اختتمت منذ أيام في البرازيل أعمال قمة “ريو + 20” للتنمية المستدامة التي شارك فيها العشرات من ممثلي رؤساء الدول والحكومات وسط انتقادات للوثيقة الختامية التي وصفت بأنها “مجرد نوايا حسنة” تفتقر إلى الأهداف الملزمة والتمويل.

وقد عبّرت منظمات المجتمع المدني عن غضبها الشديد طوال أيام المؤتمر مندّدةً بفشل “ريو + 20” وقلة طموحه مع الحركة العالمية بشأن حماية حقوق البيئة، إذ مازالت المشاكل الرئيسة قائمة دون حلول حقيقية مثل التصحر واستنفاد المحيطات والتلوث وتدمير الغابات وخطر انقراض آلاف الأنواع من الكائنات التي بدورها ترجح كفتي الجوع والفقر. والحلول هي ما كانت دول العالم الغنية والفقيرة قد اتفقت عليه ضمن سلسلة وعود لمعالجة مشاكل الكرة الأرضية في كوبنهاغن في العام 2009.

ومن ضمن المشاريع الرئيسة ما جاء من التزام الدول نحو المحافظة على التنمية المستدامة من أجل بيئة واقتصاد أخضر كنموذج أقل تدمير لكوكب الأرض الذي سيرتفع عدد سكانه من سبعة مليارات حاليًا إلى 9,5 مليار في العام 2050.
ونظرًا إلى خشية الدول الفقيرة من إخفاء هذا المفهوم نوعًا من الحمائية لدى الدول الثرية فقد شدّد النص المتفق عليه بين الدول على أن “سياسات الاقتصاد الخضراء” ينبغي ألا “تفرض قواعد صارمة” بل “أن تحترم السيادة الوطنية لكل بلد” من دون أن تكون “وسيلة للتمييز” ولا “قيدًا مخفيًا للتجارة الدولية”.

وقد أطلقت القمة “أهداف التنمية المستدامة” على نمط أهداف الألفية للتنمية التي أقرّتها الأمم المتحدة في العام 2000. وسيتم تشكيل مجموعة عمل من 30 شخصًا قبل انعقاد الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول يفترض أن تقدّم مقترحاتها في العام 2013 للتطبيق اعتبارًا من العام 2015.

وستكون هذه الأهداف «محدودة العدد، موجزة، وتركز على العمل ويمكن تطبيقها في جميع الدول لكنها تأخذ في الاعتبار “الظروف الوطنية الخاصة”. لكن تمويل الانتقال إلى اقتصاد أخضر يبقى معلقًا، ففي فترة أزمة استنفدت فيها الموازنات لم تعد الدول الثرية تملك وسائل تأمين الأموال. وبالتالي شجّعت قمة “ريو + 20” على التوصل إلى موارد تمويل جديدة على غرار مشاريع إلى جانب “وسائل تمويل مبتكرة” من دون تقديم تفاصيل. وقرّرت تسع دول أوروبية إنشاء ضريبة على التبادلات المالية، الأمر الذي أشادت به منظمة أوكسفام في ريو.

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رحب بالنص رغم الانتقادات الشديدة معتبرًا أنها “وثيقة جيدة جدًا ورؤية يمكن أن نبني عليها أحلامنا”.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإن الحاجة إلى التغيير وتصحيح الأوضاع البيئية في دول العالم من شأنها أن تحقّق عدة أهداف منها توفير فرص عمل “خضراء”وأخرى موارد غذاء جديدة تأتي ضمن مشاريع “سياسات الاقتصاد الخضراء” وهو ما يدعو إلى القول إننا مقبلون على مرحلة تغيير وتصحيح عالمية مبنية على مفاهيم تحمي موارد البشرية من الضياع، وهي حركة بيئية، أي أن البيئة دخلت في الحراك السياسي للتغيير.

وتجد الأمم المتحدة أن التراجع الاقتصادي قد ألحق خسائر بكل من كمية ونوعية فرص العمل. وبالنسبة للعاطلين عن العمل ‏البالغ عددهم 190 مليونًا، وبالنسبة لأكثر من 500 مليون شخص سيسعون إلى الحصول على فرص ‏عمل خلال السنوات العشر المقبلة، تعتبر أسواق العمل حيوية ليس لإنتاج وإدرار ثروة فحسب، بل هي ‏حيوية أيضًا بالقدر نفسه لتوزيع تلك الثروة. فاتخاذ إجراءات على الصعيد الاقتصادي واتباع سياسات ‏اجتماعية لإيجاد عمالة مربحة هما أمران ينطويان على أهمية بالغة للتماسك والاستقرار الاجتماعيين. ‏ومن الأمور الحاسمة الأهمية أيضًا أن يكون العمل موجّهًا نحو احتياجات البيئة الطبيعية. وفرص ‏العمل الخضراء هي فرص للعمل في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات والإدارة تساهم في ‏الحفاظ على نوعية البيئة أو في إعادتها إلى ما كانت عليه سابقًا.

أما عن موارد الغذاء، فقد ذكرت تقارير الأمم المتحدة الأخيرة بأن هناك ثمة حاجة إلى تغيير عميق في نظام الأغذية والزراعة العالمي إذا ما أردنا تغذية 925 مليون جائع اليوم، إلى جانب ملياري شخص آخرين متوقعين بحلول العام 2050. ويقدّم قطاع الأغذية والزراعة حلولاً رئيسة للتنمية، ويعد قطاعًا مركزيًا في القضاء على الجوع والفقر. حقائق وأرقام الزراعة هي القطاع الأكبر توفيرًا للوظائف في العالم.

ولو قارنا ما جاء ذكره في مجتمعاتنا العربية التي تعيش مرحلة الصحوة ومطالب لتصحيح أوضاع أنظمتها السياسية، فإنها دون شك لا يمكن أن تكون بمنأى من حركة “ريو +20” الجديدة في التغيير الداعي لتصحيح البيئة في العالم.

ببساطة… العالم يشهد ويعايش مرحلة جديدة مع حراكه السياسي الذي لا يقبل الإقصاء ولا التنازل من بعد العام 2011. وهو أيضًا سيلعب دورًا في الحراك العالمي مع حركة التغيير الداعمة لحماية البيئة التي بدورها قد تفتح وتوفّر فرصًا ضمن منهج عالمي وسياسة عمل مشترك أممية بين دول العالم.

 

بقلم / ريم خليفة – كاتبة وإعلامية بحرينية
جريدة الراية

اترك تعليقاً

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال الاسم هنا