تبدو المعلومات الخاصة بشأن الطاقة النظيفة في العالم، مثل المعلومات التي تصدرها عادة حكومات غير مسؤولة أو غير شرعية عن حقيقة اقتصاداتها، خصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار، اهتمام كل الحكومات “دون استثناء” للظهور في المشهد العالمي، على أنها أكثر الجهات المسؤولة حرصا على الطاقة النظيفة، والاستثمار فيها، والعمل على تمكينها في المستقبل.
في البلدان الراشدة، يتضاعف تملق الأحزاب السياسية قبل الانتخابات، للجهات والجمعيات المختصة بالحفاظ على البيئة، على أمل ألا تكون هذه الجهات بمنزلة العدو لها في المعارك الانتخابية. هناك “تنظير” واضح في مسألة الطاقة النظيفة، ولاسيما في الدول الأكثر رشدا. فالبلدان الأخرى، ليست مهتمة في الواقع بأمر نظافة الطاقة، بل بقدرتها في الحصول على الطاقة.
البعض يطلق أرقاما غير حقيقية في مجال الطاقة النظيفة، والبعض الآخر يطلقها بصورة مواربة. هناك من لم يطرح شيئا على الإطلاق، لأنه لم يدخل بعد طريق هذه الطاقة، ولو حتى في أمتارها الأولى. وفي الوقت الذي ترتفع فيه “مثلا” وتيرة إنتاج النفط الصخري، رغم تعرضه لأذى أسعار النفط المنخفضة عالميا منذ أكثر من عام، هناك تراجع واضح في براءات الاختراع الخاصة بالطاقة النظيفة. اللافت، أن مؤسسات مالية كبرى، لا تزال تواصل تمويلها لعدد من مشاريع النفط الصخري، في حين لا ترتفع وتيرة التمويل في الطاقة النظيفة. صحيح أن نسبة من مكامن “الصخري” شهدت توقف العمل فيها، لكن الصحيح أيضا، أن المكامن الأكثر عددا ماضية في الإنتاج، رغم كل العوامل السوقية الماثلة على الساحة.
في السنوات الماضية، استحوذ حديث الطاقة بشكل عام على تلك الآتية من الشمس، ولا يزال الحديث والاهتمام فيها ماضيا إلى الأمام، لكن الغريب أن انخفاض عدد براءات الاختراع، أصاب هذا القطاع أكثر من غيره من قطاعات الطاقة الأخرى! وجاء في بيانات أكدتها وكالة الطاقة الدولية وغيرها من المؤسسات المعنية، أن عدد براءات الاختراع في مجال الطاقة المتجددة انخفض بين عامي 2012 و2014 من 35590 إلى 20655، وهو انخفاض هائل. ولأن براءات الاختراع تحتاج إلى وكيل أو ممول أو مستثمر، تؤكد المؤسسات المختصة، أنه أصبح من الصعب على رجال الأعمال الكشف عن خطط جديدة لإنتاج الطاقة النظيفة. ويرجع ذلك “والكلام للمؤسسات المشار إليها” إلى اتباع عديد من الحكومات سياسات التقشف وخفض الإنفاق في الطاقة المتجددة.
طبعا هناك مشكلة كبيرة في عملية الاستثمار والتمويل في الطاقة النظيفة، تكمن في أنها تعتمد على التمويل، أكثر من اعتمادها على تطوير الوسائل التكنولوجية. وهي مشكلة تزيد من تردد المستثمرين، خصوصا في ظل أجواء عدم اليقين في سوق الطاقة بشكل عام. مع ضرورة التأكيد هنا، إلى أن الغالبية العظمى تعتقد أن الوقود الأحفوري، سيبقى مصدرا مهما للطاقة في غضون العقود المقبلة. وهذا وحده يمثل كابحا لأي حراك فاعل على صعيد الطاقة النظيفة، دون أن ننسى أن الوقود التقليدي يبقى أقل تكلفة، وأكثر إتاحة من أي مصدر آخر للطاقة، بما في ذلك الطاقة الشمسية، التي تحتاج إلى مزيد من الابتكارات التقنية، لخفض تكاليف بنائها كمنظومة كاملة شاملة للطاقة.
بمعنى آخر، إن الطاقة النظيفة لا تزال مكلفة، وليست مغرية للمستثمرين بمن فيهم الحكومات نفسها. فعلى سبيل المثال، قدرت وكالة الطاقة الدولية، أن العالم يحتاج إلى استثمار تريليون دولار سنويا في الطاقة النظيفة، لتجنب أزمة المناخ. غير أن هذا لم يحدث حتى الآن، علما أن الاستثمارات في هذا المجال ارتفعت أخيرا إلى 270 مليار دولار. فحتى أوروبا، التي تبدو حريصة أكثر من غيرها من مناطق العالم على المناخ والحفاظ على البيئة، تعيش قلق المشكلات الاقتصادية التي تعمها، أكثر من قلقها على المناخ وتغيره. أي هناك أولويات، تبدو أمامها الطاقة النظيفة في الوقت الراهن، نوعا من أنواع الترف. وإذا كانت النظرة لهذا الأمر في القارة الأوروبية هكذا، علينا أن نتخيل النظرة نفسها في بقية المناطق الأخرى، ولاسيما في بلدان تتصدر قائمة الأكثر استهلاكا للطاقة بكل أنواعها.
هناك خطوات عملية اتخذت على صعيد الطاقة النظيفة، لكنها في النهاية لا تتناسب مع متطلبات مستقبل البشرية. وقد ارتفع حجم الاستثمار مثلا في الطاقة الشمسية، لكنه ظل محدودا. ومهما كانت المبررات والمخاوف بل حتى التهديدات، لا يزال عامل التكلفة هو الذي يسيطر على الحالة العامة للطاقة النظيفة، خصوصا أن العالم لا يزال يعيش ترددات الأزمة الاقتصادية العالمية. وليس متوقعا أن تنتهي هذه الترددات في وقت قريب. يكفي النظر إلى تحول نسبة متعاظمة من الممولين نحو الطاقة التقليدية، حتى بعد أن شهدت أسعار النفط انخفاضا تاريخيا لا تزال تعيشه منذ عام تقريبا. وقد لا نرى طاقة نظيفة بمستوى مرتفع قبل عقد أو حتى عقدين من الزمن. إنها مسألة تكاليف وثقافة، وليست مسألة بيئة.