تزداد مشاكل المياه في آسيا سوءا يوما بعد يوم. وتعد القارة الأسيوية الأكثر جفافا في العالم بمقدار متوسط نصيب الفرد من الماء، وتواجه الآن جفافا شديدا تعاني منه مناطق شاسعة تمتد من جنوب فيتنام إلى وسط الهند. وقد زاد ذلك من حدة التوترات السياسية، إذ تبين تأثير سياسة بناء السدود في الصين على البيئة وعلى تدفق المياه إلى عشرات الدول المجاورة.
إن الجفاف المستشري اليوم في بعض أجزاء جنوب شرق وجنوب آسيا يعد الأسوأ منذ عقود. ومن بين المناطق الأكثر تضررا منطقة ميكونغ دلتا في فيتنام (عاصمة الأرز في آسيا) والمرتفعات الوسطى. وأيضا 27 من أصل 76 محافظة في التايلاند، وبعض أجزاء كمبوديا، وأكبر مدن ميانمار، يانغون وماندالاي، وبعض مناطق الهند التي تعتبر موطن أكثر من ربع السكان في البلاد.
قد لا تتسبب حالات الجفاف هذه في هدم المباني، لكنها تكبد تكاليف اجتماعية واقتصادية عالية. فالملايين من الآسيويين يواجهون الآن نقصا حادا في موارد المياه، وبعضهم اضطر للانتقال. وقد اضطرت ميانمار وتايلاند وكمبوديا اإلى تقليص مهرجانات المياه التقليدية، رمز العام الجديد لديهم. فقد نقلت المحكمة العليا في بومباي أكبر وأغنى بطولة كريكيت في العالم، والدوري الممتاز الهندي، من ولاية ماهاراشترا. وفي واحدة من مقاطعات ماهاراشترا، حظرت السلطات المحلية مؤقتا تجمع أكثر من خمسة أشخاص حول تخزين المياه ومرافق الإمداد، وذلك خوفا من العنف.
وفي الوقت نفسه، فإن الخسائر المتزايدة المرتبطة بالجفاف في بعض الدول الأكثر إنتاجا للأرز في العالم، مثل تايلاند وفيتنام والهند، تهدد سوق الأرز الضيق في العالم. ويتم تداول بالكاد 7٪ من إنتاج الأرز العالمي على الصعيد الدولي، وذلك لأنه يتم استهلاك معظمه حيث يتم إنتاجه – في آسيا.
وكانت خسائر الأرز كبيرة في تايلاند وفيتنام، والتي تمثل نصف صادرات الأرز وما يقرب من ثلاثة أرباع نمو الصادرات المتوقعة لهذا العقد. وقد تم تدمير 230.000 هكتارا من زراعة الأرز في دلتا ميكونغ في فيتنام فقط، حيث أدت تدفقات الأنهار المستنزفة إلى تسرب المياه المالحة من بحر الصين الجنوبي، مما جعل ما يقرب من 10٪ من مزارع الأرز قاحلة.
قد يكون هذا الجفاف غير مسبوقا، لكنه ليس حالة شاذة. بل على العكس من ذلك، فالتحديات البيئية في آسيا، مثل تدهور النظام البيئي واستنزاف المياه الجوفية وتلوث الموارد المائية وظاهرة نمط الطقس الاستوائي “النينيو”، والآثار المترتبة على ظاهرة الاحتباس الحراري كلها تسبب الجفاف المتكرر والشديد على نحو متزايد.
وحتى لو لم تعان آسيا من الجفاف، فإنها ستواجه عوائق أخرى بشأن الأمن المائي. فالمبلغ السنوي من المياه العذبة المتاحة للفرد في المنطقة يبلغ (2.816 متر مكعب) وهو بالفعل أقل من نصف المعدل العالمي (6.079 متر مكعب). وبما أن المنطقة تشهد تنمية اقتصادية سريعة تتميز بزيادات كبيرة في استهلاك الموارد والضرر البيئي الخطير، فإن إكراهاتها المائية في تصاعد. ومما زاد من هذا التحدي قيام الآسيويين بتغيير عاداتهم الغذائية، من خلال زيادة استهلاك اللحوم بشكل خاص، والتي يحتاج أنتاجها إلى استخدام مكثف للمياه بشكل هائل.
ورغم أن الاقتصادات المتعطشة للموارد في آسيا يمكنها تأمين الوقود الأحفوري والخامات المعدنية من أماكن بعيدة، لكنها لا تستطيع استيراد المياه، وذلك لأن نقلها يكلف الكثير. ولذلك قامت الدول الآسيوية باستغلال الموارد المحلية بدلا من ذلك – وهي ممارسة صعدت من وتيرة الأزمة البيئية وتغير المناخ الإقليمي والكوارث الطبيعية مثل الجفاف.
ونتيجة لذلك، تواجه آسيا الآن، التي تمثل 72٪ من إجمالي المساحة المسقية في العالم، معضلة حقيقية: يجب أن توفر ما يكفي من الغذاء لتلبية الطلب المتزايد، مع الحد من كمية المياه التي تستعمل للري. فإذا لم تجد آسيا حلا لهذه المعضلة، سوف تتعرض التنمية الاقتصادية للخطر، وسوف تكون لذلك عواقب كبيرة بالنسبة للاقتصاد العالمي بأسره.
غير أن أزمة المياه في القارة تزداد تفاقما. فوفقا لدراسة جديدة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، “من المرجح” أن قلة المياه في آسيا قد تتفاقم إلى ندرة المياه بحلول عام 2050. وأصبحت النزاعات حول توزيع المياه بين البلدان أو الأقاليم متكررة بشكل ملحوظ، وذلك بسبب انتشار مشاريع السدود التي يمكن أن تؤثر سلبا على التدفقات المائية – وهو النهج الذي يمثل تفضيل مستمر لنظرية الجانب الواحد على الإدارة الذكية للمياه.
إن المتهم الرئيسي في هذا الصدد هو الصين، والتي شيدت سدودا كثيرة فوق نهر ميكونغ الذي هو بمثابة شريان حياة جنوب شرق آسيا. وفي موسم الجفاف الحالي، والذي سيستمر حتى وصول الأمطار الموسمية في يونيو، يوجد نهر ميكونغ المنخفض في طريقه إلى “مستواه الأدنى منذ بدء الاحتفاظ بالسجلات قبل نحو مائة عاما”، وذلك وفقا لتقرير الأمم المتحدة الأخير.
وتحاول الصين الآن لعب دور المنقذ، وذلك عن طريق الإفراج عن كمية غير محددة من المياه من واحد من منابع السدود الستة الضخمة “لاحتواء مخاوف” الدول التي تعاني من الجفاف. ويدافع حكام الصين عن هذه الحركة كتأكيد لفعالية “مرافق المياه” في معالجة حالات الجفاف والفيضانات.
وبطبيعة الحال، يسلط كل هذا ببساطة الضوء على اعتماد الدول المجاورة المكثف على حسن نية المسؤولين الصينيين – وهذا الاعتماد مرشح للارتفاع لأن الصين تقوم ببناء 14 سدا آخرا على نهر ميكونغ. وسيرتفع الأثر البيئي لهذه المشاريع بالتأكيد في إطار تفاقم التحديات البيئية، بما في ذلك الجفاف الذي تواجهه آسيا بالفعل.
ويضع هذا النهج التنافسي آسيا على مسار خطير يمكنه أن يؤدي إلى المزيد من التدهور البيئي والتنمية الاقتصادية البطيئة وحتى حروب المياه. لقد حان الوقت لتغيير المسار والسير في طريق التعاون القائم على القواعد، بناء على اتفاقات لتقاسم المياه، والتدفق الحر للبيانات الهيدرولوجية، وآليات تسوية النزاعات.
يجب على الدول الآسيوية العمل معا لضمان قدر أكبر من الكفاءة في استهلاك المياه، وزيادة استخدام المياه المعادة تدويرها والمحلاة، وتشجيع الحلول المبتكرة التي تعزز جهود الحفاظ على البيئة والتكيف معها. وتحقيقا لهذه الغاية، يتعين على الحكومات التخلص تدريجيا من إعانات الدولة التي شجعت الإفراط في استخدام المياه، كما هو الحال في الزراعة، والتركيز على بناء آليات السوق الجديدة وشراكات فعالة بين القطاعين العام والخاص.
ولا يمكن تحقيق ذلك دون تعاون الصين. في الواقع، إذا لم تتخلى الصين عن نهجها الحالي – من “استيلائها على المياه” في منطقة نهر الميكونغ والأنهار الدولية الأخرى إلى “الاستيلاء على الأراضي” في بحر الصين الجنوبي – فان آفاق النظام القائم على القواعد في آسيا سوف تنهار إلى الأبد.
Brahma Chellaney
المصدر: بروجيكت سنديكيت
شكرا جزيلا