في حقبة الستينيات من القرن الماضي، كان يسود اعتقاد أن الإعلان عن سلعة ما، هو بمثابة إقرار علمي بجدواها وأهميتها وضرورتها، وأنها تمثل “حاجة” في مسار مواكبة الثورة الصناعية وما استتبعها من معايير مجتمعية فرضت أنماطا معينة من الاستهلاك، لكن، دون قيود ومحددات واضحة حيال التأثير الصحي والبيئي لكثير من المنتجات، ولا سيما منها المعلبات والأغذية المصنعة. وترافق ذلك مع انتشار الإعلام المرئي (التلفاز) منذ العام 1962 في لبنان، وقبلها في بلدان عدة، ما ساهم في تهديم منظومة العادات التي كانت سائدة.
لقد وظفت الأنظمة الرأسمالية أساليب الإعلان والدعاية والترويج، لكسب وجني أرباح ساهمت في ظهور كارتيلات المال والاقتصاد والشركات المتعددة الجنسيات، ما مكن الدول الصناعية من السيطرة على موارد الأرض واستنزافها، ومن ثم التحكم بالسياسات العالمية، والسيطرة على الدول الفقيرة المالكة لثروات دفينة، وسلبها استقلالها واستلاب شعوبها، خصوصا وأنه مع تطور اقتصاد السوق، وصل الأمر إلى حد تكريس مفاهيم متفلتة من كل القيم الأخلاقية والإنسانية، ومثال على ذلك، تحويل الإعلام أداة قادرة على تغيير سلوكياتنا، وصولا إلى إقناعنا بضرورة شراء سلعة لا حاجة لنا بها!
وإذا ما نظرنا بعُجالة إلى ما آلت إليه أوضاعنا، نجد أن الاقتصاد الرأسمالي، أو الاقتصاد الحر، القائم على عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه، بات يمثل مجموع المعاناة التي نواجهها اليوم، وهذا الإقتصاد القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية، تمكن في مراحل كثيرة من إبعاد الدولة المركزية عن دورها في تنظيم الحياة الاقتصادية.
في الجانب الآخر، عجزت وفشلت الليبرالية الاجتماعية، أو الاشتراكية، والتي تؤيد تدخل الدولة في الاقتصاد وتعتمد نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، من تقديم نموذج يحترم حرية الفرد، في حدود لا تلغي إبداعه، بمعنى تحقيق المواءمة بين الحرية والمساواة وحاجات المجتمع. لكن ما هو أخطر يتمثل الآن في أن نمط الإنتاج الرأسمالي ساهم وما يزال في تدمير الانسان والطبيعة، ولعل أكثر من نحتاجه اليوم، أنظمة تؤنسن حاجات مجتمعاتها، وبذلك نحمي البيئة، من خلال عقلنة الإنتاج، في مقابل تقنين استهلاكنا بما يساهم في خفض التلوث الناجم عن المصانع، والتقليل من السلع غير الضرورية التي فرضت علينا تحت عنوان الحداثة!
أنور عقل ضو
GreenArea