زاهر هاشم
تعدّ الأعاصير المدارية أحد أكبر الأخطار التي تهدد الإنسان، وتتسبب بأضرار مادية جسيمة في الأرواح والممتلكات. وتقدر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الخسائر الناتجة عن نحو ألفي إعصار مداري بنحو 780 ألف حالة وفاة، وخسائر اقتصادية تتجاوز 1400 مليار دولار، وذلك على مدى العقود الخمسة الماضية، بما يعادل 43 حالة وفاة وأكثر من 78 مليون دولار يومياً.
وينشأ الإعصار المداري على شكل عاصفة سريعة الدوران فوق المحيطات المدارية (الأطلسي والهادي والهندي)، حيث يستمد من مياهها الدافئة -خاصة في فصلي الصيف والخريف- الطاقة اللازمة لتكوّنه. ويتراوح قطر الإعصار عادة بين 200 و500 كلم، ويتكون الإعصار من منطقة مركزية تسمى “العين” يكون فيها الضغط الجوي منخفضاً جداً والطقس هادئاً وخالياً من السحب، بينما يحاط مركز الإعصار بجدار ضخم من السحب الكثيفة التي تتصاعد بعنف حول عين الإعصار.
وتدور رياح الأعاصير المدارية حول المنطقة المركزية ذات الضغط الجوي المنخفض متأثرة بدوران الأرض حول محورها، وتتحرك تبعاً لذلك باتجاه عكس عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي وباتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي.
الأعاصير وتغير المناخ
مع استمرار وصول درجة حرارة المحيطات إلى مستويات قياسية غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، تمتص مياه المحيطات جزءاً كبيراً من حرارة الأرض، وتتبخر بسبب ذلك كميات كبيرة من مياه المحيطات، وبالتالي تكتسب الأعاصير والعواصف المدارية المزيد من الطاقة من عملية تبخر مياه المحيط الدافئة.
وتعد المحيطات مصدر تغذية الأعاصير المدارية التي تزودها بالطاقة، وتتطور الأعاصير المدارية في المحيطات الاستوائية عند خط عرض 5 إلى 30 درجة على الأقل شمال أو جنوب خط الاستواء، حيث تبلغ درجة حرارة البحر 27 درجة مئوية على الأقل، وتعتبر الأعاصير المدارية مهمة على الأرض لنقل الحرارة والطاقة بين خط الاستواء والقطبين.
ووصل متوسط درجة حرارة المحيطات هذا العام إلى أعلى مستوى في درجات الحرارة المسجلة على الإطلاق عند 20.96 درجة مئوية، وذلك وفقاً لخدمة كوبرنيكوس المعنية بالمناخ في الاتحاد الأوروبي، إذ تمتص المحيطات جزءاً كبيراً من حرارة الأرض ولها دور فاعل في تحديد أنماط الطقس التي يشهدها العالم.
كما يمكن لظاهرة النينيو التي بدأت هذا العام، والتي تتطور في المناطق الاستوائية في المحيط الهادي، أن تؤثر على أنماط الطقس والعواصف في أجزاء مختلفة من العالم، ومن المرجح أن تؤدي إلى استمرار ارتفاع درجة الحرارة العالمية.
وظاهرة النينيو هي نمط مناخي طبيعي يرتبط بارتفاع في درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق المحيط الهادي الاستوائي. ويحدث الاحترار عندما تضعف الرياح التجارية السائدة من الشرق إلى الغرب وتهبّ المياه الدافئة من غرب المحيط الهادي باتجاه الشرق، ويمكن لمياه النينيو الدافئة أن تغذي الأعاصير في وسط وشرق المحيط الهادي، بينما تعوق تكوّنها في حوض المحيط الأطلسي.
وعندما تسخن مياه البحار الاستوائية ترتفع درجة حرارة طبقة الهواء الملاصقة لها، ويرتفع الهواء الدافئ الرطب مسبباً انخفاض الضغط الجوي في المنطقة أدناه.
يندفع الهواء من المناطق المحيطة ذات الضغط الجوي المرتفع إلى منطقة الضغط المنخفض، ثم يصبح الهواء الجديد القادم دافئاً ورطباً ويرتفع أيضاً، ومع استمرار ارتفاع الهواء الدافئ يدور الهواء المحيط ليأخذ مكانه، وعندما يبرد الهواء الرطب الدافئ في الأعلى يشكل بخار الماء الموجود فيه سحباً ركامية كثيفة، ويدور نظام السحب والرياح بأكمله وينمو، ويتغذى من حرارة المحيط والمياه المتبخرة من السطح، وتتشكل بسبب ذلك العواصف المدارية شديدة السرعة التي تحمل كميات كبيرة من الهطولات المطرية المصاحبة لعواصف رعدية.
قوة الأعاصير تضاعفت
وجدت دراسة نُشرت في 19 أكتوبر/تشرين الأول في مجلة “ساينتيفيك ريبورتس”، أن الأعاصير الأطلسية “الهاريكين” التي تحدث في البحر الكاريبي وخليج المكسيك وشمال المحيط الأطلسي وشرق ووسط شمال المحيط الهادي، أصبحت أقوى بشكل أسرع مما كانت عليه قبل 40 عاماً، وأن احتمالية اشتداد قوة الإعصار الضعيف ليصبح إعصاراً كبيراً في غضون 24 ساعة تضاعفت في العقود الأخيرة، ومن المرجح أيضاً أن تزداد قوتها بسرعة أكبر على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
ووفقاً لمقياس سافير سمبسون المستخدم لتصنيف قوة أعاصير الهاريكين، تصنف هذه الأعاصير المدارية إلى خمس فئات، تبدأ الأولى منها عندما تتراوح السرعة القصوى المستمرة لرياح الأعاصير بين 119 و153 كيلومترا في الساعة، وتصل إلى الفئة الخامسة عندما تتجاوز هذه السرعة 249 كيلومترا في الساعة.
تقول أندرا غارنر المشاركة في إعداد الدراسة وعالمة المناخ من جامعة روان بولاية نيوجيرسي الأميركية: إن المحيطات امتصت نحو 90% من الاحترار الزائد الذي حدث في العقود الأخيرة بسبب تغير المناخ الذي يسببه النشاط البشري.
ونظرت دراسة غارنر في 830 إعصاراً مدارياً في المحيط الأطلسي بين عامي 1970 و2020، وحللت كيفية تغير سرعة الرياح على مدار عمر كل إعصار، حيث قُسمت العواصف إلى ثلاث فترات زمنية: الأولى 1970 إلى 1990، والثانية 1986 إلى 2005، والثالثة 2001 إلى 2020.
ووجدت الدراسة أن احتمال اشتداد قوة الإعصار الضعيف ليصبح إعصاراً شديداً خلال 24 ساعة قد ازدادت من 3.23% في الفترة الأولى إلى 8.12% في الفترة الثالثة. ويجب أن يترافق الإعصار مع رياح تبلغ سرعتها 178 كيلومترا في الساعة على الأقل حتى يصنف إعصاراً كبيراً.
وتتوافق نتائج الدراسة بحسب غارنر مع العواصف التي شهدناها هذا العام، مثل إعصار “إداليا” وإعصار “لي”، إذ اشتدت قوتهما بسرعة نتيجة لمياه المحيط الدافئة وظروف مواتية أخرى، لذا يمكن أن نتوقع استمرار هذا الاتجاه إذا استمرت مياه المحيط في الدفء.
وتحوّل إعصار “لي” الذي ضرب السواحل الأطلسية لكندا والولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، من إعصار من الفئة الأولى إلى أقوى إعصار من الفئة الخامسة برياح عاتية بلغت سرعتها 249 كيلومتراً في الساعة خلال 24 ساعة، كما انتقل إعصار ماريا الذي دمر أرخبيل بورتوريكو شمال شرق البحر الكاريبي عام 2017، من عاصفة من الفئة الأولى إلى عاصفة هائلة مع رياح تبلغ سرعتها 257 كيلومتراً في الساعة في غضون 15 ساعة فقط.
قوة تدميرية
وترتبط الأعاصير المدارية بمجموعة متنوعة من المخاطر، وقد تصل سرعة الرياح المدمرة المصاحبة لها إلى ما يزيد على 300 كيلومتر في الساعة، ويمكن أن يؤدي الجمع بين الأمواج التي تحركها الرياح والضغط المنخفض للأعاصير المدارية إلى حدوث عاصفة ساحلية تدفع بكميات هائلة من المياه إلى الشواطئ بسرعة عالية وبقوة هائلة تجرف كل ما تجده في طريقها وتسبب أضراراً كبيرة للبيئة الساحلية، وتؤدي الأمطار الغزيرة المرتبطة بالأعاصير المدارية إلى حدوث فيضانات مفاجئة وسيول وانهيارات أرضية وانجرافات طينية محتملة.
ويطلق على الإعصار المداري اسم “منخفض مداري” عندما تكون السرعة القصوى المستمرة للرياح أقل من 63 كيلومترا في الساعة، وينتقل بعد هذه السرعة إلى عاصفة مدارية قبل أن يصل إلى مرحلة الإعصار عندما تتجاوز السرعة القصوى للرياح 119 كيلومترا في الساعة ويسمى في هذه الحالة الهاريكين أو التيفون أو السيكلون المداري وذلك بحسب موقعه الجغرافي.
المصدر : الجزيرة