المهندس عماد سعد

في البداية يجب توضيح التالي: المقصود من مصطلح (العبوات البلاستيكية أحادية الاستخدام) بحسب ما ورد في مبادرة (دبي تبادر) هي عبوات بلاستيكية غير قابلة للتحلل وغير قابلة لإعادة التدوير. وخصوصاً عبوات المياه، ولكن من أين نبدأ وماذا علينا أن نفعل هل التوعية بمخاطر العبوات البلاستيكية أحادية الاستخدام يكفي؟

أعتقد لا، لسبب بسيط لأنه في الحقيقة البلاستيك بحد ذاته ليس هو المشكلة وحظره ليس هو الحل؟ بل المشكلة في تغيير سلوك الأفراد والمؤسسات والشركات في التعامل مع العبوات البلاستيكية، لأن تغيير سلوك الافراد والمؤسسات هو من أصعب التحديات التي تواجه الدول سواء في موضوع البيئة او غيرها من القضايا، فلو عملنا مقارنة معيارية واستفدنا من تجارب الآخرين لخصلنا إلى نتيجة مفادها أن تغيير السلوك يحتاج إلى توفر ثلاث عناصر أساسية هي (القانون، التوعية، والتحفيز) وهذه العناصر لا تعطي نتيجة إلا مجتمعة مع بعضها البعض، وما قامت به دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي بإطلاق مبادرة (دبي تبادر) عبر توفير أجهزة توفير مياه شرب نقية مجاناً لعموم الناس منتشرة في الشوارع والأماكن العامة، فالمبادرة يمكن تصنيفها أنها (تحفيز) الفئات المستهدفة للمشاركة في تغيير السلوك، ويمكن ربطها بالقانون الذي صدر في الأسبوع الماضي عن المجلس التنفيذي بدبي بتطبيق تعرفة 25 فلس على كل كيس بلاستيكي أحادي الاستخدام يعتبر أيضا خطوة في الاتجاه الصحيح وترجمة لهذه المعادلة من باب (القانون)، إلى جاب برامج التوعية المنتشرة من خلال وسائل الاعلام او الجمعيات البيئية ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها سوف تساهم جميعاً بتغيير السلوم ولو بعد حين.

فلو نظرنا إلى الإنتاج التراكمي للبلاستيك في العالم سوف نجد أن العالم ينتج 7.8 مليار طن من البلاستيك في السنة أي ما يعادل 1 طن نفايات بلاستيكية لكل انسان على قيد الحياة. وأغلب البلاستيك الذي ينتجه العالم يذهب إلى تغليف المواد والسلع الاستهلاكية ومنها عبوات مياه الشرب بشكل رئيسي، أي ما يعادل 42 %، أما النفايات البلاستيكية تتركز بالتغليف والتعبئة أي المواد والسلع الاستهلاكية بما يعادل 74.2 %.

من حيث المبدأ البلاستيك يعيش معنا في كل مكان، البلاستيك (البولميرات) أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. زاد انتشار واستعماله لسهولة التصنيع وقلة الكلفة. حيث نبدأ حياتنا اليومية باستخدام فرشاة الأسنان، ونلبس الألبسة المصنوعة من ألياف صناعية يدخل في تركيبها البوليستر، والنايلون. كما نستخدم في طعامنا صحونا بلاستيك وميلامين، ونلبس الأحذية المصنوعة من الجلد الصناعي، نسافر وننتقل في السيارات والباصات التي يدخل البلاستيك في صنع كثير من أجزاءها. البلاستيك له إيجابيات لا غنى عنها لكن له سلبيات كثيرة يجب الحذر منها، فالنفايات البلاستيكية لها آثار سلبية على الصحة العامة والبيئة بشكل عام، فهي أحد معوقات تحقيق التنمية المستدامة.

البلاستيك.. من أخطر الملوثات على كوكب الأرض، لأنه غير قابل لإعادة التدوير وغير قابل للتحلل، فالنظرة الحديثة لإدارة النفايات ترتكز على اعتبارها موارد والعمل على استرداد قیمتھا بما لا يؤدي إلى تلويث البيئة وتھديد للصحة العامة، فاليوم بات العالم يتجه نحو استعمال المواد المستدامة. والاستغناء عن كل ما لا يمكن إعادة تدويره وعلى رأسها الأكياس البلاستيكية صعبة التحلل، من هنا يمكن القول أن فرض رسوم رمزية على استخدام الأكياس البلاستيكية يعتبر خطوة بالاتجاه الصحيح سوف تساهم في الحد من استهلاكها، بل سوف يدفع بالمستهلك إلى إيجاد بدائل بمفرده وهي كثيرة مثل احضار أكياس قماشية أو من مواد قابلة للاستخدام مرات عديدة، هذه الخطوة سوف يكون لها أثر كبير على حماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، من هنا يمكن القول أنه سيصبح في المستقبل القريب لزاماً على كل من يُقدم سلعة مُغلفة بالبلاستيك أن يتحمل مسؤولية ما يقدمه. بل على المستهلك أن يتحمل جزءاً من المسؤولية عبر اختيار السلعة التي تنتج نفايات أقل عند اتخاذ قرار الشراء. أو أن يقوم بدفع تعرفة تلك الاكياس التي يستخدمها. كما أظن أننا نحتاج إلى ضغوط أكبر حتى نصبح أكثر وعياً وإدراكاً لما نستهلكه. أخيراً أقول إننا يجب أن نكون واثقين وحذرين عند شرائنا أي غرض أن نستخدم سلة قماشية ونقلل استهلاك الأكياس ذات الاستخدام الواحد.

بدون شك هناك حلول بسيطة ومتاحة لكل الناس في كل دول العالم، هي استعمال الاكياس القماشية او الأقمشة الغير منسوجة أو غيرها من المواد الخام التي تتحمل إعادة الاستخدام دون أن تتلف، وهناك بديل شائع لكنه خاطئ جداً ألا وهو استعمال الاكياس الورقية، بدون شك الأكياس الورقية هي أخف وطأة على البيئة من الأكياس البلاستيكية كما أنها قابلة للتدوير، إلا أنها ليست هي الحل الأمثل، ذلك لأنها تؤدي إلى قطع الكثير من الأشجار للحصول على الورق.

أعتقد نحن جميعاً بتنا بحاجة إلى قرارات جريئة للحد من الاستهلاك المفرط للأكياس البلاستيكية بشكل عام وأحادية الاستخدام بشكل خاص، أسوة بعدد من دول العالم. بالمناسبة إن أكبر تحدي يواجه العلماء ومختبرات الابتكار هو إنتاج بلاستيك قابل لإعادة التدوير باستمرار، بل إنتاج بلاستيك قابل للتحلل وتحويل البلاستيك لمنتجات أعلى قيمة. وقد تم تحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع لكنه مازال غير اقتصادي والرهان الآن هو على خفض الكلفة من خلال الابتكار.

المهندس عماد سعد

خبير الاستدامة والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة ابوظبي

[email protected]

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا