غالبًا ما تقوم منظمات حماية الحياة البرية بالتركيز على الأنواع الحية، أو الأنظمة البيئية المهددة، لكن جهدًا جديدًا بدأ في نوفمبر الماضي يسعى إلى تغيير هذا النمط وقلبه رأسًا على عقب، بحيث يتم البحث الآن بطريقة منهجية عن أفضل المناطق المحمية إدارةً في العالم، وتوفر بدورها أفضل الظروف التي تلائم نمو الكائنات النباتية والحيوانية.
كشف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN عن لائحته الخضراء لأفضل 23 موقعًا خلال المؤتمر الدولي للحدائق والمناطق المحمية، الذي أقيم في مدينة سيدني في أستراليا. وقد دأبت هذه المنظمة ـ التي تقع في جلان بسويسرا ـ خلال العقود الماضية على نشر اللائحة الحمراء الخاصة بالكائنات المهددة، التي تستخدمها الحكومات والعلماء لتقييم التقدم نحو حماية الحياة البرية والتنوع الحيوي.
باستخدام المؤشرات المعتمدة، هناك تطور في الجهود الدولية لحماية التنوع الحيوي. ففي عام 2010 أقرَّت الاتفاقية الدولية حول التنوع الحيوي هدفًا يصل إلى حماية %17 من المساحة البرية لكوكب الأرض، و %10 من المساحة البحرية بحلول عام 2020. وحاليًّا تتمتع حوالي %15.4 من المساحة البرية للكرة الأرضية بالحماية، وكذلك %3.4 من المناطق البحرية، عن طريق إعلان تلك المساحات مناطق محمية، وذلك بناءً على الإحصائيات التي أُعلن عنها في 13 نوفمبر، عن طريق برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
هذا.. إلا أن المناطق المحمية لا تتساوى كلها في النجاح. فعلى سبيل المثال.. الشبكة المنتشرة من المناطق المحمية البحرية في أستراليا، التي تتضمن الحيد المرجاني العظيم، لم يكن لها سوى تأثير محدود على حماية الحياة البحرية كما أشار الباحثون1 في دورية Aquatic Conservation في شهر فبراير 2014. ويعود السبب في ذلك إلى أن كثيرًا من مواقع هذه المحميات تم اختياره لتجنب إحداث تأثيرات سلبية على المصالح التجارية، بدلًا من تحقيق أفضل حماية للمناطق ذات الأهمية البيئية، كما وجدت الدراسة. يقول جيمس هاردكاسل، الذي يقود مشروع اللائحة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة: «لا توجد أي فائدة من المناطق المحمية، إذا لم تتم إدارتها بطريقة سليمة».
وإضافة إلى ذلك.. يشير بحث نُشر في دورية Nature الدولية في 14 نوفمبر إلى أن إعلان المناطق المحمية ليس كافيًا لحماية مستقبل الحياة النباتية والحيوانية2. وقد وجدت الدراسة أن هذه المناطق المحظورة تغطي حاليًّا مساحة تقارب %19 من الموائل الطبيعية التي تعيش فيها الكائنات الفقارية البرية، لكن هذه النسبة يمكن أن تتضاعف ثلاث مرات في حال تحقيق الهدف المعلن عنه من قِبَل اتفاقية التنوع الحيوي في عام 2020، لكن التغيرات في إدارة الأراضي ـ مثل توسعة المساحات الزراعية ـ تسهم في تهديد التنوع الحيوي. وفي حالة استمرار الأنماط الحالية، فإن المدى الحيوي لانتشار حوالي 1,000 نوع مهدد بالانقراض يمكن أن يتضاءل إلى النصف بحلول عام 2040.
يقول فيدريكو مونتيسينو بوزولس، مختص بالمعلومات والبيانات الحيوية في مختبر راذرفورد آبلتون في هيرويل ببريطانيا، ومؤلف الدراسة، إن جهود التعاون الدولي مثل اللائحة الخضراء تعتبر مهمة جدًّا لخلق مناطق محمية فعالة في تحقيق النتائج.
أقرَّ الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة مفهوم اللائحة الخضراء في عام 2010 في مؤتمره الدولي المنعقد في جيجو بكوريا الجنوبية. وقد قامت المنظمة بسؤال الحكومات حول العالم لتسمية مواقع مقترحة؛ لإدراجها في اللائحة، وتم تقييم هذه المواقع بعد ذلك من خلال 20 معيارًا، مثل قيام المحمية بحماية الأنواع فقط داخل حدودها، أو في نطاق أوسع، مثل متابعة حالة التنوع الحيوي للأنواع في كامل نطاق انتشارها.
في نهاية الأمر، قام الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة بالموافقة على 23 موقعًا من أصل 27 خضعت للتقييم. تتضمن المواقع الناجحة كلَّا من محمية جبل هوانج شان في الصين، التي تم تقديرها بفضل إدارة تدفق السياح التي تزورها سنويًّا، وكذلك محمية جاليراس للحياة البرية في كولومبيا، التي تتمتع بتصميم يسهم في حماية التركيبات والتضاريس المختلفة في المنطقة، كالمنظومات البركانية، والغابات الجبلية، والأودية المنخفضة.
يتم تقييم مواقع اللائحة الخضراء بناءً على كيفية التعامل مع السكان الذين عاشوا منذ زمن في المنطقة، أو استخدموا الأراضي فيها، وكذلك التعامل مع القضايا التي يهتم بها نشطاء حقوق الإنسان، التي تقول إن السكان الأصليين عادة ما يتم تهميشهم عند إدارة المناطق المحمية.
هذا التهميش لا يزال يحدث في بعض المناطق. فعلى سبيل المثال، في 2010 قامت بريطانيا بإنشاء محمية بحرية حول جزر تشاجوز في المحيط الهندي، وحاليًّا يُحْرَم السكان الأصليون لهذه الجزر ـ الذين تم تهجيرهم منذ سبعينات القرن الماضي؛ لإفساح المجال لإنشاء قاعدة عسكرية ـ من الوصول إلى المنطقة المحمية، بسبب سياسات إدارة إقليم المحيط الهندي البريطاني. يقول هاردكاسل في هذا الصدد: «هذا موقع لن يدخل في اللائحة الخضراء في أي فترة قريبة».
ناتاشا جيلبرت
مجلة نيتشر العربية – يناير 2015
References
1-
Devillers, R. et al. Aquat. Conserv. http://dx.doi.org/10.1002/aqc.2445 (2014).
2-
Pouzols, F. M. et al. Nature http://dx.doi.org/10.1038/nature14032 (2014).