توقعت دراسة حديثة نشرتها مجلة “طبيعة” الاسبوع الماضي ان مساحة الطرق الجديدة حول الارض ستزداد 25 كيلومترا على الاقل من الان وحتى العام 2050 ومعظمها في البلدان النامية.
هذا السباق على الزفت في العالم (اكثر من 600 مرة من دائرة الارض) لم يسبق له مثيل في تاريخ هذه البسيطة وعلى حساب تربتها ومساحاتها الخضراء وعلى حساب الامن الغذائي العالمي.
وتوقعت الدراسة ان تزيد مساحة الطرق العام 2050 اكثر من 60% عن المساحة التي وصلت اليها العام 2010 ، وهذا يعني ان كوكبنا الصغير قادم على كارثة مزدوجة، زيادة في استخدام السيارات والانبعاثات وتناقص كبير في التربة والمساحات الخضراء.
لا تحمل الدراسة الطرق المسؤولية وحدها فهي تتحدث ايضا عن استخراج الموارد الطبيعية وقطع الاشجار وصناعة الخشب واستخراج النفط والغاز والمعادن ومتطلبات التبادل التجاري والبحث عن الطاقة…الخ وتتوقع الدراسة ان تحصل 90% من عمليات شق الطرق في البلدان النامية ولا سيما في المناطق الغنية بالتنوع البيولوجي المميز والفريد وحيث النظم الايكولوجية تؤمن معظم الخدمات الحياتية للبشرية.
ويعتبر التقرير ان اخطر هذه الطرق سيتم شقها في اماكن مهددة اصلا كغابات الأمازون وحوض الكونغو او في الاحراج الصغيرة المقطعة أصلا، كما هي الحال في لبنان.
كل ذلك سيحصل في وقت تتوقع تقارير الفاو ان يتضاعف الطلب على الغذاء في الفترة نفسها اي منتصف القرن (العام 2050).
ما كان هناك من داع لتعيّن الأمم المتحدة تاريخ 5 كانون الأول يوماً عالمياً للتربة، وعام 2015 سنة دولية للتربة، لكي يعرف العالم أهمية التربة وخطورة تدهور حالتها في العالم.
كما لا يفترض ان ننتظر أيضاً لكي يصدر تقرير “حالة موارد التربة العالمية”، للمرة الأولى كدراسة شاملة، في 5 كانون الأول عام 2015، لكي يعرف العالم حجم الكارثة التي تنتظر البشرية من جراء تراجع أحوال التربة لناحية التلوث وتهديد الأمن الغذائي العالمي.
في لبنان لم يصدر حتى الآن أي دراسة عن وضع التربة فيه، وما على الدارس والمهتم سوى ان ينظر فقط إلى حجم المناطق التي أصبحت جرداء وتصحرت في السنوات العشرين الأخيرة بسبب القطع والرعي الجائر وشق الطرق والتمدد السكاني وأن يراجع حجم رخص البناء وحركة العمران، لا سيما في المناطق السهلية والزراعية، لكي يعرف أي مصير ينتظر تربته وأمنه الغذائي.
كما عليه ان يتوقع من خلال قرار السماح بالبناء من دون تراخيص ومن دون العودة الى التنظيم المدني ما ستكون عليه الحال في السنوات القادمة!
ح . م .
حذر خبراء ومندوبون حكوميون في اجتماع بمقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” الشهر الماضي من أن ثمة ضرورة عاجلة لاتخاذ إجراءات تُعنى بتحسين صحة موارد التربة المحدودة في العالم ووقف التدهور المتفاقم للأراضي، إذا كان للأجيال القادمة أن تحصل على ما يكفيها من إمدادات الغذاء والمياه والطاقة والمواد الخام.
وأيدت الشراكة العالمية للتربة (GSP)، التي تضم مجموعة واسعة من أصحاب المصالح الحكومية وغير الحكومية، سلسلة من مخططات العمل في مؤتمرها العام بمقر منظمة “فاو” في روما الشهر الماضي لحماية موارد التربة التي توفر الأساس للإنتاج الزراعي العالمي.
وتشمل التوصيات الصادرة عن مؤتمر الشراكة العام تنفيذ جملة تنظيمات قوية ورصد استثمارات موازية لها من قبل الحكومات، ضماناً للإدارة المستدامة للتربة وعلى نحو يساهم بفعالية في القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي والفقر.
تعتبر التربة الأساس لإنتاج الغذاء والأعلاف والوقود والألياف… وبدونها لا يمكننا أن نضمن الحياة على وجه الأرض؛ وحيثما تُفقَد التربة لا يمكن تجديدها وفق جدول زمني بشري، ولذا فإن تصاعد المعدل الحالي لتدهور التربة يهدد قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها.
وتقول الخبيرة ماريا هيلينا سيميدو، نائب المدير العام لمنظمة “فاو”: “وهذا هو الدافع وراء إقرار خطط العمل العالمية للاستخدام المستدام للتربة وحمايتها كإنجاز رئيسي. لكننا لا يمكن أن نتوقف هنا، ونحتاج إلى التزامات من البلدان والمجتمع المدني بغية تحويل المخططات إلى إجراءات. وهذا يتطلب إرادة سياسية واستثمارات لإنقاذ موارد التربة الثمينة التي يعتمد عليها جل إنتاجنا من الغذاء”.
الضغوط السكانية
بينما تتيح بعض أجزاء من أفريقيا وأميركا الجنوبية مجالاً ممكناً للتوسع الزراعي وفقاً لمنظمة “فاو”، إلا إن النمو السكاني العالمي المتوقع أن يتجاوز 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050 (مما سيؤدي إلى زيادات نسبتها 60 في المئة في الطلب على الغذاء والعلف والألياف) سوف يلقي بمزيد من الضغوط على موارد التربة المتاحة وفيما يفوق التوقعات المقدّرة.
ويعاني نحو 33 في المئة من رقعة التربة الكلية تدهوراً يتراوح “بين المعتدل والحاد” بسبب التلوث العام، والتآكل، ونضوب المغذيات، والحموضة، والملوحة، والتدمّك، والإجهاد، والتلوث الكيميائي.
وتنعكس الأضرار التي تلحق بالتربة على سبل المعيشة، وخدمات النظم الايكولوجية، والأمن الغذائي، ورفاهية الإنسان سواء بسواء.
وإذ تتأثر التربة بتغير المناخ، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تفاقم سياقه الجاري. وعلى سبيل المثال، يمكن للإدارة المستدامة لموارد التربة أن تؤثر إيجابياً على تغير المناخ من خلال امتصاص الكربون والحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وكذلك من خلال التخفيف من سياق التصحر الجاري في بعض المناطق.
الشراكة العالمية
تشدد الشراكة العالمية للتربة، التي تضم مجموعة واسعة من أصحاب المصالح الحكومية وغير الحكومية المعنية تحت إشراف منظمة “فاو”، على الحاجة المتزايدة من جانب الحكومات للحفاظ على التربة وتخصيص الاستثمارات اللازمة لها. وبهذا الهدف بالذات أعلِن عن إنشاء مرفق جديد لسلامة التربة وصونها.
وقرر مجتمع التربة العالمي إرساء برامج دولية لتعزيز الإدارة المستدامة للأراضي، وحفظ التربة واستصلاحها. وينبغي أن تستند التدخلات إلى تطبيق تكنولوجيات ملائمة وسياسات مستدامة وشاملة للأطراف بحيث تضمن المشاركة المباشرة من جانب المجتمعات المحلية في الإجراءات اللازمة لصون التربة. وعلى وجه التحديد، ثمة حاجة واضحة إلى منح الأولوية لحماية أنواع التربة العضوية الغنية بالكربون وإدارتها، ولا سيما أراضي الخث ومناطق الجليد الدائم.
وسيجري إنشاء نظام معلومات عالمي للتربة لقياس التقدم المحرز وتقدير حالة موارد التربة. وعلى اعتبار أن ثمة حاجة ملحة إلى التوعية والتثقيف والإرشاد في مجال التربة، فمن المقرر تنفيذ برنامج خاص لتنمية القدرات في هذا المجال.
أرقام عالمية
منذ القرن التاسع عشر، تناقص ما يقدر بنحو 60 في المئة من الكربون المختزن في التربة والغطاء النباتي نتيجة التغيرات في استخدام التربة، مثل تطهير الأراضي للزراعة والمدن.
يحتوي المتر الأول من التربة الطينية المنخفضة النشاط (كنموذج لأغلبية مناطق التربة في المرتفعات بالمناطق المدارية الرطبة وشبه الرطبة) على نحو 185 جيغا طن من الكربون العضوي، وهي ضعف كمية الكربون العضوي المختزن في الغطاء النباتي لإقليم الأمازون.
ومن خلال الممارسات وإدارة التربة غير المستدامة، من الممكن أن ينطلق هذا الكربون إلى الغلاف الجوي، مما سيفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويضاهي انطلاق 0.1 في المئة فقط من الكربون المحتبس في التربة بأوروبا مثلاً، انبعاث عوادم غازية من 100 مليون سيارة بصفة سنوية.
في أفريقيا، يحتمل أن يصلح ما يقرب من 30 في المئة من الأراضي للزراعة، لكن تآكل التربة ونضوب المغذيات لم تنفك تستنزف موارد هذه الرقعة. وفي الصومال مثلاً، يصلح للاستزراع الفوري 1,8 في المئة فقط من الأراضي، لكن فقد التربة بفعل التآكل الحثيث في بعض المناطق يتجاوز 140 طن/ كتار/سنة.
تحتل التربة الطبيعية القادرة على الزراعة المكثفة في أميركا اللاتينية، 25 في المئة من رقعة القارة. لكن تدهور التربة ما زال يشكل تحدياً رئيسياً في الإقليم.
الضغوط المتصاعدة
تعتبر التربة المنتجة في العالم محدودة جداً. وهي تواجه ضغوطاً متصاعدة بفعل مختلف الاستخدامات مثل:
– زراعة المحاصيل وتطهير الأراضي وزيادة استخدام الأدوية والأسمدة الكيميائية.
– أنشطة التحريج في الغابات، والمراعي الحيوانية بشتى أشكالها.
– التوسع الحضري والزيادة السكانية وإنتاج الطاقة واستخراج المعادن.
الأهمية وسبل الحماية
– تشكل التربة ما لا يقل عن ربع التنوع البيولوجي الحيوي على صعيد العالم وهي الأساس لإنتاج الغذاء والأعلاف والوقود والألياف.
– تلعب التربة دوراً رئيسياً في توفير إمدادات المياه النقية ودعم القدرة على التكيف المرن لأحداث الفيضانات والجفاف.
– تعتمد الحياة النباتية والحيوانية اعتماداً حاسماً على إعادة تدوير المغذيات الأساسية من خلال العمليات الطبيعية للتربة.
– حماية التربة تتطلب إعادة الاعتبار الى المخططات التوجيهية لترتيب الأراضي وحماية الأماكن الزراعية والأحراج ومراقبة الأعمال الزراعية المجهدة ومراقبة استخدام الكيميائيات الزراعية على أنواعها وإعادة النظر بعوامل الاستثمار لمصلحتها.
حبيب معلوف
السفير