زاهر هاشم
تعدّ حرائق الغابات من بين أخطر الكوارث الطبيعية التي تواجه العالم، لما لها من أثر كبير على الغطاء النباتي، والتنوع الأحيائي، وسبل العيش، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تتطلبها عمليات الإطفاء، والخسائر البشرية التي قد تنتج عنها.
ويستغرق استرجاع المساحات المتأثرة بحرائق الغابات عقوداً طويلة، وتترك الحرائق آثاراً كبيرة على النظام البيئي، نظراً للفوائد الكبيرة التي تحققها الغابات.
تساعد الأشجار على تنقية الهواء وإزالة الملوثات الضارة منه، وتحسين درجات الحرارة، وحماية موارد المياه، وصد الرياح، ومنع تآكل التربة، ومنع حدوث الفيضانات، والتخفيف من ظاهرة تغير المناخ من خلال امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، كما توفر منتجات اقتصادية وغذائية مثل الأخشاب والثمار، وهي موطن بيئي مهم لأعداد كبيرة من الأنواع النباتية والحيوانية.
كيف تتشكل حرائق الغابات؟
تحدث حرائق الغابات نتيجة احتراق النباتات الموجودة في التربة، أو الأوراق والجذوع الجافة، وذلك لأسباب طبيعية أو بشرية، ويحتاج الحريق إلى توفر ثلاثة عناصر مجتمعة معاً كي يحدث هي مصدر النار، وتوافر الوقود، ووجود الأوكسجين، أما انتشار الحريق فيخضع لثلاثة عوامل هي نوع الوقود، وحالة الطقس، ونوع التضاريس.
تؤثر حالة الطقس، إلى حد كبير، في انتشار الحرائق، حيث تشتد شدة ومدى انتشار الحريق مع درجات حرارة الجو المرتفعة وسرعة الريح القوية ونسبة الرطوبة المنخفضة في الهواء.
وتشكل الأعشاب اليابسة والأوراق الجافة في الغابات وقوداً أساسياً لحرائق الغابات، خصوصاً مع ارتفاع درجة الحرارة وطول فترات الجفاف، وقد ينشأ الحريق لأسباب طبيعية مثل البرق، أو لأسباب بشرية نتيجة الإهمال أو الحوادث العرضية أو المتعمدة.
وتشمل العوامل البشرية إشعال النار في الغابات من قبل المصطافين، أو رمي أعقاب السجائر غير المطفأة، أو الشرارة الناتجة عن الأسلاك الكهربائية ومحطات الكهرباء القريبة من الغابات، أو الأعمال الزراعية وإشعال النباتات الجافة من قبل المزارعين، والشرارة الناتجة عن الآليات الزراعية أو المركبات التي تسير على الطرق المحاذية للغابات، كما تحدث الحرائق في كثير من الأحيان بشكل متعمد بهدف السيطرة على أراضي الغابات وتحويلها إلى أراض صناعية وتجارية.
كيف نتجنب حرائق الغابات؟
تتجلى أهمية الوقاية من حرائق الغابات نظراً إلى الخسائر الكبيرة التي تسببها على نطاق واسع، والدور الكبير للعامل البشري في حدوثها، لذلك فإن فهمنا لحجم الخسائر الفادحة لهذه الحرائق على البيئة والإنسان، ودور الأخير في حدوثها، من شأنه المساعدة في التخطيط لإجراءات وقائية تسهم بشكل كبير في تخفيف الأضرار وتقليل فرص حدوث الحرائق واسعة الانتشار، جنباً إلى جنب مع الوعي العام والمسؤولية وزيادة الاهتمام.
وحسب إدارة المنتزهات الوطنية الأمريكية NPS فإن ما يقرب من 85% من حرائق الغابات في الولايات المتحدة سببها عوامل بشرية.
إجراءات وقائية لتجنب حرائق الغابات
يؤدي تغير المناخ وموجات الجفاف إلى تزايد فرص حرائق الغابات وإطالة أمدها، ويمكن أن يتسبب طقس معين في حرائق الغابات، إذ تزيد درجات الحرارة المرتفعة من قابلية اشتعال الأعشاب الجافة أو الأوراق أو الجذوع، كما تسرّع الرياح القوية انتشار حرائق الغابات، ويمكن أن يساهم البرق في اشتعال أشجار الغابات الجافة.
لذلك من الضروري عند الحديث عن الوقاية من حرائق الغابات معرفة ومراعاة الظروف الجوية الحالية والقادمة ومخاطرها على الغابات، وتنظيم وتوجيه النشاطات الزراعية والسياحية والاجتماعية في مناطق الغابات والمناطق المجاورة لها خارج الفترات المتوقعة لحدوث الحرائق، اعتماداً على تحليل البيانات السابقة وتوقع حدوث الحرائق على أساسها.
ومع الأجواء الحارة والرياح العاصفة، قد يؤدي إطلاق شرارة من الآليات الزراعية أو المركبات إلى إشعال العشب الجاف أو أوراق الشجر، والذي ينتشر إلى مناطق واسعة بسبب الرياح، مما يتسبب في حرائق الغابات.
وتتطلب القيادة على الطرق الوعرة، بالقرب من بقايا المحاصيل الجافة والغابات، توخي الحذر الشديد، إذ غالباً ما تكون درجة حرارة العادم مرتفعة بدرجة كافية لإشعال النار في العشب الجاف أو القش، مع وجود خطر محتمل على الغابات القريبة، وبالتالي، لمنع حرائق الغابات، يجب إجراء فحوصات فنية على المركبات بانتظام، وعدم ركن المركبات بالقرب من العشب الجاف، وعلى حدود الغابات، والتأكد من وجود جهاز إطفاء حريق في السيارة.
كما تساهم العمليات الزراعية غير المراقبة مثل حرق الأعشاب اليابسة أو البقايا النباتية ومخلفات المحاصيل والمخلفات الزراعية الأخرى في الأراضي الزراعية القريبة من الغابات، في زيادة فرص اشتعال الغابات في حال خروجها عن السيطرة، ويمكن أن تنشر الرياح الشرار المتطاير إلى مسافات بعيدة، مما يزيد فرص حدوث الحرائق حتى في الغابات البعيدة عن المناطق الزراعية.
تؤدي بعض الممارسات الخاطئة خلال مواسم التخييم والاصطياف إلى عواقب كارثية، مثل إشعال النيران في أماكن غير مخصصة أو أثناء هبوب الرياح، أو تركها دون رقابة، أو تغذية النيران بمواد يصعب إطفاؤها مثل العلب البلاستيكية، أو رمي مخلفات الطعام والتخييم بشكل عشوائي بحيث يمكن أن تتحول لاحقاً إلى مواد جافة قابلة للاشتعال أو تساعد على إحداث الشرارة الأولى للحريق.
على سبيل المثال، قد تعمل القوارير الزجاجية المرمية في الغابات على تركيز ضوء الشمس على الأعشاب الجافة، بمبدأ العدسة المكبرة نفسه، ما قد يؤدي إلى نشوب حريق قد لا يمكن توقع نتائجه.
إن تشديد العقوبات الجنائية على الأعمال التخريبية التي تسبب احتراق مساحات كبيرة من الغابات، وحظر إشعال النار والاصطياف في الغابات خلال المواسم المعرضة للخطر، وفرض عقوبات صارمة ضد المخالفين، إضافة إلى تشريع قوانين تمنع الاستفادة من مناطق الغابات المحروقة والبناء عليها إلا بعد مدة زمنية طويلة، ومنع الاستفادة من بيع الأخشاب المحروقة، من شأنه تقليل فرص نشوب حرائق متعمدة.
وبالتزامن مع الحملات الإعلامية الموجهة مباشرة إلى المزارعين وسكان المناطق المحاذية للغابات حول الالتزام بوضع حد للممارسات التي تنطوي على مخاطر نشوب حرائق، هناك حاجة ماسة إلى إنشاء أنظمة للكشف والإنذار المبكر عن الحرائق، اعتماداً على أجهزة الاستشعار عن بُعد وكاميرات المراقبة، إضافة إلى تحسين مرافق البنية التحتية في الغابات من طرق ومصادر مياه، لضمان التدخل الفعّال بأسرع ما يمكن ومنع الحرائق من تجاوز مستوى السيطرة.
عن TRT عربي