضر على مدى السنوات العشر المقبلة، بهدف استخدامه في قطاع النقل والشحن للتخلص تمامًا من الانبعاثات الكربونية.
وتهدف إسبانيا إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 4 جيجاواط في السنوات العشر المقبلة باستخدام طريقة التحليل الكهربائي، لتحليل الماء إلى غازي الهيدروجين والأكسجين. وعندما يحرق الهيدروجين في خلية الوقود، يتحول إلى ماء مرة أخرى.
وتسعى إسبانيا إلى أن تكون مركزًا للطاقة المتجددة معتمدة على سياستها وعلى موقعها الجغرافي؛ إذ تتمتع بطبيعة وافرة الرياح وأشعة الشمس، ما يجعلها مناسبة لإنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتمكنت إسبانيا حاليًا من توفير إمدادات تصل إلى 62 جيجاواط من الطاقة المتجددة، لكن هذه الكمية لا تزال غير كافية لاستبدال الوقود الأحفوري في البلاد.
وأحد أهم الأسباب التي تدفع استثمار إسبانيا في الهيدروجين الأخضر هو أنها تنتج حاليًا كمية كبيرة من الهيدروجين لكن من الوقود الأحفوري، أي أن الاستثمار في الهيدروجين الأخضر مرشح ليكون بديلًا لتقنيات الإنتاج التقليدية ما يسمح بانخفاض أسرع للبصمة الكربونية للدولة.
وتنضم إسبانيا بصفتها جزءًا من الاتحاد الأوروبي، إلى الدول الأعضاء الأخرى في التزامها بسياسة الطاقة المتجددة التي تركز بشكل كبير على الهيدروجين الأخضر كجزء من المستقبل. ويأمل الاتحاد الأوروبي برفع قدرته الهيدروجينية الخضراء إلى 40 جيجاواط في العقد المقبل من خلال الالتزام باستثمار قدره 430 مليار دولار في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
المملكة العربية السعودية
تستثمر المملكة العربية السعودية بشكل كبير في مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر. وتعاونت في سياق جهودها مع شركة أمريكية تدعى «إير برودكتس» لتطوير مصنع أخضر لإنتاج الهيدروجين قادر على إنتاج 650 طنًا من وقود الهيدروجين الأخضر يوميًا. ويتلقى هذا المشروع استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار، ويمكن أن يشير هذه الاستثمارات إلى دلالات تحول في قطاع الصناعة الخضراء خاصة مع هذا الاستثمار الهائل من دولة عملاقة في مجال الطاقة.
ويوصف هذا المشروع بأنه أكبر مشروع للطاقة الهيدروجينية الخضراء في العالم، إذ يبدو أن المملكة تخطط لمواصلة هيمنتها في قطاع الطاقة، بغض النظر عما إذا كان الوقود من النفط أو الهيدروجين أو الغاز الطبيعي.
تشيلي
تعمل دولة تشيلي الرائدة في هذا المجال بين دول أمريكا الجنوبية، على تحقيق أهدافها الخاصة للطاقة الخضراء. إذ أطلقت مؤخرًا أول مشروع هيدروجين أخضر أطلقت عليه اسم مشروع «هاي إكس» وهو مزرعة شمسية قادرة على إنتاج 2000 ميجاواط من الكهرباء، سيستخدم منها 1600 في عملية التحليل الكهربائي لإنتاج 124 ألف طن من الهيدروجين المضغوط كل عام.
كوريا واليابان
أما في الشرق الأقصى، تتصدر كوريا واليابان الدول الآسيوية المستثمرة في الهيدروجين الأخضر. فكلا الدولتين، وتحديدًا الشركات الصناعية العملاقة فيهما مثل تويوتا وهيونداي، رائدتين في تقنية خلايا الوقود الهيدروجينية كإحدى وسائل النقل النظيف في المستقبل. إذ طورت شركة تويوتا سيارة ميراي، بينما طورت هيونداي شركة نكسو، لكنهما لم تسوقا بشكل كبير بعد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن سوق وقود الهيدروجين ما زال في طور التطور. وتعد سيارات الهيدروجين العملية ذات الأسعار المعقولة، ضرورية لضمان نمو الاعتماد على الوقود الهيدروجيني، وإلا فلا داع لإنتاجه.
الصين
في الصين، تنشئ شركة «سمنز إنيرجي» نظام إنتاج الهيدروجين بقدرة ميجاواط واحد لمحطة وقود في بكين، وستكون هذا أول مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في البلاد. وستقع محطة التزود بالهيدروجين في واحدة من ثلاث مناطق للمنافسة الرئيسة خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022.
أستراليا
خصصت أستراليا مساحة 6500 كيلومتر مربع للاستثمار في الطاقة المتجددة التي تولد الكهرباء في المقام الأول من طاقتي الرياح والشمس، وسيخصص جزء كبير من هذه الطاقة لتحويلها إلى هيدروجين وأمونيا. تقدر قيمة هذا الاستثمار الطموح بنحو 16 مليار دولار، ويتوقع مديرو المشروع أن يصبح جاهزًا خلال السنوات العشر المقبلة.
دولة الإمارات العربية المتحدة
تسعى دولة الإمارات إلى إنتاج 30 في المئة من طاقتها من محطات الطاقة البديلة بحلول العام 2030، ولديها في هذا المجال مشاريع ضخمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وأطلقت العام الماضي مشروع تجريبيًا لأول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في دبي، باستطاعة ميجاواط واحد، من خلال التعاون مع إكسبو 2020 دبي، وهيئة كهرباء ومياه دبي، وشركة «سيمنز»، ويستكشف المشروع إمكانية تطوير اقتصاد الهيدروجين في دولة الإمارات في الأعوام المقبلة.
والواقع أن الهيدروجين الأخضر ما زال يخضع لعوامل مالية واقتصادية، تمامًا مثل الوقود الأحفوري؛ فكلما زادت استخداماته زاد إنتاجه وأصبح أرخص، لكن المبشر أن تكاليف إنتاجه باتت اليوم أكثر ملاءمة لضمان تحقيق استثمار أكبر في هذا القطاع.
المصدر: مرصد المستقبل