يزداد تدهور القطاع الزراعي في سورية مع استمرار الأوضاع المتردية منذ قرابة أربع سنوات فيها، لينذر بقرب اصطدامها بجدار مأسوي من فقدان الأمن الغذائي. ويزيد في آلام المأساة أن سورية وُصِفَت تاريخيّاً بأنها «إهراء روما» نظراً الى ما كانت تدرّه أرضها من الحبوب، خصوصاً القمح. استطراداً، دأبت سورية حتى زمن قريب على التغنّي بأنها تحقّق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. وقبل اندلاع المأساة السوريّة الأخيرة، كانت سورية تعتبر بلداً زراعيّاً بامتياز، لأن مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي كانت تلامس الـ 24 في المئة.
ووفق تقديرات «منظمة الأغذية والزراعة – الأمم المتحدة» («فاو») و»برنامج الأغذية العالمي»، تأثّر 6.3 مليون نسمة في سورية بدرجة كبيرة بالأوضاع المضطربة فيها، وباتوا في حاجة ماسة ومستمرّة إلى الغذاء والمعونة الزراعيّة. وكذلك يحتاج 3 ملايين لاجئ سوري إلى المساعدة خارج الأراضي السوريّة. وكذلك قدّرت الـ «فاو» أضرار القطاع الزراعي عام 2013 بما يزيد على 1.8 بليون دولار، مع توقّع أن تكون التقديرات أكبر عام 2014 وكذلك في حال استمرار الحرب لوقت أطول في العام 2015.
هجرة المزارعين
نتيجة لتدهور أحوال الزراعة في سورية، عمد معظم المزارعين، خصوصاً أولئك القاطنين في المناطق الشمالية كالرقة وحلب، بالتوجه إلى تركيا. ففي ذلك البلد، تعمل عائلات المزارعين السوريين في إقليم «هاتاي» وعدد من المناطق الزراعيّة الاخرى.
في حوار مع «الحياة»، يشير أبو مالك إلى أنه يعمل وعائلته في مزرعة بالقرب من إسطنبول، بعد أن أصبح من المستحيل أن يتوجه إلى أرضه الزراعيّة في ريف حلب لأن القذائف تطاولها، وكذلك البراميل المتفجّرة. وأضاف: «هناك فلاحون هجروا أراضي كثيرة «زرعت» بقذائف غير متفجرة جعلتها غير قابلة للحرث. ويضاف إلى ذلك، عدم توافر المواد الزراعيّة كالبذور والأسمدة، وغياب مادة المازوت الأساسيّة لحياة المُزارِع، أو ارتفاع ثمنها في حال تواجدها».
كذلك يتحسّر المُزارِع محمد حسام على أرضه الزراعيّة في الغوطة الشرقية التي كانت تعطي محصولاً وفيراً من الخضار والفواكه. وأوضح أنّه اضطر إلى مغادرتها عقب بدء الحصار على الغوطة من قِبَل قوات النظام، وهو ما أدى إلى توقّف الزراعة وتجويع سكان تلك المناطق وموت عدد من الأطفال والشيوخ جراء نقص الغذاء وغيرها.
في حين يشتكي مزارع آخر من استيلاء عناصر مسلّحة على أرضه الزراعيّة لقربها من بئر للنفط يجري الاستخراج فيه بطرق بدائية، ما أدى إلى تلّوث التربة أيضاً.
تراجع الإنتاج في المناطق المُحرّرة
ليس الإنتاج الزراعي في المناطق المُحرّرة بأفضل حالاً منه في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بل إن نسب الإنتاج تراجعت بشكل كبير فيها أيضاً. وقرعت «الحكومة السورية الموقّتة» جرس الإنذار أخيراً، مُنبّهة إلى إمكان حصول أزمة أمن غذائي في سورية. ودعت مجموعة دول «أصدقاء الشعب السوري» إلى تقديم مساعدات عاجلة، خصوصاً أن تكون على شكل قمح وليس أموال، لوقف حصول مأساة إنسانيّة. وأكدت وزارة المال والاقتصاد في تلك الحكومة، أن مؤسّسة الحبوب التابعة للوزارة تمكّنت من شراء نحو 18 ألف طن قمحاً، عبر ١٤ مركزاً تابعاً لها في ٤ محافظات، بواسطة عمليات شراء مباشر للقمح من المزارع، من دون النيل من المحاصيل المخزّنة من قِبَل المزارعين للاستهلاك الخاص بهم. وشدّدت الوزارة على أن تلك الكميّة ليست كافية، إذ تحتاج «الحكومة السورية الموقّتة» إلى 323 ألف طن قمحاً، لإنتاج 270 ألف طن من الطحين تلزم لإعانة ما يزيد على 2.5 مليوني سوري في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وأرجع خبراء اقتصاديون سوريون محسوبون على المعارضة، وجود حاجة ماسة إلى كميّات كبيرة من القمح، إلى صعوبة الإنتاج الزراعي في مناطق تتعرض بشكل دائم للقصف، ومحاصرة نظام الأسد معظم المناطق المُحرّرة وتضييق الخناق عليها. وأوضح الخبراء أنفسهم أن تلك الحال جعلت أسعار المواد الغذائيّة في المناطق المحاصرة أضعاف مثيلاتها في المناطق التي يسيطر عليها النظام. كذلك رجّحوا أن تكون نسبة ما حُصِدَ من القمح في العام الجاري أقل نسبة إنتاج منذ قرابة 42 عاماً.
وأشار أولئك الاقتصاديون إلى أن نظام الأسد يعمد إلى رفع أسعار المحروقات والمشتقّات النفطيّة، مع رفع الدعم عن السكر والرز والخبز، كما أنه ما زال يصدر بعض المنتجات الزراعيّة إلى شركائه في الحرب، على رغم حاجة السوريين لها. وتوقّعوا أن تكون الأزمة الغذائيّة التي تتلازم مع تراجع الإنتاج الزراعي، أكثر تفاقماً في العام المقبل في حال استمرار القصف والدمار. كما أكّدوا أن أزمة الغذاء في سورية تؤثّر على دول الجوار، مع تراجع المواد الزراعيّة المُصدّرَة إلى تلك الدول من سورية كالخضار والفواكه واللحوم وغيرها من المواد التي كانت سورية تشتهر بتصديرها عربياً.
الحياة