تم الاحتفال على نطاق واسع بالاتفاق حول المناخ الذي وقعه قادة العالم في باريس الشهر الماضي لكونه هدفا طموحا للحد من الزيادة في درجات الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من °2 مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. لكن الاتفاق هو مجرد خطوة واحدة وإن كانت هامة. ينبغي الآن على صناع القرار معرفة كيفية تحقيق هذا الهدف – وهذا ليس عملا سهلا، خصوصا أنه، على عكس الحكمة التقليدية، الارتفاع المطرد لتكاليف الطاقة التقليدية لا يمكن الاعتماد عليه لدفع التحول الضروري نحو مستقبل يتسم بانخفاض الكربون.
للوهلة الأولى، يبدو أن منطق الحوافز الاقتصادية السلبية صائب. مثلا سيكون الناس أقل استعدادا لقيادة سيارة تستهلك كميات كبيرة من البنزين وذات تكلفة كبيرة. لكن تأثير التغيير في أسعار الوقود هو جزئي ومتأخر. بينما قد يشتري السائقون سيارة أكثر فعالية في استهلاك الوقود على المدى الطويل، و على المدى القصير، يحدون من أنواع أخرى من الاستهلاك لتعويض ارتفاع التكاليف. عندما يتعلق الأمر بحل مشكلة ملحة مثل تغير المناخ، فإن القول المأثور والشهير لكينز – “وعلى المدى الطويل، نحن جميعا في عداد الأموات” – ينطبق بوضوح.
وعلاوة على ذلك، حتى لو أن المستهلكين لم يستجيبوا بكفاءة، فإن أسعار الوقود الأحفوري تمليها إلى حد كبير الأسواق المالية المتقلبة للغاية أحيانا. ويعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط خلال ال 18 شهرا الماضية مثالا على ذلك. فأسعار النفط نفسها فشلت في تحفيز انخفاض الاستهلاك و قوضت الحوافز لتطوير مصادر الطاقة البديلة. الاستثمارمثلا في الطاقة الشمسية كان مفيدا عندما كانت تكلفة النفط تبلغ 100 دولارا للبرميل، ولكن أصبح ذلك أقل جاذبية عندما انخفض السعر دون 50 دولارا.
يمكن أن نتصور أن يقوم صناع القرار برفع الضرائب لتعويض تلك الانخفاضات. لكن مثل هذه الارتفاعات في بعض الأحيان (مثل الآن) لا بد أن تكون ضخمة. كما أن اعتماد سياسات اندفاعية تعكس تقلبات السوق ليست فكرة جيدة.
تسعير الكربون يمكن أن يواجه مصيرا مشابها. في الاتحاد الأوروبي كانت أسعار الكربون منخفضة لعدة سنوات، والآن يعتقد المشاركون في السوق على ما يبدو أن الأسعار سوف تظل كذلك. ولكن ليس هناك ما يضمن أن تجارة الانبعاثات الحرة لن تحذو حذو الأسواق المالية الأخرى، وتنتج تقلبات حادة في أسعار الغاز الكربوني. وإذا تغيرت التوقعات فجأة، فإن القطيع قد يتحول ويعمل في الاتجاه المعاكس، مما سيتسبب في ارتفاع كبير في أسعار الغاز الكربوني.
مشكلة أخرى مع النهج القائم على الأسعار لتخفيف تغير المناخ هو أنه فشل في تفسير إمكانات الأسواق لخلق الحوافز الضارة. عندما ترتفع تكلفة الطاقة التقليدية، يرى فيها الموردون الجدد فرصة. وبالتالي، قبل يونيو 2014، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، سكب المستثمرون موارد في تطوير الصخر الزيتي والغاز في الولايات المتحدة. ولكن إمدادات إضافية أدت في نهاية المطاف إلى انخفاض الأسعار والحد من الحافز على الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة أو كفاءة استخدام الطاقة. هذا هو رد فعل السوق العادية، ولكنها لا تقوي مكافحة تغير المناخ، وهو ما يتطلب ارتفاع مطرد للتكاليف.
السبب النهائي لكون الحوافز السلبية وحدها غير كافية للتخفيف من تغير المناخ قد يكون أكثر عقلانية: بعد عدة سنوات من ارتفاع الضرائب، أصبح الجمهور يعارض بشدة أي سياسة قد تزيد في أسعار الطاقة، بغض النظر عما إذا كانت الأسعار الحالية مرتفعة أو منخفضة. فالناس مقتنعون جدا بأن تكاليف الطاقة “تنفجر” على الرغم من انهيار أسعار النفط مؤخرا، وأن أي مشروع جديد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ولو قليلا سيكون صعبا جدا الشروع فيه – ولو أن أسعار الطاقة بشكل عام لا تزال أقل مما كانت عليه قبل خمس سنوات.
والانعكاس واضح: عندما يشرع صناع القرار في العمل من أجل إيجاد استراتيجيات لتنفيذ اتفاق باريس، لا ينبغي الاعتماد بشكل كبير على ارتفاع تكاليف الطاقة لدفع أهدافها. فالاستراتيجية التي تفترض أن السوق سوف يعاقب أولئك الذين لا يستثمرون في مستقبل منخفض الكربون ليست واقعية.
هناك نهج أفضل: مكافأة أولئك الذين يستثمرون في مستقبل منخفض الكربون، سواء من خلال تعزيز كفاءة استخدام الطاقة أو تطوير مصادر الطاقة النظيفة. على سبيل المثال، يمكن للحكومات أن تنفذ مخططات الاستهلاك السريع للاستثمار في الشركات المنخفضة الكربون، وتقدم دعما للاستثمار في المباني الموفرة للطاقة، وخلق سياسات تشجع الابتكار الصناعي بهدف الحد من الانبعاثات وتعزيز القدرة التنافسية. كل هذا سيجعل الوقود الأحفوري أقل جاذبية للمستثمرين والمستهلكين.
بينما النهج القائم على هذه الحوافز الإيجابية سيكلف أكثر من الزيادات الضريبية على المدى القصير، فإن فوائده سوف تكون بالغة الأهمية على المدى الطويل. وفي وقت توجد فيه مقاومة قوية لأي ارتفاع في أسعار الطاقة، قد يكون هذا النهج آلية جيدة وأكثر فعالية لدعم الأهداف المسطرة في باريس- ناهيك عن فائدتها السياسية.
توماس فريك – بروجيكت سنديكيت