لقد توصل العالم إلى اتفاق تاريخي بشأن تغير المناخ. الواقع أن الاتفاق الذي أبرِم في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في باريس يُلزِم الدول باتخاذ خطوات للحد من ارتفاع درجات الحرارة الكوكبية إلى أقل كثيراً من درجتين مئويتين نسبة إلى مستويات ما قبل الصناعة ومتابعة “الجهود” للحد من ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز درجة مئوية ونصف الدرجة. وهو يلزم البلدان المتقدمة أيضاً بتوفير 100 مليار دولار سنوياً في هيئة مساعدات للبلدان النامية. ولكن من المؤسف أن المفاوضات النهائية أغفلت الرقم الذي يشكل أهمية حقيقية لمستقبل كوكب الأرض: أو الرقم صِفر.
يمثل الرقم صِفر الكمية الصافية من ثاني أكسيد الكربون التي يمكننا إطلاقها إذا كان لنا أن نتمكن في أي وقت من تثبيت استقرار درجات الحرارة على كوكب الأرض عند أي مستوى. إن نظام الغلاف الجوي والمحيطات أشبه بحوض استحمام يمتلئ بغاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. وكلما ارتفع المستوى كلما ازداد دفء الكوكب.
ولابد من إغلاق محابس الانبعاثات بمجرد بلوغ حوض الاستحمام مستوى يرتبط بمستوى معين من ارتفاع الحرارة ــ ولنقل درجتين مئويتين، وهو المستوى الذي يتفق كل العلماء تقريباً على أن تجاوزه يعنى اشتداد المخاطر واحتمال بلوغ نقاط حرجة لا يمكن العودة إلى الوضع السابق من بعدها، وتصبح قدرة البشرية على التكيف غير مضمونة. وإلا فإن حوض استحمام الغلاف الجوي سيستمر في الامتلاء، فترتفع حرارة كوكب الأرض بثلاث وأربع وخمس درجات مئوية، وهلم جرا، إلى أن تتوقف الانبعاثات في نهاية المطاف ــ أو ننقرض. وكلما أسرعنا بإغلاق المحابس كلما كانت درجة الحرارة التي يمكننا تثبيت المناخ عندها أقل، وكلما قلت المخاطر التي سوف نواجهها والتكاليف التي سوف نتكبدها في محاولة التكيف مع كوكب الأرض الأكثر دفئا.
إن ما يقرب من نصف ثاني أكسيد الكربون الذي نلقي به إلى الغلاف الجوي فقط يظل هناك ــ أما البقية فسرعان ما يعاد توزيعها على المحيطات والمحيط البيولوجي. ولكن مع تشبع المحيطات على نحو متزايد وتضاؤل قدرتها على استيعاب المزيد، تنخفض الكمية التي يمكن إعادة توزيعها. وعلى نحو مماثل، يدفع تزايد درجات الحرارة التربة إلى إطلاق المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون، والتسبب في المزيد من ارتفاع درجات الحرارة.
وتتلخص الطريقة الوحيدة لإخراج ثاني أكسيد الكربون من حوض الاستحمام بمجرد وصوله إليه هو نزحه بالدلاء حرفياً تقريبا. فهناك عمليات طبيعية تعمل على “إعادة ثاني أكسيد الكربون إلى طبيعته الأحفورية”، ولكنها أبطأ من أن تمثل أهمية تُذكَر.
تستخلص تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات التي تطلقها محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز وتعزله تحت الأرض. وفي حين لا تعالج هذه التكنولوجيا مشكلة ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل في حوض الاستحمام، فإن احتجاز الكربون وتخزينه قادر من الناحية الفنية على الحد من الانبعاثات الناجمة عن إحراق الفحم والغاز إلى مستوى يقرب من الصِفر. ولكنها تظل تكنولوجيا باهظة التكاليف، كما كانت الجهود المبذولة لتطويرها بحيث تعمل على نطاق واسع تتحرك ببطء.
وبعد احتجاز وتخزين الكربون على نطاق واسع، لا يتبقى سوى خطوة صغيرة لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون الحالي من الهواء وعزله. بيد أن تكنولوجيات التخلص من ثاني أكسيد الكربون لا تزال في مرحلة مبكرة نسبياً من التطور. وإذا واصلنا على مسارنا الحالي فسوف يصبح النطاق الذي سيكون على هذه التكنولوجيات أن تتعامل معه هائلا.
وهذا يعني أننا في سباق. فهل نتمكن من إغلاق المحابس بحيث تنخفض الانبعاثات إلى مستوى الصِفر قبل أن يبلغ حوض الاستحمام المستوى الذي يأخذنا إلى ما يتجاوز عتبة الدرجتين المئويتين الذي حدده مؤتمر باريس؟ الواقع أن حتى ذلك المستوى قد لا يكون منخفضاً بالقدر الكافي. فكما يدرك اتفاق باريس، يعتقد العديد من العلماء أن ارتفاع درجات الحرارة بما يتجاوز 1.5 درجة مئوية أمر لا يخلو من المجازفة وأن التكيف معه سوف يكون مكلفاً للغاية، وخاصة في البلدان النامية والدول التي تتألف من جزر.
والخبر السار هنا هو أننا إذا نجحنا على نحو أو آخر في إيقاف كل الانبعاثات اليوم، فإن درجات الحرارة سوف تستمر في الارتفاع لمدة عشر سنوات فقط أو ما إلى ذلك، قبل أن تستقر. ولكن إذا ظلت محابس الانبعاثات مفتوحة، فسرعان ما ينفد الحيز المتاح في حوض الاستحمام. فما يزال بوسعنا أن نطلق نصف الانبعاثات التاريخية من ثاني أكسيد الكربون حتى يومنا هذا قبل أن نتجاوز عتبة الدرجتين المئويتين في الأرجح. أما على مسارنا الحالي فسوف نبلغ تلك النقطة بحلول عام 2040 أو 2050 على أبعد تقدير.
وهذا هو السبب الذي يجعل أغلب العلماء وعدداً متزايداً من كبار رجال الأعمال والمستثمرين يدعون إلى تحديد هدف واضح يتمثل في خفض الانبعاثات إلى صافي صِفر قبل أن يبلغ ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين. في مايو/أيار 2015، دعت الغرفة التجارية الدولية ومديرون تنفيذيون من مختلف أنحاء العالم إلى توخي هدف الانبعاثات صِفر. وفي باريس، أيد أيضاً عدد من كبار المستثمرين ومحافظ بنك إنجلترا مارك كارني، وكذا مايكل بلومبرج الرئيس التنفيذي لشركة بلومبرج، هدف صافي الانبعاثات صِفر، مستشهدين بالمخاطر الجهازية التي تهدد النظام المالي بفِعل تغير المناخ. وهو الهدف الذي يرسل إشارة لا لبس فيها بأن الصناعات التي تطلق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سوف يكون لزاماً عليها إما أن تتغير أو تموت، وأن المستقبل يكمن في التكنولوجيات والمشاريع الرامية إلى تحقيق هدف صافي الانبعاثات صِفر.
رغم إغفال المفاوضين في باريس لهدف صافي الانبعاثات صِفر، فيتعين على الدول أن تقره في خططها بشكل فردي، وينبغي لمجموعة العشرين أن تعزز هذا الهدف إلى أن تقره في نهاية المطاف اتفاقية الأمم المتحدة. فإما أن يتحقق هدف صافي الانبعاثات صِفر أو تزول الحياة من على ظهر كوكب الأرض.
ERIC BEINHOCKER
MYLES ALLEN
بروجيكت سنديكيت