علاء غيلان *
تعتمد الدول العربية في تحقيق أمنها الغذائي على كل من قطاعاتها الزراعية والقطاعات الزراعية في العديد من دول العالم التي تسهم بشكل كبير في توفير احتياجاتها الغذائية. ووفقاً لتقارير عربية وعالمية رسمية فإن الدول العربية تعتمد على الاستيراد لتوفير أكثر من نصف احتياجاتها من المواد الغذائية ناهيك عن كونها أكبر مستورد للقمح في العالم حيث تشكل نسبة استيراد الدول العربية من القمح ما نسبته 25% من صادرات القمح العالمية. وتأتي أغلب واردات العرب من المواد الغذائية من كل من البرازيل وروسيا وأوكرانيا، والاتحاد الاوروبي، والهند، وأمريكا.
في المقابل، فإن الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة العربية تقدر بأكثر من 200 مليون هكتار. وفقاً للكتاب السنوي للإحصاءات الزراعية العربية الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة للجامعة العربية، فإن المساحة المزروعة في البلدان العربية تُقدّر بأكثر من 65 مليون هكتار خلال عامي 2018 و 2020 أي ما يعادل أكثر من 33% من الأراضي الصالحة للزراعة.
ويشير تقرير صادر عن صندوق النقد العربي أن حوالي 4.8% من الناتج المحلي للدول العربية عام 2019 يعتمد على الزراعة.
تهديدات محدقة
يواجه العالم على وجه العموم والدول العربية على وجه الخصوص مخاطر حقيقية تهدد الأمن الغذائي بسبب الاحتباس الحراري وما نجم عنه من تغيرات مناخية أثرت وتؤثر على الإنتاج الزراعي والذي قد يفاقم من مشكلة الأمن الغذائي التي ألقت بظلالها على عدة بلدان عربية.
كما هو معلوم، فإن الاحتباس الحراري يؤدي إلى تغير في المناخ الذي يفاقم بدوره مشكلة نقص المياه وزيادة مظاهر الجفاف المتعلقة بالزراعة وانخفاض المحاصيل ومساحة الأراضي الصالحة للزراعة وصولا ً إلى ارتفاع مستويات سوء التغذية والجوع وخاصة في البلدان التي يعاني أهلها من نقاط ضعف متعلقة بزراعة المحاصيل والحصول على غذاء كاف.
وفي ظل افتقار البلدان العربية إلى ميزة الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية المحلية مع امتلاك مساحة مزروعة لا تمثل سوى 4.6% من المساحة الجغرافية الكلية لهذه البلدان، لنا أن نتخيل حجم الكارثة التي ستلقي بظلالها على الأمن الغذائي العربي جراء الاحتباس الحراري وما يصاحبه من تغير في المناخ سيؤثر سلباً على مستوى المحاصيل، وتوافر المياه ومساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
و مع اعتماد البلدان العربية على الاستيراد بنسبة تفوق ال 50% لتأمين احتياجاتها الغذائية، يتضاعف خطر تعرض الأمن الغذائي العربي لتهديدات حقيقية أو على الأقل مشاكل مقلقة تتسع رقعتها لتصيب بلدان عربية هي في منأى عنها لا سمح الله، إذ قد تضطر الدول التي تزود البلدان العربية بأكثر من نصف احتياجاتها الغذائية إلى حظر تصدير منتجاتها الغذائية لتأمين احتياجاتها المحلية بسبب الانعكاسات السلبية للاحتباس الحراري على محاصيلها الزراعية والتي يبدو ألا أحد سينجو من وطأتها بنسب متفاوتة حيث و أنه في الوقت الذي سيتمثل خطر الاحتباس الحراري في تدهور الصادرات الزراعية للبلدان المصدرة للغذاء سيمتد خطر هذا الكابوس ليطال الأمن الغذائي العربي.
مقارنة
ويرى محلّلون أن السيناريو – الذي حدث حين اتخذ طرفا الأزمة الأوكرانية-الروسية ولا سيما روسيا قرارات أفضت إلى حظر تصدير الحبوب لتأمين حاجاتها المحلية بالإضافة إلى القرار المشابه الذي اتخذته الهند حيث قامت بحظر تصدير الأرز بسبب القلق من تقلص الإمدادات والتضخم – سيتكرر في مستقبل ربما ليس ببعيد بسبب تداعيات الاحتباس الحراري على الزراعة. ويؤكد المحلّلون أن دولا ً عدة تلعب دوراً مهما ً في تزويد أجزاء مختلفة من العالم – بما فيها البلدان العربية – بنسب كبيرة من احتياجاتها الغذائية قد تقوم بفرض قيود على صادراتها الغذائية بشكل متتابع تصل إلى حظر صادراتها الغذائية وهذا يعني تفاقم مشكلة الأمن الغذائي في الوطن العربي واتساع رقعته على امتداد أقطاره المختلفة.
شواهد ماثلة
وهناك شواهد بدأت تطفو على السطح تؤكد إجراءات وشيكة قد تتخذها الدول المصدرة للمحاصيل الزراعية – في ما يتعلق بحظر تصدير منتجاتها أو فرض قيود على هذه الصادرات بسبب التداعيات المقلقة للاحتباس الحراري وتأثيره السلبي على المحاصيل الزراعية والزراعة بشكل عام – باعتبارها خيار استراتيجي لا بد منه، وخير دليل على هكذا اجراءات هي ما أقدمت عليه الهند في شهر مايو من عام 2022 حيث قامت بفرض قيود على صادراتها من القمح والسكر نتيجة هاجس أثار فيها مخاوفاً من احتمالية تعرض إنتاجها لموجات حارقة على مستوى البلاد، ولهذا الهاجس ما يبرره إذ تعرّضت الهند لارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة خلال شهري مارس وأبريل من نفس العام منذ أكثر من مائة عام.
وأثارت هذه القرارات حفيظة دول مجموعة السبع حيث أثار مخاوفها من تفاقم أزمة ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ولا تعدّ الهند الدولة الوحيدة التي أجبرها الاحتباس الحراري على اتخاذ هكذا إجراءات، فدول أوروبية هي الأخرى قامت بحظر تصدير أصناف مهمة من الخضروات والفواكه كالبطاطس والطماطم والجزر والبصل والتفاح بسبب الجفاف الذي أحدثه الاحتباس الحراري.
وتؤكد وزارة الزراعة الأمريكية أن إنتاج الأرجنتين من الذرة – وهي تُعدّ ثاني أكبر دولة مصدّرة للذرة بعد الولايات المتحدة الأمريكية – سينخفض الى أدنى مستوى في خمس سنوات بسبب أسوأ موجة جفاف تواجهها البلاد منذ 60 عاماً. ووفقاً للبيان الأمريكي الصادر مؤخراً، فمن المتوقع أن ينخفض إنتاج الأرجنتين من الذرة بحوالي 4 مليارات طن من إنتاجها السنوي، وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض واردات دولة المغرب من الذرة الأرجنتينية خلال عام 2023 بمقدار 200 ألف طن مقارنة بواردات عام 2021.
تكامل زراعي
يرى مختصون أنه وإلى جانب حزمة من الإجراءات التي يترتب على الدول العربية القيام بها أو تسريع وتعزيز وتيرة المضي بها كزيادة المساحة المزروعة في الوطن العربي، وتحلية المياه، وزيادة الاعتماد على الطاقة الخضراء، وترشيد الاستهلاك الزراعي، ودعم المزارعين، فإن محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي العربي من الاحتياجات الغذائية من خلال التكامل الزراعي العربي تُعدّ خطوة مهمة للغاية باتجاه حل تزايد مشكلة الغذاء في الوطن العربي في ظل ازدياد تهديدات الاحتباس الحراري على القطاع الزراعي العالمي على وجه العموم والعربي على وجه الخصوص، بالإضافة إلى كونه إجراء مُلح لتعزيز قدرة الدول العربية على مواجهة انعدام أو تدهور الأمن الغذائي بشكل لا يُحمدُ عقباه.
إعلامي ومترجم – الجمهورية اليمنية