ما يربط بين المفردات الثلاث: السلام والعدالة والمؤسسات، أنها تنبّه إلى أنّ البيئة التي لا تعرف حدوداً جغرافية، لا تعترف بحدود اللغة والتراكيب اللغوية. وكما جاء في الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة الرامية إلى تحويل العالم إلى مكان أفضل للعيش، أنه مخصص لتشجيع وجود المجتمعات السلمية الشاملة للجميع تحقيقاً للتنمية المستدامة، وتوفير إمكانية اللجوء إلى القضاء أمام الجميع، والقيام على جميع المستويات ببناء مؤسسات فعالة خاضعة للمساءلة.
وقد تأكد خلال “مؤتمر ريو +20” عام 2012، أهمية إدراج الحرية والسلام والأمن واحترام حقوق الإنسان في إطار التنمية الجديد، لأنّ ثمة حاجة إلى المجتمعات التي يسود فيها العدل والديمقراطية بغية إنجاز التنمية المستدامة. فالحدّ من جميع أشكال العنف وما يتصل به من معدلات الوفيات في كلّ مكان، وإنهاء إساءة المعاملة والاستغلال والإتجار بالبشر وجميع أشكال العنف ضد الأطفال وتعذيبهم، إلى جانب تعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي وضمان تكافؤ فرص وصول الجميع إلى العدالة، والحد من الفساد والرشوة، ومن التدفقات غير المشروعة للأموال والأسلحة، بما في ذلك استرداد الأصول المسروقة وإعادتها، ومكافحة جميع أشكال الجريمة المنظمة، وتعزيز القوانين والسياسات غير التمييزية لتحقيق التنمية المستدامة بحلول عام 2030، هي كلّها من المقاصد التي تتطلب إنشاء مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، وتعزيز المؤسسات الوطنية ذات الصلة، وضمان وصول الجمهور إلى المعلومات، وحماية الحريات الأساسية، وفقاً للتشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية.
وكما أنّ صنع السلام البيئي يستند إلى مبدأ اعتمادنا المشترك على الموارد الطبيعية والبيئية والصحية التي تسهّل التعاون بين المجتمعات والأمم، وبالتالي تمكننا من تعزيز عملية صنع السلام في مناطق النزاع، فإنّ العدالة البيئية تتجسد في اتخاذ إجراءات قانونية للحيلولة دون نشوء بؤر للتلوث البيئي في المناطق التي تسكنها الطبقات الفقيرة أو المسحوقة، إلى جانب عدالة توزيع الموارد. فلسفة العدالة البيئية تقوم على حق أفراد المجتمع باختلاف عرقهم أو جنسهم أو دخلهم بالتمتع ببيئة نظيفة وصحية.
أما المفردة الثالثة، وهي المؤسسات، فإنّها القاسم المشترك في كل ما ذُكِر. فلا حوار، ولا ضمان لإنفاذ القوانين من دون مؤسسات قوية. كذلك، فإنّ التخطيط الاقتصادي والاجتماعي والبيئي السليم لا يمكن أن ينجح إلّا من خلال مؤسسات وشراكات متينة.
محمد أحمد الفيلابي – موقع العربي الجديد