زاهر هاشم
يشكّل اليوم العالمي لحماية طبقة الأوزون مناسبة سنوية للوقوف على التقدم الذي أنجزته دول العالم في حماية كوكب الأرض، والجهود العالمية في هذا المجال والتي أسهمت في الحفاظ على صحة الإنسان، وحماية التنوع الأحيائي والنظم البيئية، والتصدي لظاهرة تغير المناخ.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1994 يوم السادس عشر من سبتمبر/أيلول من كل عام يوماً دولياً للحفاظ على طبقة الأوزون وذلك احتفالاً بتاريخ التوقيع على بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون في عام 1987.
وينظّم بروتوكول مونتريال الملحق باتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون (1985) إنتاج واستهلاك أكثر من 100 مادة كيميائية تستخدم في الصناعات المختلفة، والتي تؤدي إلى تفكيك طبقة الأوزون واستنفاذها.
ورغم أنه يشكل جزءاً صغيراً من الهواء المحيط، إلا أن لغاز الأوزون أهمية كبرى في الطبيعة، حيث يعتبر الأوزون درعاً هشاً من الغاز يحد من وصول أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة، والتي قد يؤدي التعرض لها إلى الإصابة بإعتام عدسة العين والإصابة بسرطان الجلد وأمراض جلدية أخرى، كما تهدد بإتلاف النباتات والمحاصيل الزراعية، وإلحاق الضرر بالحيوانات والنظم البيئية المختلفة على كوكب الأرض.
ويقع معظم الأوزون في الغلاف الجوي على ارتفاع يتراوح بين 10 إلى 40 كم فوق سطح الأرض ضمن طبقة الستراتوسفير، وتحتوي هذه الطبقة على حوالي 90٪ من جميع الأوزون الموجود في الغلاف الجوي.
وكان عالم الكيمياء الأمريكي فرانك شيرود رولاند (1927-2012) أول من حذر في منتصف سبعينيات القرن الماضي، من تآكل طبقة الأوزون، بسبب التلوث الناجم عن بعض المواد الكيميائية من صنع البشر، وأصبحت هذه المخاوف واقعاً في مايو/ أيار 1985 مع اكتشاف ظاهرة استنفاذ طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، والتي سميت ثقب الأوزون، وعلى الرغم من أن أبحاث شيرود لم تلق الاهتمام الكافي في البداية، إلا أنها قادته بعد نحو 20 عاماً للحصول على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1995 مع علماء آخرين.
وعادة ما تحدث عمليات تكّون وتفكك الأوزون في الغلاف الجوي بشكل مستمر ومتوازن في حال عدم وجود الملوثات، إلا أن الملوثات الكيميائية التي ترتفع إلى طبقة الستراتوسفير تؤدي إلى زيادة تفكك غاز الأوزون وزيادة اتساع ثقب الأوزون، ما يسمح بتمرير كمية كبيرة من أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة.
من أهم هذه الملوثات المستنفذة للأوزون مركبات الكربون الفلورية ومركبات الكربون الهيدروكلورية فلورية، وهي مواد كانت تستخدم بشكل واسع في قطاعات التبريد والتكييف، وصناعة الطلاء والمذيبات والمواد اللاصقة، ومنتجات إطفاء الحرائق، والمبيدات الزراعية، وبعض المستحضرات الصيدلانية.
تعافي طبقة الأوزون:
يكتسب بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون أهمية كبيرة في حياتنا، حيث قدرت دراسة أجراها علماء في المملكة المتحدة وهولندا وألمانيا واليونان، أن بروتوكول مونتريال منع مليوني حالة من حالات سرطان الجلد كل عام.
وبموجب هذا البروتوكول فقد تخلصت الدول الأطراف في البروتوكول من 98 ٪ من المواد المستنفدة للأوزون عالمياً مقارنة بمستويات عام 1990. ونظراً لأن معظم هذه المواد عبارة عن غازات دفيئة قوية، فإن بروتوكول مونتريال يساهم أيضاً بشكل كبير في حماية نظام المناخ العالمي، حيث تشير التقديرات إلى أن تدابير الرقابة المنصوص عليها في المعاهدة قد خفضت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بما يعادل 135 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل 11 جيجا طن سنوياً.
ومع التنفيذ الكامل والمستدام لبروتوكول مونتريال، والتخلص التدريجي من المواد المستنفذة للأوزون، ستتمكن طبقة الأوزون من إصلاح نفسها، حيث تعافت أجزاء منها بمعدل 1-3 % لكل عقد منذ عام 2000، ولولا حظر المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية كان سيزيد بنسبة 40 % حتى الآن.
ومن المتوقع وفقاً للأمم المتحدة، أن يلتئم ثقب الأوزون تماماً في نصف الكرة الشمالي وفي خط العرض المتوسط بحلول عام 2030 فيما تتعافى طبقة الأوزون بشكل كامل فوق المنطقة القطبية الجنوبية منتصف القرن الحالي.
لقد شكلت اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال للحد من المواد المستنفذة للأوزون، خطوة هامة في تاريخ البشرية، مثلها الإجماع العالمي على تصديق الاتفاقية، لتصبح أول معاهدة في تاريخ الأمم المتحدة يتم التصديق عليها من جميع دول العالم.
مجلة أخبار البيئة