محمد زهور – أخبار الآن
كثيرا ما نسمع عن إدمان التدخين أو المواد المخدرة، إلا أن إدمان البلاستيك، حالة ربما تثير فضولنا واستغرابنا، وهي ليست من صنع الخيال بل حقيقة يكون المدمنون فيها ليسوا البشر، وإنما دول وحكومات وكيانات اقتصادية تسعى إلى تطوير صناعاتها وتحقيق أرباح ولو كان ذلك على حساب البيئة وتلوثها.
ولا يخفى على أحد أهمية مادة البلاستيك منذ اكتشافها وتطويرها وتحولها إلى أهم المواد التي تدخل في الصناعات منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن ما يؤرق علماء البيئة وحراس الطبيعة – إن صح التعبير – تزايد كميات البلاستيك المصنعة وتأثيراتها البالغة الخطورة على البيئة وتلوثها وخصوصاً تلوث الأنهار والبحار والمحيطات وبطبيعة الحال اليابسة.
وقدر تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (جيو 6) العام الماضي، كمية النفايات البلاستيكية التي تصل إلى المحيطات سنوياً بنحو 8 ملايين طن، وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فمن المتوقع أن تبلغ كمية المواد البلاستيكية المتراكمة في البحار ما بين 100 و250 مليون طن في سنة 2025.
كما توقع علماء البيئة أن تكون كمية البلاستيك المتراكم في مكبات النفايات وفي البيئة الطبيعية نحو 12 مليار طن بحلول سنة 2050، وهذا الوزن يزيد على وزن الهرم الأكبر في الجيزة بألفي مرة.
خطورة البلاستيك
ويرى خبير البيئة الدكتور ميشال شلهوب، أن مشكلة التلوث بالبلاستيك أصبحت مشكلة غاية في الخطورة، وقال في مقابلة مع “أخبار الآن”: “مشكلة البلاستيك أصبحت مشكلة كبيرة جدا تتناول صحة الإنسان، خصوصا عندما نتحدث عن انتشار البلاستيك في البحار والمحيطات وعلى الشواطئ. اللافت أنه عندما نتحدث عن مشكلة البلاستيك نلاحظ وجود تحفظ لدى الكثير من الأشخاص على اعتبار أن تلك المادة واسعة الانتشار وتشابه غيرها من المواد الصناعية التي نستخدمها في حياتنا اليومية ولكن عندما يتحول البلاستيك إلى ما يعرف بـ”الميكرو بلاستيك” أي إلى جزيئات صغيرة جدا، فإنها تستطيع أن تخترق جسم الإنسان متسببة بمشاكل صحية له”.
الدكتور شلهوب أورد مثالاً عن التلوث بالبلاستيك في لبنان وقال: “اكتشفنا أن الملح الذي يستخدم للطعام ويتم استخراجه من البحر يحتوي على جزيئات من البلاستيك، وهي كما تحدثنا سابقا خطرة على صحة الإنسان وتسبب العديد من الأمراض له”.
وأوضح: “من أبرز مظاهر التلوث في البحار عندما تقوم الأسماك بأكل جزئيات البلاستيك وتصل إلى حالة الشبع دون أن تكون قد حصلت على كفايتها من الطعام الطبيعي، كل ذلك ينعكس سلبا على صحة الأسماك ولاحقا على صحة البشر الذين يتناولون تلك الأسماك”.
وتبرز خطورة البلاستيك من جوانب عدة، أهمها أنه عندما يتحلل، تنبعث منه مواد كيميائية خطيرة على الصحة والبيئة والحياة البرية. ويؤدي حرق النفايات التي تحتوي على تلك المادة إلى انبعاث بعض المواد الكيميائية المسرطنة مثل “الديوكسين”. وهي مادة سامة للبشر، إذ تتراكم في جسم الإنسان عند استنشاقها من خلال التعرض لأبخرتها، ويمكن أن تنتقل من الأم إلى الجنين عبر المَشيمة. كما تتساقط مادة “الديوكسين” في المجاري المائية وعلى المحاصيل عندما تلتصق بذرات الغبار.
وتنبعث من البلاستيك كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، مثل “الميثان” و”الإيثيلين” عندما يتحلل في التربة والبيئات البحرية، كما أن ما لا يقل عن 99 في المائة من البلاستيك مصنوع من الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز.
وكانت صحيفة “ميرور” أوردت دراسة أجراها باحثون في بريطانيا تتلخص بأن البشر باتوا يتناولون البلاستيك بشكل كبير في حياتهم، إذ يأكل الإنسان البالغ ما لا يقل عن ٧٠ ألف جزيئ دقيق من البلاستيك في السنة.
وضمن هذا السياق قال الدكتور شلهوب: “عندما نتحدث عن التلوث بالبلاستيك لابد من التنويه بأن عملية تجزئة البلاستيك، وهي تتم على 3 طرق: الطريقة الأولى تتم عندما يتحلل البلاستيك بعد تعرضه لحرارة معينة وهنا يتفاعل البلاستيك ويفرز مواد وغازات ضارة.. الطريقة الثانية تتم ميكانيكياً بمعنى أن أمواج البحر تقوم بتحريك البلاستيك الموجود فيها وهنا تبدأ عملية احتكاك ميكانيكية للبلاستيك بين أمواج البحر والرمل على الشاطئ وغيرها من العوامل التي تساعد على الاحتكاك ويبدأ البلاستيك بالتفتت في البحار والمحيطات مع عدم إغفال عامل حرارة الشمس.. الطريقة الثالثة تتمثل بحرق البلاستيك بعد تكدسه في النفايات، وهذه الطريقة بالذات تسبب تلوثاً كبيرا خصوصا أن الأشخاص يبدؤون باستنشاق الدخان المتصاعد من الحرائق وهي مواد غاية في الخطورة على الإنسان”.
ووفق تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية، فإن البلاستيك يشكل نحو 10 في المائة من إجمالي حجم النفايات حول العالم، لافتاً إلى نقاط غاية في الأهمية نبرزها وفق ما يلي:
-يستخدم العالم 500 مليار كيس بلاستيك سنوياً.
-ينتهي المطاف بما لا يقل عن 8 ملايين طن من البلاستيك سنوياً في المحيطات، أي ما يوازي حمل شاحنة ممتلئة بالمخلفات في كل دقيقة.
-في العقد الماضي، أنتج العالم بلاستيك أكثر مما أُنتج على مدار القرن الماضي بأكمله.
-50 في المائة من البلاستيك المستخدم حول العالم من النوع الذي يُستخدم لمرة واحدة أو غير القابل للاستعمال مرة أخرى.
-يتم شراء مليون زجاجة بلاستيكية في كل دقيقة.
وبحسب تقديرات مشتركة للأمم المتحدة ومنتدى “دافوس” بنسخته عام 2019، فإنه يوجد نحو 13 ألف قطعة من القمامة البلاستيكية في كل كيلومتر مربع من المحيطات حول العالم، كما أن صناعة 4 زجاجات بلاستيكية تنتج مستوى من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بما يعادل السفر لمسافة ميل واحد في سيارة متوسطة الحجم تعمل على البنزين.
كورونا وتلوث البيئة
الأمر اللافت وجود صلة وثيقة بين تلوث البيئة، ومدى الضرر الذي قد يلحق بالمصابين بفيروس كورونا المستجد، إذ حذر خبراء من “أن المناطق ذات المستويات العالية من تلوث الهواء يمكن أن تسهم أيضاً في شدة حالات مرض كوفيد-19 ومضاعفاته”.
ووفق تقرير نشره “المعهد الأمريكي للتأثيرات الصحية” هذا العام وأوردته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فإن التلوث أدى إلى وفاة ما يقرب من نصف مليون طفل حديث الولادة في جميع أنحاء العالم العام الماضي.
ويشعر الخبراء بالقلق بشكل خاص من المستويات العالية من التلوث في بعض المناطق واحتمال أن تؤدي إلى تفاقم تأثير فيروس كورونا المُستجد.
فعلى سبيل المثال، حذر خبير الصحة العامة “كريستوفر موراي” من جامعة واشنطن والباحث الرئيسي في دراسة تحليلية نُشرت في الدورية الطبية The Lancet، والتي قامت بتقييم تأثير 286 سبباً للوفاة و369 مرضاً في 204 دولة، من “الخطر المتزايد الناجم عن التفاعل بين تلوث الهواء وجائحة فيروس كورونا”.
وترى الصحيفة البريطانية أنه “على الرغم من أن الروابط الكاملة بين فيروس كورونا المُستجد وتلوث الهواء غير واضحة، فمن المعروف أن تلوث الهواء يؤدي إلى زيادة حالات الإصابة بأمراض القلب والرئة، وهما عاملان يجعلان الأفراد أكثر عرضة للإصابة بحالات شديدة من مرض كوفيد-19”.
المنطقة العربية
المنطقة العربية كان لها نصيب الأسد من التلوث بالبلاستيك. ووفق تقرير أوردته صحيفة “الشرق الأوسط” تقدر كمية النفايات المتوقع التخلص منها عام 2020 نحو 200 مليون طن في السنة، تشكل فيها المواد العضوية ما نسبته 50 إلى 60 في المائة، وتتباين كمية المواد البلاستيكية في هذه النفايات حسب معدلات الدخل وطبيعة المجتمعات، فنسبتها في مصر تتراوح بين 3 و 12 في المائة من مجمل النفايات المتولدة، بينما تبلغ في السعودية ما نسبته 5 إلى 17 في المائة، وفي الجزائر ولبنان نحو 12 في المائة.
التقرير أورد فرضية حول نسبة المواد البلاستيكية إلى مجمل النفايات التي يتم التخلص منها في العالم العربي، معتبراً “أنها يمكن أن تصل إلى 10 في المائة وسطياً، ومع إهمال ما يجري استرجاعه بالتدوير حيث لا تزيد نسبة تدوير مجمل أنواع النفايات عربياً عن 4 في المائة، نجد أن كمية النفايات البلاستيكية التي ستجد طريقها إلى مكبات النفايات والأوساط الطبيعية في الدول العربية هي في حدود 20 مليون طن في سنة 2020 وحدها”.
خبير البيئة الدكتور شلهوب أورد مثالاً عن كمية التلوث الكبيرة التي تعاني منها شواطئ لبنان، وقال: “جزء من البحوث التي عملنا عليها تضمنت إجراء مقابلات مع صيادين لبنانيين عبر مسح أجريناه من أقصى الشمال إلى صور في الجنوب. تلك المقابلات تم اجراؤها مع صيادين يمتهنون تلك المهنة ويمارسونها يوميا، اخبرونا أن شباك صيدهم باتت تتلقف البلاستيك أكثر من السمك. يضاف إلى ما سبق تعرض أولئك الصيادين إلى أمراض مختلفة منها السعال المزمن وحساسية في العين، طبعا مرد ذلك إلى تعاظم تلوث البحار وخصوصا البحر المتوسط بالبلاستيك”.
الصين على رأس القائمة
تشير الإحصاءات إلى أن أقل من 10 في المائة من البلاستيك الموجود في العالم يُعاد تدويره، بينما يأتي معظم البلاستيك من 4 دول، هي الصين والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وتشكل الصين وحدها نحو ربع صادرات المواد البلاستيكية.
وبلغت قيمة الصادرات العالمية للمواد البلاستيكية 79 مليار دولار في عام 2018، وجاءت الصين على رأس أكثر الدول تصديرًا لها في العام نفسه بقيمة صادرات بلغت 19.54 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 24.73 في المائة من الصادرات العالمية من البلاستيك.
تقرير أورده البنك الدولي تحدث عن أن الصين تحتل المرتبة الأولى عالمياً في مساهمتها بتلويث المحيطات بالنفايات البلاستيكية، بنسبة 27.7 في المائة، تليها إندونيسيا بنسبة 10.1 في المائة.
فعلى سبيل المثال، أنتجت الصين عام 2017 ما لا يقل عن 210 مليون طن من النفايات.
وحذر البنك الدولي في تقريره من أن إجمالي النفايات في المحيطات قد يصل إلى 500 مليون طن في عام 2030.
حلول
وفي ختام لقائنا مع خبير البيئة الدكتور شلهوب، أكد على ضرورة إيجاد حلول وقائية واعتمادها أساسا لحل مشكلة التلوث بالبلاستيك إلى جانب الحلول العلاجية كالتنظيف على سبيل المثال، وقال: “الحلول يجب أن تكون أكثر وقائية على صعيد التصنيع. بمعنى أن نكون خلاقين عبر استحداث مواد تحل محل البلاستيك الذي أصبح جزءا أساسيا من حياتنا اليومية. على سبيل المثال قامت بعض المدن الأمريكية بتطبيق مبادرة عبر مجموعة من الإجراءات تمنع على المطاعم استخدام المنتجات البلاستيكية والاقتصار على استخدام منتجات ورقية بدلا عنها. هذه المبادرات اذا تمت دراستها بشكل أكبر وتطبيقها يكون لها نتائج أفضل بكثير من الحلول العلاجية كتنظيف النفايات البلاستيكية والتخلص منها”.
وخصصت أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس 2019″، جلستين لمناقشة أزمة البلاستيك في العالم، وأثره على تلوث الاقتصاد العالمي، ومخالفته لاتفاقية باريس للمناخ.
وتوصلت نحو 180 دولة إلى اتفاق خلال فبراير/شباط 2019، يستهدف تحقيق خفض حاد في كميات مخلفات البلاستيك، التي ينتهي بها المطاف في المحيطات حول العالم، بحسب بيان للأمم المتحدة.
ووافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، خلال محادثات جرت في نيروبي خلال شهر مارس 2019، على الحد بشكل كبير من تداول البلاستيك ذي الاستخدام الواحد، كالأكياس والقوارير والأكواب، بحلول سنة 2030.
يذكر أن الكثير من دول العالم، باتت تتبنى خيارات أفضل لإدارة النفايات، مثل توسيع قدرات المعالجة التي بدأت تطبقها أمريكا الشمالية ودول أوروبية، إضافة إلى تحفيز المصنعين على جعل منتجاتهم أكثر قابلية لإعادة التدوير.
أخبار الآن – دبي – الامارات العربية المتحدة