أنظر الى هاتين الصورتين جيداً. ليست هذه جمال الألباما في صحراء سيبيريا، بل انها إبل شبه جزيرة العرب في مطلع شهر آذار (مارس)، حينما بات الربيع على الأبواب! منذ متى لم تر الرمال اللاهبة في صحراء العرب هذه الثلوج المتراكمة؟ خمسون سنة؟ قرن؟ أكثر؟
إذا كانت هذه حال صحراء العرب الملتهبة حرارة، فكيف تكون حال غطاء الثلوج في القطب الشمالي؟ هل ما زال ممكناً الحديث عن إنهيار جبال الثلوج في القطب الشمالي، بعد أن تجمعت تلالها في صحراء العرب؟
إحتباس ولكن…
من المستطاع القول إن عدم التصاعد في ظاهرة الإحتباس الحراري، بمعنى أن تكون كل سنة أشد سخونة من سابقاتها، أثار دوماً نقاشات عن هذه الظاهرة. إذا صحّ أن الأرض مغلّفة بدثار من غازات التلوّث الناجم عن الحرق المتواصل للوقود الإحفوري (نفط وفحم حجري)، فمن البديهي أن تتصاعد حرارة الأرض باطراد. هناك من يقول أن هذا «الدثار» يصل الى مرحلة يمنع فيها دخول أشعة الشمس إلى الأرض بصورة كافية، ما يجعلها أكثر برودة، بل ربما عجّل دخولها عصراً جليدياً جديداً. في هذا الشتاء، أعلنت غير جهة علمية، مثل «إدارة المناخ والمياه» الأميركية، أن الأرض أصبحت أبعد من الدخول الى عصر جليدي جديد.
في نقاشات المناخ، برز دوماً رأي يقول إن الماضي السحيق للأرض شهد ظواهر مماثلة للإحتباس الحراري حاضراً (بعضها أشد قوة)، ما يعني أن مسألة دورات المناخ أكثر تعقيداً مما تبدو، إضافة الى أنها مستقلة عن النشاط الإنساني، لأن مظاهرها الأكثر قسوة حصلت قبل هذا النشاط بحقب مديدة.
غالباً ما ردّ المتحمسون للبيئة بالقول بأنه ربما تؤثر عناصر كونية في دورات المناخ، لكن دورتها الحاضرة تتميّز بمساهمة النشاط الإنساني، عبر غازات التلّوث، فيها. كيف يمكن تفسير هذا الشتاء الهائل في 2012؟ الطريف أن التفسيرات العلمية لا تزال قليلة، أو أن ما يصل منها الى الإعلام العلمي قليل، وبعضها غير مقنع بصورة جلية. مثلاً، أوردت مجلة «تيلوس إيه» Tellus A العلمية أن مجموعة من العلماء في «معهد ألفرد واغنر» في بوتسدام، أرجعوا الشتاء القارس الى الصيف الحار عام 2011، الذي صاحبه تقلّص في الغطاء الثلجي في القطب الشمالي.
وفي نفسٍ مُشابه، نقلت مجلة «أوراق بحوث البيئة» Environmental Research Letters، العلمية المتخصصة في المناخ، رأياً مُشابهاً، ينسب برد الشتاء الحاضر الى الحرارة اللاهبة للصيف الفائت. وأسندت المجلة هذا الرأي الى 3 جهات علمية أميركية هي «بحوث البيئة والغلاف الجوي» Atmospheric & Environmental Research، و «جامعة ماساشوستس» University of Massachusetts، و «جامعة ألاسكا فيربانكس» University of Alaska Fairbanks. إذا صحّ ان الصيف اللاهب يليه شتاء قارس، فلم لم يحدث هذا في سنوات سابقة، علماً أن كثيراً منها سجّل درجات حرارة شديدة الإرتفاع صيفاً؟
بانتظار السياسة
يبدو شتاء 2012 قادراً على وضع نقاشات المناخ على محك صعب مجدداً. لقد عادت مُكوّنات كثيرة من صورة المناخ الى ما كانته قبل خمسين عاماً، كما في أوروبا ولبنان، وبعضها الى حقب أكثر بُعداً.
والأرجح أن هذا يعني وجود عوامل أكثر تعقيداً في المناخ، من الصورة المُبسّطة عن احتباس حراري متواصل، وكذلك عن الجواب السهل في غياب هذه الظاهرة كلياً أيضاً.
لقد ضرب شتاء قارس شمال الكرة الأرضية كله، ثم انتقل إلى أميركا. قبل ساعات من وصول الرئيس باراك أوباما الى ولاية نيوهامشاير، ضربت مجموعة أعاصير ليست مألوفة في عددها (28 إعصاراً متزامناً) وسط القارة الأميركية. استقبلت عاصفة ثلجية أوباما في مطار هذه الولاية. ربما تتحدث صورته سائراً وحيداً في حقل واسع من الثلج المتراكم، عن أكثر من معنى. لقد صمتت أميركا ومجتمعها العلمي (نسبياً بالطبع) أثناء ضربة الشتاء الممتدة من أطراف ولاية ألاسكا إلى أقاصي أوروبا.
لكن ضربة البرودة الفائقة وصلت الى أميركا في وقت تتصاعد فيه أجواء المنافسة على الرئاسة المقبلة، بصورة مبكرة تماماً. في بلاد «العم سام»، تتخذ مسألة المناخ بُعداً شبه إيديولوجي، ربما يتوضح أكثر خلال السنة المقبلة، حين تكون صناديق الإقتراع على أهبة الإستعداد لاستقبال أصوات الناخبين. ينحاز الجمهوريون الى حدّ متعصب ضد مقولة «الإحتباس الحراري»، ما يعني أن شتاء 2012 يزوّدهم بذخيرة قوية. وعلى عكسهم، يقف الحزب الديموقراطي الذي يعقد الآمال على أوباما في المنافسة الرئاسية. هل تعطي السياسة في 2013 تفسيراً أكثر تعمّقاً لشتاء 2012؟