يكثر الحديث عن البيئة وتأثيراتها على حياة الإنسان، لكن معظم الكلام يتناول موضوعات كالنفايات الصناعيّة والكيماويّة والمنزليّة، والتلوّث بالغازات المنبعثة من حرق الوقود الأحفوري (نفط، فحم حجري…) في المواصلات ومحطات توليد الكهرباء وغيرها. وغالباً، لا يصل الحديث إلى الآثار البيئيّة التي تولّدها تقنيّات المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، ربما لأنها غير مرئيّة ومباشرة. ما هي الآثار البيئيّة الناجمة عن استخدام الأجهزة الإلكترونية كالهواتف الذكيّة، والألواح الرقميّة، وأجهزة الكومبيوتر، وشبكة الإنترنت، ومحركات البحث، والشبكات الاجتماعيّة وغيرها؟ ما هي مساهمة كل فرد في ذلك النوع من التلوث؟
ليس الحديث جزافاً. فمنذ عام 2009، تخطت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن الإنترنت، الكميّات التي تنبعث من حركة الطيران عالميّاً!
يلاحظ أنّه في 2008، تواصل قرابة بليون شخص مع بعضهم بعضاً عبر الإنترنت. وفي 2013، ارتفع العدد إلى 2.3 بليون شخص، احتوت آسيا 43 في المئة منهم، فيما ضمّت الصين 16 في المئة. وفي 2012، كان عدد المستخدمين 2.27 بليون في العالم، 500 مليون في أوروبا التي تعد 750 مليون نسمة.
وفي دقيقة واحدة من أحد شهور عام 2013، كان عدد متصفّحي «فايسبوك» 6 ملايين، وأجرى مليونان عمليات بحث على «غوغل»، وشوهدت 1.3 مليون شريط فيديو، وأُرسِلَتْ 100 ألف تغريدة على «تويتر». وفي زمن قريب من قراءتك هذه السطور، تشَاهد في كل ثانية 43 ألف شريط فيديو على «يوتيوب»، ما يعادل 460 بليون شريط فيديو في السنة.
وعند إعداد المقال، بلغ ما تستخدمه شبكة الإنترنت من الكهرباء يومياً، ما يزيد عن مليوني ميغاواط/ ساعة. وفي صورة إجماليّة، تستهلك البنية التحتيّة للاتصالات قرابة 37 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وتنمو الانبعاثات المرتبطة بتوليد الطاقة بنسبة تتعدّى 10 في المئة سنويّاً. إذ تبث الإنترنت قرابة 621 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً.
وفي 2012، نشرت صحيفة الـ«غارديان» البريطانيّة تصريحات لعلماء أعربوا عن قلقهم من كون الطاقة التي تستهلكها شبكة الإنترنت تهدد مستقبل تلك الشبكة نفسها.
ثمن بيئي للبحث عن المعلومات شبكيّاً
وفقاً لتقرير «وكالة إدارة البيئة والطاقة» الفرنسيّة أخيراً، يبعث كل طلب للمعلومات على محركات البحث بقرابة 10 غرامات من ثاني أوكسيد الكربون. وتقدّر الوكالة أن الـ30 مليون مستخدم للإنترنت في فرنسا يتسبّبون بانبعاث 300 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون سنويّاً.
وفي أيلول (سبتمبر) 2012، ولّد محرك البحث «غوغل» انبعاثات بقرابة 1.5 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون، ما يعادل التلوّث المنبعث من بلد كبوركينا فاسو («فولتا العليا» سابقاً) سنوياً. وعند البحث عن معلومة معيّنة على الإنترنت، ينبعث 0.1 غرام من ثاني أوكسيد الكربون.
وفي التقرير عينه، تقدّر «وكالة إدارة البيئة والطاقة» أنّ كل رسالة إلكترونية يرافقها انبعاث 19 غراماً من غاز ثاني أوكسيد الكربون، مع ملاحظة أنّ عدد الرسائل الإلكترونية في 2016، تجاوز الـ137 بليون رسالة يوميّاً (ما يزيد عن 2.6 مليون إيميل في الثانية).
وترتبط كميات التلوث الشبكي بطريقة عمل الكومبيوترات والحواسيب على الشبكة، إضافة إلى كيفية تصنيعها. ومثلاً، يبعث كل 65 بريد إلكتروني بكمية من ثاني أوكسيد الكربون تساوي ما يصدر عن سيارة في كيلومتر. وعند إرسال إيميل مع إرفاق ملف كبير، يترافق ذلك مع صدور قرابة 50 غراماً من غاز ثاني أوكسيد الكربون. ويقدّر أن رسائل البريد الإلكتروني المتطفّل («سبام» Spam) سنويّاً تعادل حرق 7.5 بليون ليتر من البنزين. إذ يسير الإيميل في ألياف ضوئية يقدّر طولها بقرابة 15 ألف كيلومتر كمعدل وسطي. ويبعث سكان الأرض في ساعة واحدة ما يقل قليلاً عن 10 بليون إيميل!
ويمثّل الاستهلاك الكهربائي السنوي للإنترنت ما يقارب إنتاج 15 محطة نوويّة في ساعة. ويأتي الاستهلاك مما تستلزمه الحركة الإلكترونيّة على الألياف الضوئيّة لكوابل الإنترنت وخطوطها، إضافة إلى ما تستهلكه الخوادم والحواسيب من الكهرباء في إدارة الحراك الإلكتروني وكذلك تخزين المعلومات على أقراصها الصلبة.
وأضحى استهلاك الكهرباء مشكلة كبرى بالنسبة الى الشركات الكبيرة في المعلوماتيّة كـ«غوغل» و«آبل» و«مايكروسوفت». وبين عامي 1990 و2003، أنتج العالم الافتراضي 5 ملايين غيغابايت من المعلومات. وتصاعد الرقم بسرعة إلى حدّ أن تلك الكمية من المعلومات صارت تنتَجْ خلال 48 في 2011، وفي عشر دقائق في 2013. وفي صورة إجماليّة، يقدّر أن عوالم المعلوماتيّة مسؤولة عما يتراوح بين 4 و10 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالميّاً. وعلى سبيل المقارنة، تنفث حركة الطيران العالمي قرابة 2 في المئة من تلك الانبعاثات عينها.
ثمن كربوني فاضح للـ… “لايك”
لا تكاد تكفّ الأصابع عن ملاعبة شاشات الـ»سوشال ميديا»، فهل فكّرت في أنها تخنق الغلاف الجوي للأرض؟ أعلن موقع «فايسبوك» أنّ كل مليون مستخدم له في 2012، نفثوا قرابة 300 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون. وبقول آخر، مقابل كل كبسة على زر الإعجاب («لايك») تنبعث 269 غراماً من ثاني أوكسيد الكربون شهريّاً. وتضاعفت الانبعاثات المرتبطة باستخدام «فايسبوك» قرابة 5 مرات بين عامي 2009 و2012، إذ قفزت من 60 ألف طن الى 300 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون، ويعادل ذلك ما يصدر في الحياة اليوميّة عن 50 ألف فرنسي في سنة. واستهلك «فايسبوك» في 2012 من الكهرباء ما يعادل استهلاك 10 ملايين فرنسي أو 85 مليون هندي.
وعلى موقع «يوتيوب»، يُشَاهد ما يزيد عن 23 ألف شريط فيديو كل ثانية، ما يفوق الـ2 بليون شريط يومياً و730 بليون شريط سنوياً، وفق أرقام نهاية عام 2010. وفي 2013، ارتفع ذلك العدد قرابة 6.15 ضعف، ثم تضاعف مرّة أخرى بما يزيد عن ثلاث أضعاف في 2016.
ويتم تبادل ما يزيد عن 385 مليون تغريدة على «تويتر» يوميّاً، تترافق مع انبعاث طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون.
ويستطيع القارئ استخدام الأرقام التي وردت في المقال كي يحسب الثمن البيئي لكل ثانية في العوالم الرقمية. وللوصول إلى تلك الأرقام، يلزم القارئ أن يعرف أنّه في كل ثانية يحصل تبادل 7447 تغريدة، وتحميل 757 صورة على «إنستاغرام»، و2389 مكالمة عبر «سكايب»، فيما تمر في الألياف الضوئيّة للإنترنت 40456 غيغابايت، وتجري 57797 عملية بحث على «غوغل»، وتُشَاهد 67468 شريط فيديو على «يوتيوب»، وتُرسَل 2548838 رسالة إلكترونيّة.
غسان مراد
* أستاذ الألسانيّات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانيّة.
المصدر: الحياة