ليندسي فيلدر كوك / بروجيكت سينديكيت
في شهر مارس/آذار، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ما أسمته “التقرير الـمُـجَـمَّـع“، وهو القسم الأخير من تقرير التقييم السادس (AR6). استنادا إلى آلاف من المقالات التي روجعت من قِـبَـل مئات من الزملاء من العلماء من مختلف أنحاء العالَـم، يقدم التقرير مراجعة شاملة للتأثير الناجم عن تغير المناخ وما يجب على العالم أن يفعل للحد من زيادة الحرارة العالمية نتيجة للانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية.
الخبر السار هو أن “الخيارات المجدية الفعّـالة والمنخفضة التكلفة للتخفيف والتكيف متوفرة بالفعل”، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. لكن ضمان “مستقبل ملائم للعيش ومستدام للجميع” يستلزم أيضا تحولا بعيد المدى وإرادة سياسية لاتخاذ تدابير جريئة.
الواقع أن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لا يقدر بثمن. من خلال جلب الـعِـلم إلى مفاوضات المناخ التي كانت لتهيمن عليها خلافا لذلك اعتبارات سياسية واقتصادية، تنير لنا التقارير الطريق وتعمل على تعزيز الـمُـساءلة. يتضمن كل تقرير، والذي يزيد عدد صفحاته عن الألف غالبا، ملخصا أقصر لصانعي السياسات يجب أن توافق عليه البلدان الأعضاء رسميا. تمكن هذه العملية ممثلي الحكومات والمراقبين من التعليق على المسودات الواردة في حين تسمح للعلماء برفض الاقتراحات التي تتحدى نزاهة أبحاثهم. ولكن أثناء عملية الموافقة، يصبح من الممكن تقوية أو تخفيف حِـدّة الـجُـمَـل، أو حتى إزالتها من المسودة النهائية.
يحذر التقرير الأخير من أن أحداث الطقس المتطرفة أصبحت أكثر تواترا وشِـدّة مما كان متوقعا في السابق، في حين كان العمل العالمي أبطأ كثيرا من المتوقع. إن كل جزء من الدرجة مهم، ووفقا لمعدل الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي الحالي، يندفع العالَـم نحو زيادة الحرارة بنحو 3.5 درجة مئوية بحلول عام 2100 ــ وسوف تكون العواقب وخيمة على البشرية وكوكب الأرض.
لو لم نتخذ تدابير عاجلة لخفض الانبعاثات الغازية الحالية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي إلى النصف بحلول عام 2030، فسوف تصل الزيادة في درجات الحرارة الناجمة عن الانحباس الحراري الكوكبي “في الأرجح” إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي في غضون العقد التالي، كما يحذر التقرير. لكن إذا تحرك صناع السياسات على الفور، فقد يكون بوسعهم منع ذوبان الصفائح الجليدية، وذوبان الجليد الدائم، ومنع انهيار الأنظمة البيئية، وبالتالي إنقاذ عدد لا يُـحصى من الأرواح.
لتغيير المسار، يتعين علينا أن نعالج السبب الجذري وراء تغير المناخ: “الاستخدام غير المستدام للطاقة، واستخدام الأراضي وتغير طريقة استخدام الأراضي، وأنماط الحياة والأنماط الاستهلاكية والإنتاج عبر المناطق، بين البلدان وداخلها، وبين الأفراد”. بوسع الحكومات أن تختار العديد من الخطوات العملية الفعّـالة من حيث التكلفة لخفض الانبعاثات. الأكثر وعدا بينها هي تلك التي تدمج الأساليب القائمة على الحقوق والتي تجسد المشاركة العامة الحقيقية في صنع القرار، والمساواة بين الجنسين، وحماية التنوع البيولوجي، وحقوق الإنسان، وحقوق الشعوب الأصلية. وقد خلص تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن السياسات التي تعزز المساواة، والإنصاف، والعدالة المناخية “تقود إلى نتائج أكثر استدامة” و”تقلل من المقايضات، وتدعم التغيير التحويلي، وتعزز التنمية القادرة على التكيف مع تغير المناخ”. ببساطة، تحظى السياسات المناخية الأكثر إنصافا بقدر أعظم من الدعم، وهي بالتالي أكثر فعالية.
تتمثل الطريقة الأكثر فعالية للحد من الانبعاثات في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والتحول السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. لكن التقرير يحدد أيضا تدابير مهمة على مستوى الاقتصاد بالكامل وعلى جانب الطلب، مثل أساليب “الكفاية”، وتدفقات المواد الدائرية، وكفاءة الطاقة، والاستهلاك والإنتاج المستدامين، والنقل العام على نطاق واسع، والممارسات الزراعية التي ترتكز على “أساليب الإدارة المستدامة للأراضي”.
ومن الممكن أن تساعد في خفض الانبعاثات أيضا التغيرات السلوكية، مثل تبني “أنظمة غذائية صحية مستدامة”، وتقليل استخدام الأجهزة المنزلية الكهربائية، والتخلي عن السيارات الخاصة لصالح المشي وركوب الدراجات. كما يلاحظ تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن أعلى 10% من الأسر التي تنتج أعلى انبعاثات للفرد تمثل 34% إلى 45% من الانبعاثات المنزلية القائمة على الاستهلاك على مستوى العالم، في حين يساهم المنتمون إلى أقل 50% بين الأسر بنحو 23% إلى 15% فقط.
من الغريب أنه على الرغم من الفوائد البيئية الموثقة المترتبة على تقليل استهلاك اللحوم لصالح أنظمة غذائية أكثر صحية، فإن الملخص والتقرير الكامل لا يشيران من قريب أو بعيد إلى اللحوم أو منتجات الألبان وينبذان عبارة “نباتي” إلى الهامش.
على نحو مماثل، أسقط التقرير جملة مفعمة بالأمل والثقة تتعلق بالسياسات العاجلة، والسريعة، والعملية، والمنصفة في الأمد القريب لمعالجة تغير المناخ وتحسين رفاهة البشر، وجميعها سياسات متاحة بالفعل للتطبيق على نطاق واسع. تسبب هذا في احتجاج عدد كبير من المراقبين ومجموعة من الدول الساعية إلى احترام نتائج الأبحاث العلمية. ولكن بعد ساعات من المناقشة، ظلت الجملة مستبعدة؛ وبدت كلمات مثل “عاجل” و”سريع” و”متاح للتطبيق على نطاق واسع” أكثر حساسية من أن تحظى بالموافقة الشاملة، مما يسلط الضوء على التوتر بين العِـلم والإرادة السياسية.
تجلى هذا التوتر بوضوح في الجلسات الثلاث التي سبقت الموافقة على تقرير التقييم السادس. أعربت البلدان النامية عن غضبها من الدول المتقدمة لامتناعها عن بذل القدر الكافي من الجهد، على الرغم من مسؤوليتها التاريخية عن تغير المناخ ــ وعلى الرغم من وعودها بتوفير التمويل ونقل التكنولوجيا لتسهيل جهود التكيف. في الوقت ذاته، جرى إضعاف اللغة التي تشير إلى تقليل الوقود الأحفوري، وكفاءة تكلفة الطاقة المتجددة، والملكية العادلة للطاقة المتجددة، بما يعكس التحيز من قِـبِـل أولئك الساعين إلى الحفاظ على استخراج الوقود الأحفوري.
نتيجة لقصور الإرادة السياسية العالمية، يؤكد الملخص على مصطلح الـصِـفر الصافي على حساب الحاجة إلى خفض سريع وحقيقي للانبعاثات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. قد يدفع هذا صناع السياسات الأقل دراية إلى استنتاج مفاده أننا يمكننا الاكتفاء بزراعة الأشجار بطريقة سحرية والاستمرار على حالنا التي كنا عليها حتى الآن. علاوة على ذلك، حظيت حلول الهندسة المناخية مثل إزالة ثاني أكسيد الكربون واحتجاز الكربون وتخزينه بمساحة أكبر من تلك التي أعطيت لمصادر الطاقة المتجددة، على الرغم من الأبحاث التي تُـظـهِـر أن نشر هذه التكنولوجيات ينطوي على مخاطر بيئية هائلة. بالإضافة إلى هذا، مقارنة بالتحول السريع إلى الطاقة المتجددة، تعمل تكنولوجيا احتجاز وتخزين الكربون على الإبقاء على الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهي أكثر تكلفة، وغير متوفرة على نطاق واسع، وأقل فعالية في تقليل الانبعاثات. ورغم أن الملخص يذكر بعض هذه المخاطر، فإنه يدفنها في الحاشية.
تظل تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تشكل موردا لا غنى عنه لإعلام الناس حول التأثير المترتب على تغير المناخ. لكن القراء الذين يسعون إلى الحصول على تقييم واضح للجهود الحالية المبذولة للحد من الانبعاثات الغازية والتأكد من قدرتنا على الحد من زيادة درجات الحرارة العالمية نتيجة للانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، ينبغي لهم تخطي الملخص وقراءة التقرير الكامل بدلا من ذلك.
المصدر: بروجيكت سينديكيت