د. هيثم باحيدرة – الاقتصادية
سيكون مشروع نيوم في المملكة بحلول عام 2025 جاهزا لإنتاج الهيدروجين ومن ثم تخزينه وتصديره إلى الأسواق العالمية ليستخدم كوقود حيوي يغذي أنظمة النقل والمواصلات. وقد بدأت التطورات الجديدة عالميا في تحويل تقنيات خلايا الوقود وتخزين الهيدروجين إلى تطبيقات معقولة التكلفة إلى حد ما، لكن ما زال التوسع في نشر هذه التطبيقات أمرا ينتظر أن يستغرق وقتا أطول.
ومن بين تطبيقات الهيدروجين التي أثارت إعجاب الخبراء إمكانية استخدامه لتخزين الطاقة المتجددة، التي لو لم يتم تخزينها فستذهب هباء. إن السبب الحقيقي وراء ظهور الهيدروجين بقوة على الساحة الآن هو الحقيقة البسيطة المتمثلة في توافر كمية كبيرة من الطاقة المتجددة على الشبكة الكهربائية في أماكن مختلفة بصورة لم تكن موجودة منذ 15 عاما، لكن رغم توافر كل هذه الطاقة المتجددة على الشبكة فإن هذه الطاقة المتجددة تتعرض لانقطاعات متكررة، ما يشير إلى الحاجة الملحة إلى تخزين هذه الطاقة. ومن ثم فإن السبب الحقيقي للتركيز على الهيدروجين الآن هو إدراك الباحثين أن الهيدروجين يعد الوسيلة المثالية لتخزين الطاقة المتجددة لفترات طويلة من الزمن.
تعمل شركة ميتسوبيشي للطاقة جنبا إلى جنب مع شركة تخزين الطاقة ماجنوم للتطوير على مشروع في ولاية يوتا يستهدف بناء منشأة تخزين سعة 1000 ميجاواط من الطاقة النظيفة، عن طريق الاعتماد جزئيا على كهوف الهيدروجين والملح. وهذا المشروع الذي من المقرر أن يبدأ تشغيله بحلول عام 2025، سيكون أكبر نظام تخزين متقدم للطاقة النظيفة في العالم، حيث ينطوي على بناء نظام تحليل كهربائي كبير جدا وقادر على تحويل الطاقة المتجددة إلى هيدروجين، وبعد ذلك يتم تخزين هذا الهيدروجين في كهوف الملح لفترات طويلة من الوقت، حيث يمكن استخدامه عندما تكون الشبكة بحاجة إلى الكهرباء بدلا من تزويد الشبكة بالكهرباء فورا وقت إنتاجها.
وسيتم استغلال هذا الهيدروجين المخزن في مناجم الملح بواسطة محطة توليد الطاقة المجاورة للمشروع، وهي محطة تقع في مدينة دلتا في ولاية يوتا وتعد آخر محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم ويذهب إنتاجها من الكهرباء إلى ولاية كاليفورنيا، ومن المقرر غلق هذه المحطة نهائيا عام 2025. وقد اختارت الشركة المشغلة لهذه المحطة التحول إلى توليد الكهرباء باستخدام توربينات الغاز، لكنها طلبت تصنيع أول توربينات غاز للخدمة الشاقة يمكنها إنتاج الكهرباء باستخدام مزيج من الغاز الطبيعي والهيدروجين. ومن المقرر في البداية أن تستخدم توربينات الغاز مزيجا بنسبة 30 في المائة هيدروجينا و70 في المائة غازا طبيعيا، على أن يكون الهدف النهائي هو استخدام 100 في المائة هيدروجين أخضر بحلول عام 2045. وستسمح المرحلة الأولى من المشروع بتخزين 150000 ميجاواط/ ساعة من الطاقة، وهو ما يكفي لتشغيل 30 محطة توليد كهرباء سعة 840 ميجاواط، أي: ما يكفي لتوفير سبع احتياجات الذروة لمدينة لوس أنجلوس.
حاليا تقوم شركات الطاقة مثل “نكست” و”تسلا” بتخزين الطاقة المتجددة الزائدة في البطاريات، لكن هذه الطريقة تنطوي على عيب كبير لأنها تصلح لتخزين الكهرباء لفترة قصيرة فقط حتى تظل طريقة تخزين منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة، لكن عند التخطيط لتخزين الكهرباء لفترة طويلة من الوقت، فإن التخزين في البطاريات يصبح باهظ التكلفة لأنه يستدعي بناء مزيد ومزيد من البطاريات، بينما باستخدام الهيدروجين يمكن تخزين هذه الكهرباء تحت الأرض في كهوف الملح الكبيرة لفترات طويلة بتكلفة منخفضة للغاية.
الهيدروجين متعدد الاستعمالات، ما يعني أن لديه القدرة على الدخول في عديد من المجالات الاقتصادية من إنتاج الطاقة وتخزينها إلى النقل والصناعات. وفي الواقع يعتقد المحللون أن بحلول عام 2050 يمكن أن ينتج الهيدروجين النظيف ما يقدر بنحو 22 في المائة من احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة مقارنة بـ 4 في المائة فقط اليوم. لكن هذا الأمر يتطلب توليد مزيد من الكهرباء المتجددة وبكميات هائلة. وتقدر إحدى الدراسات أن توليد ما يكفي من الهيدروجين الأخضر لتلبية ربع احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة سيتطلب استخدام كهرباء أكثر مما يولده العالم اليوم من جميع المصادر مجتمعة، واستثمار 11 تريليون دولار في البنى التحتية للتخزين والإنتاج والنقل.
ورغم ذلك لا يزال المحللون يقولون، إن القيام بذلك يمثل التحرك في الاتجاه الصحيح، حيث يشهد العالم انخفاضا كبيرا في تكلفة إنتاج الهيدروجين لسببين: انخفاض أسعار أجهزة التحليل الكهربائي بمقدار 50 في المائة خلال الخمسة أعوام الماضية، وانخفاض تكاليف الطاقة المتجددة أيضا بنسبة تراوح بين 50 و60 في المائة بالفعل. ويعتقد المحللون أن كلا هذين العنصرين سينخفضان بنسبة 60 إلى 70 في المائة مرة أخرى قبل نهاية العقد الحالي. ويرون أنه عندما يتم إنتاج خلايا الوقود المناسبة لتشغيل الشاحنات والتطبيقات الأخرى ستنخفض التكاليف وستظهر تطبيقات أخرى ناشئة، وكل ذلك يترجم إلى اقتصاد، لذا فإن الهدف الحقيقي هو خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر حتى يبدأ في إزاحة بعض أنواع الوقود الأحفوري.
ويرى عديد من الخبراء أن هذه التطورات لا يمكن أن تتحقق دون سياسات حكومية مساندة واستثمارات واعدة. وإلى حد ما تدخل بعض الحكومات بالفعل للمساعدة في هذه الجهود الخضراء. ومن المفترض أن يشكل الهيدروجين خلال 50 عاما جزءا لا يتجزأ من حياتنا، وإذا كنا جادين في مساعي إزالة الكربون فلا خيار لنا سوى استخدام الهيدروجين على نطاق واسع.
المصدر: الاقتصادية