قبل عدة سنوات، تجمع سكان قرية باراديشاباناماثا الصغيرة النائية في ولاية كارناتاكا الهندية الجنوبية على طول الطريق الرئيسي المار بين 22 منزلا من المنازل ذات الكثافة السكانية العالية، حيث كانوا يشاهدون عمال الحكومة وهم ينصبون عمودا للإنارة يعمل بالطاقة الشمسية. ولأنه كان المشهد الأول لوصول الطاقة الكهربائية إلى تلك القرية البعيدة، فلم يستأثر بكثير من الاهتمام لدى سكانها، حيث إن ضوء ذلك المصباح لا يساعد أحدا على الطهي أو الاستذكار، ولم يكن يجذب إلا اهتمام الحشرات الطائرة والهوام فحسب.
مع ذلك، عندما وصل السيد براساد إلى هذه القرية بعد عامين لتشجيع الناس هناك على التخلي عن استخدام الإضاءة بالكيروسين واستبدالها بأنظمة الطاقة الشمسية، كان لدى الناس فكرة ما عما يقوله الرجل. ولكن الأمر الذي بدأ منافيا للعقل حينها لسكان القرية كان السعر المطلوب. كان السيد براساد، وهو مندوب مبيعات لشركة لايت للطاقة الشمسية الكهربية، أو سيلكو، يبيع اللوحة والبطارية الواحدة التي يمكنها توفير الطاقة لثلاث لمبات ومنفذ مرفق لشحن الهواتف بسعر يقارب 12.800 روبية، أو نحو 192 دولارا.
يقول السيد كالايا، وهو من سكان القرية «ليست هناك طريقة تمكننا من تحمل ذلك». حيث يستيقظ هو وجيرانه في الصباح الباكر لكي يسيروا أميالا طويلة عبر طريق ترابي غير معبد وصولا إلى عملهم في مزارع البن والفلفل والجوز. يحصل السيد كالايا على 3 دولارات في اليوم – وكان يتحصل فقط على 2.25 دولار باليوم حتى زاد راتبه خلال العام الماضي – كما أن صاحب العمل يحتجز نصف راتبه اليومي لسداد بعض الديون المستحقة.
وحتى الآن، وعلى الرغم مما يبدو في ظاهره بأنها تكلفة باهظة ومستحيلة، نجح مندوبو الشركة في إقناع السيد كالايا وعشرة سكان آخرين من أهل القرية باستخدام نظام الطاقة الجديد. والآن، تستطيع زوجته معرفة كمية التوابل التي تستعملها في الطهي، كما تتمكن ابنتها، براتيما (18 عاما)، أن تستذكر دروسها بعد حلول الظلام.
وتكمن الفكرة لدى شركة سيلكو، وغيرها من الشركات المماثلة، في إنشاء نموذج أعمال يساعد بعضا من 1.2 مليار شخص في العالم ممن ليس لديهم كهرباء للانتقال من شبكة الطاقة المعتمدة على الفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة.
ويعيش نحو ربع سكان العالم خارج شبكة التغطية الكهربائية، ومنهم نحو 300 مليون شخص في الهند وحدها، وأغلبهم من سكان المناطق النائية والمجتمعات الريفية مثل قرية باراديشاباناماثا، أو يعيشون في العشوائيات الحضرية غير الرسمية. ويحصل مئات الملايين من الناس حاليا على الكهرباء لساعات معدودة في اليوم. ولقد تعهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتوصيل الكهرباء إلى كافة أرجاء الهند بحلول عام 2022. وتدور الجهود الرئيسية في ذلك حول إضافة المئات من محطات توليد الكهرباء بالفحم، والتي ساهمت، ولا تزال، في ارتفاع مستويات التلوث المروعة عبر مساحات شاسعة من البلاد.
ومن ناحية أخرى، تعهد السيد مودي أيضا بجلب الاستثمارات التي من شأنها زيادة الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة. ولتحقيق هذه الغاية جزئيا، دشن رئيس الوزراء الهندي برفقة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «التحالف الدولي للطاقة الشمسية» خلال محادثات قمة المناخ الأخيرة التي عقدت في باريس. مع التزام مبدئي بقيمة 30 مليون دولار من الهند، وصرح السيد مودي بأن الهدف النهائي هو الوصول إلى تريليون دولار من التمويل العالمي لتنمية تكنولوجيا الطاقة الشمسية بحلول عام 2030.
تمثل الطاقة الشمسية نسبة 1 في المائة فقط من الإنتاج الكهربائي الحالي في الهند، ويأتي معظمها من خلال المحطات الكبيرة التي تساهم بإنتاجها من الطاقة للشبكة المحلية الكبيرة، ولكن جيلا من رجال الأعمال العاملين في صناعة الطاقة قد انطلق لإثبات أن من أسرع وأنظف السبل، وربما من أكثرها فائدة من الناحية الاقتصادية، هو توصيل الكهرباء إلى كافة أرجاء البلاد عبر أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية.
تشتمل أنظمة شركة سيلكو، في المعتاد، على لوحة صغيرة متصلة ببطارية تعمل على تخزين ما يكفي من الطاقة لتشغيل مصباح أو أكثر من مصابيح الإضاءة، ومع خيارات أكبر من القوة الكهربية، يمكن تشغيل بعض الأجهزة المنزلية الصغيرة كذلك. ومنذ إنشائها في عام 1995. قامت شركة سيلكو ببيع نحو 318.400 من أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، كما وفرت نظم الطاقة الأخرى لأكثر من 10 آلاف مدرسة، ومستشفى، وغيرها من المؤسسات، وأغلبها في ولاية كارناتاكا.
يقول روبرت ستونر، مدير مركز تاتا للتكنولوجيا والتصميم لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي يعمل بصورة مباشرة مع شركة سيلكو الهندية وغيرها من الشركات، بما في ذلك الحكومة الهندية، حول مشروعات تنمية تكنولوجيا الطاقة المتجددة: «كانت أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية متواجدة منذ فترة طويلة حتى الآن، ولقد أثبتت كفاءتها كنموذج أعمال ناجح. ولكن التحدي الرئيسي يكمن في ارتفاع التكاليف – لأكثر مما يتحمله الشخص العادي، وربما الشخص الثري نسبيا.. لذا، إذا كان من الصعب إقناع أسرة من الطبقة المتوسطة في دولة صناعية بالاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، فكيف يمكن إقناع الأسرة التي تعيش على دولارين في اليوم؟».
عملت شركة سيلكو، عبر عقدين من الزمان، على إقناع شبكة من البنوك الهندية لتوفير خيارات التمويل للفقراء من المواطنين الذين يعتبرون، من منظور البنوك، من ذوي المخاطر الكبيرة. وكما أشار موهان هيغد، مدير العمليات بالشركة «فكرة الشركة تدور حول تقديم الرجل الفقير للبنك لمراجعة ما إذا كان يتحمل سداد الأقساط الشهرية من جانب المقرضين».
ويعتبر عرض المبيعات، بمجرد حصوله على تأكيد بالتمويل من البنك، أكثر قبولا بصورة كبيرة لدى العملاء المحتملين: وهو يدور حول سداد الأقساط الشهرية للبنك بنفس السعر الذي تنفقه على شراء الكيروسين تقريبا، وسوف تمتلك نظاما جديدا من شأنه تلبية احتياجاتك الأساسية من الطاقة مجانا بواسطة الشمس.
ومن دون التمويل، لا يمكن للطاقة المتجددة غير المركزية أن تتنافس في الهند مع الكيروسين الرخيص نظرا لأن الحكومة تدعم مبيعاته بتكلفة تبلغ أكثر من 5 مليارات دولار سنويا. ويساهم استخدام الكيروسين في انبعاثات الكربون، ولكن يساهم أيضا وبشكل أعمق في المزيد من المخاطر الشخصية الفورية مثالا بالتهابات الجلد، ومشاكل الجهاز التنفسي، وأخطار الحرائق الكبيرة. وفي نهاية المطاف، فهو لا يوفر إلا الإضاءة الخافتة القاتمة للمنازل.
وبالنسبة للكثير من عملاء شركة سيلكو، فإن تمويل أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية يعتبر أول تعامل لهم مع البنوك. كما أن التجربة نفسها تعتبر جديدة للبنوك كذلك.
وتقول شاهاناز علي، مديرة فرع بنك كافيري غرامينا، الذي فتح فيه السيد كالايا وجيرانه حسابات جديدة مؤخرا: «بكل وضوح، لم أسمع قط عن قرية باراديشاباناماثا، وبصرف النظر عن ذلك، فإنني لم أتعامل من قبل مع تمويلات المبالغ الصغيرة تلك. إن تلك العملية جديدة تماما بالنسبة لي، ولذلك فإن المخاطرة مع هذا النوع من المواطنين يسبب لي قلقا بالغا. فليست لديهم ضمانات كافية، وبالتالي ليس لدي التأمين الكافي لمنحهم القروض».
وتواصلت شاهاناز علي مع مديرها الكائن مقر عمله في بلدة مجاورة وهو من الذين تواصلوا مع عملاء شركة سيلكو من قبل، ولقد طمأنها مؤكدا أن القليل للغاية ممن تعثروا في سداد ديونهم المستحقة للبنك. ثم عرض عليها فكرة التمويل الذي طبقته شركة سيلكو بالنسبة للقرى الصغيرة النائية.
وتمكنت شركة سيلكو، من خلال التعاون بين مئات البنوك مثل بنك كافيري غرامينا، من استبعاد مخاطر التمويل بعيدا عن العملاء، وبعيدا أيضا عن مستثمري الشركة. وإلى حد كبير، كانت المخاطر التي أعلنت عنها البنوك حقيقية – حيث عجزت نسبة 7.4 في المائة من مئات الآلاف من عملاء الشركة عن سداد الديون المستحقة. ولكن باتت الحاجة قوية لإقناع كل بنك من البنوك بالمشاركة، وبالتالي فإن مندوبي المبيعات مثل السيد براساد لم يعد بإمكانهم وعد العملاء بتوفير التمويل منذ البداية.
ولدى شركة سيلكو ثلاث من المؤسسات الاستثمارية، اثنتان من أوروبا وواحدة من الولايات المتحدة، والتي تعمل مثل شركات رأس المال الاستثماري، ولكنها تركز على الأثر الاجتماعي أكثر من تأكيدها على الربحية. وتدور هوامش الأرباح لشركة سيلكو حول 3 إلى 4 في المائة فقط، وبلغ صافي الأرباح مبلغ 62.500 دولار فحسب في السنة المالية لعامي 2013 – 2014.
وتخيرت الشركات الأخرى الموفرة لخدمات الطاقة الشمسية المنزلية، في الهند وفي أفريقيا كذلك، الابتعاد عن نموذج التمويل البنكي وفضلت الخطط سابقة الدفع، والتي تشبه خدمات الهواتف الجوالة سابقة السداد. ويدفع المستخدم لصاحب المتجر لقاء كمية محددة من الكهرباء في حين أنه يستأجر النظام بدلا من امتلاكه.
جريدة الشرق الأوسط – خدمة «نيويورك تايمز»