باربرا أونموسيغ
كانت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) شديدة القسوة في الكشف عن أوجه القصور التي تعيب النظام الغذائي العالمي، والآن تلوح في الأفق أزمة جوع هائلة ومتنامية. يفتقر ربع البشر إلى القدرة على الوصول الآمن إلى الغذاء، ويتأثر واحد من كل عشرة أشخاص بانعدام الأمن الغذائي الشديد، في حين يجوع ما يصل إلى 811 مليون شخص. ويعاني ربع آخر من سكان العالَـم من أشكال متعددة من سوء التغذية، بما في ذلك السمنة، مما يخلف تأثيرات سلبية هائلة على الصحة.
كل من الاتجاهين آخذ في الارتفاع، وكل منهما يرتبط بشكل مباشر بالظلم والفقر. وبصرف النظر عن كم الغذاء الذي ينتجه العالم، فإن الفشل في معالجة اختلال توازن القوى في النظام الغذائي العالمي يعني استمرار الجوع وانفجار الأمراض المرتبطة بالغذاء.
يأمل كثيرون أن يكون مؤتمر قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية في سبتمبر/أيلول حافزا لإحداث تغيير حقيقي. لكن هذا التجمع من المرجح أن يضفي الشرعية على النموذج الحالي غير المنصف للإنتاج الصناعي للغذاء ويرسخه.
هذا نبأ سيئ للجياع في العالم، ومعظمهم ــ 418 مليونا ــ يعيشون في آسيا. ويعيش أكثر من 282 مليون جائع في أفريقيا، حيث يؤثر الجوع المزمن على واحد من كل خمسة أشخاص ويتزايد انتشاره هناك بوتيرة أسرع من أي منطقة أخرى.
الجوع في المقام الأول مشكلة ترتبط بالوصول إلى الغذاء. لا يتضور الناس جوعا بسبب نقص الغذاء في العالم، بل لأنهم فقراء. ولولا الظلم والتفاوت بين الناس، فإن إنتاج القمح العالمي القياسي في الفترة 2020-2021 كاف من الناحية النظرية لإطعام ما يصل إلى 14 مليار إنسان. لكن المنتجات الزراعية تذهب إلى أولئك الذين يملكون القدرة الأكبر على الدفع ــ بما في ذلك في صناعة الأعلاف وقطاع الطاقة المتجددة ــ وليس الأشخاص الأكثر ضَـعفا. أي أن قوى السوق تتفوق على السيادة الغذائية.
أفضى الصراع العنيف، وأحداث الطقس الشديدة القسوة بسبب تغير المناخ، وخسارة التنوع البيولوجي، والاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن عمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة كوفيد-19 إلى تفاقم سوء أحوال المستضعفين من الناس. وتصبح المياه المتاحة لصغار المزارعين متزايدة الندرة عندما يستخدمها كبار المستثمرين في مشاريع الري المكثفة.
كل هذه الأزمات تحد من قدرة الناس الأكثر فقرا على شراء الغذاء أو إنتاج القدر الكافي لتحقيق الاكتفاء الذاتي. نتيجة لهذا، عانى 155 مليون شخص في 55 دولة من الجوع الشديد في عام 2020، بزيادة قدرها 20 مليونا عن عام 2019.
منذ الثورة الخضراء في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، سمعنا على نحو مستمر أن زيادة الإنتاجية الزراعية هي المفتاح إلى مكافحة الجوع وإطعام سكان العالم. واليوم، تعمل شركات عالمية مثل Corteva (الوحدة الزراعية لشركة DowDuPont سابقا)، وباير/مونسانتو، وChemChina/Syngenta على تعزيز الإنتاجية من خلال استخدام مبيدات الآفات الكيميائية، والأسمدة الاصطناعية، والبذور لهجين المعدلة وراثيا أو المزروعة تجاريا التي لا يمكن إعادة إنتاجها. لكن مثل هذه الزراعة الكثيفة الاستهلاك لرأس المال من غير الممكن أن تخدم أولئك الذين يفتقرون إلى أساسيات إنتاج الغذاء الآمن: الأرض، والمياه، وأنظمة المعرفة ذات الجذور الإقليمية.
في الوقت ذاته، يعاني ما يقرب من ملياري شخص على مستوى العالم من زيادة الوزن أو السمنة. وتُـعَـد المكسيك، حيث يعاني نحو 73% من السكان من زيادة الوزن، حالة مقلقة بشكل خاص. وإذا استمرت العادات الغذائية الحالية، فقد يعاني 45% من سكان العالم من زيادة الوزن بحلول عام 2050. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انفجار تكاليف الرعاية الصحية، حيث من المتوقع أن تتجاوز التكاليف الصحية المرتبطة بالنظام الغذائي والتي تتصل بالوفيات والأمراض غير المعدية 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030.
مرة أخرى، تعمل المصالح الاقتصادية القوية على تغذية هذا الاتجاه. تستفيد صناعة الأغذية والمشروبات بشكل كبير من بيع أطعمة مصنعة غير صحية ومشروبات سكرية. فالدهون، والسكر، والكربوهيدرات الممزوجة بالكثير من الملح هي أرخص السعرات الحرارية. في عام 2019، حققت أكبر خمس شركات للأغذية والمشروبات في العالم ــ نسله، وبيبسيكو، وAnheuser-Busch InBev، وJBS، وTyson Foods ــ أرباحا مجمعة بلغت 262.7 مليار دولار.
الأنظمة الغذائية الصحية أكثر تكلفة من غيرها بكثير، لذا فإن السمنة غالبا ما تكون نتيجة لانخفاض القوة الشرائية بين السكان الأكثر فقرا. تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن النظام الغذائي الذي يحتوي على سعرات حرارية كافية يكلف 0.79 من الدولار يوميا في عام 2017، في حين يكلف النظام الغذائي الذي يحتوي على تغذية كافية 2.33 دولارا في اليوم، ويكلف النظام الغذائي الصحي 3.75 دولارا في اليوم ــ مما يجعله في غير متناول أكثر من ثلاثة مليارات شخص.
اقترح العلماء في مختلف أنحاء العالم أنظمة غذائية للمستقبل تحمي صحة البشر والبيئة. على سبيل المثال، أثبتت لجنة EAT-Lancet Commission أنه من الممكن توفير نظام غذائي صحي لعشرة مليارات شخص بحلول عام 2050 دون تدمير الكوكب. وتنصح اللجنة بمضاعفة استهلاك الفاكهة والخضراوات والمكسرات والبقول، وتقليل استهلاك اللحوم الحمراء والسكر بأكثر من 50%.
ما ينقصنا هو القادة السياسيون الذين يدركون مدى إلحاح أزمة النظام الغذائي ويشرعون في إدخال التحولات الضرورية. في القيام بذلك، ينبغي لهم التصدي للمصالح الاقتصادية القوية والتركيز على احتياجات الأكثر ضعفا.
تسببت الجائحة في التعجيل بتزايد الطلب على نموذج أكثر مرونة وتنوعا للزراعة والإنتاج الغذائي. ومن الممكن أن تساعد المبادرات الشعبية القائمة على قرارات مجتمعية وأفكار مفتوحة المصدر في تطوير أنظمة غذائية محلية متحررة من سيطرة الشركات، مثل المطابخ المجتمعية، ومراكز التغذية، ومبادرات الزراعة الحضرية. الواقع أن نحو 300 مزرعة حضرية أثرت على الاختيارات الغذائية في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا في عام 2020.
من المؤسف أن قمة الأمم المتحدة المقبلة للأنظمة الغذائية تبدو عازمة على ترسيخ الوضع الراهن. فلا تفسح أجندتها مجالا يُـذكَر للقضايا البنيوية الحاسمة التي تمتد جذورها إلى اختلالات موازين القوى والاقتصاد السياسي. وربما تسعى جماعات الضغط في مجال الزراعة الصناعية إلى تمييع مناقشة الموضوعات العلمية المهمة المدرجة على الأجندة، بما في ذلك القدرة على الوصول إلى البذور المكيفة محليا، والعواقب المترتبة على استخدام مبيدات الآفات الشديدة الخطورة، وتنظيم الأراضي والمياه.
الحق أننا في احتياج إلى قمة شعبية للأنظمة الغذائية تهدف إلى القضاء على الجوع وسوء التغذية، وحماية الأنظمة البيئية، وتزويد صغار المزارعين بسبل العيش اللائقة. ينبغي لأولئك الأكثر تضررا بالعواقب السلبية المترتبة على أنظمتنا الغذائية الحالية أن يلعبوا دورا حيويا في مناقشة الكيفية التي يمكن من خلالها تحويل هذه الأنظمة.
باربرا أونموسيغ -رئيسة مؤسسة هينرش بل
المصدر: بروجيكت سنديكيت