لطالما أثارت الدعوة لفرض ضريبة على الكربون الكثير من الجدل، لكنها اليوم ومع الانخفاض الحاد في أسعار النفط والتراجع الموازي لمنتجات الوقود الأخرى أصبحت تلك الدعاوى أكثر إلحاحاً، ومع أن المجال ما زال مفتوحاً للنقاش والتداول حول قيمة الضريبة المقترحة وأوجه صرف العائدات المرتقبة، إلا أن المؤكد تلك الحاجة الملحة لفرض ضريبة ما، خاصة وأنها غير موجودة اليوم، فيما الكربون يواصل دوره التلويثي، وهنا يبرز العنصر الأساسي في الدفاع عن الضريبة والمتمثل في أن الذين يستخدمون أنواع الوقود المرتبطة بالكربون، أو أحد منتجاته المتنوعة لا يتحملون الكلفة الحقيقية لاستهلاكهم، علماً بأن انبعاث المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون يفاقم ظاهرة التغير المناخي حول العالم، وفي العديد من الأحيان يتسببون في تلويث مناطقهم والتأثير السلبي على الصحة العامة للناس، هذا ناهيك عن أن استخراج الوقود من باطن الأرض ينطوي على أخطار الحوادث المحتملة، وأيضاً على الإشكالات البيئية المطروحة بقوة. وحتى في ظل الارتفاع المهم في إنتاج النفط الأميركي، تظل الولايات المتحدة مع ذلك مستورداً أساسياً للنفط، وأي ارتفاع في الاستهلاك يعني أنناً سنظل مرتهنين للنفط الأجنبي.
والحقيقة أنه جميعنا عندما نقود سياراتنا، أو ندفئ بيوتنا، أو نستخدم الوقود الأحفوري بطرق كثير غير مباشرة، نساهم في الكلفة دون أن ندفع الثمن، والنتيجة أنه مع غياب الكلفة التي لا نتحملها يزيد استهلاكنا، بل نفرط فيه، كما أن الدعوة إلى فرض ضريبة على الكربون ليست مطلباً للتخطيط الحكومي، أو تدخلها في الاقتصاد، بل هي من صميم منطق السوق الذي يقول إنه كلما لم ندفع ثمن سلعة ما يزيد استهلاكها. لذا وفيما يشكل الانخفاض الحالي لأسعار الطاقة أمراً جيداً بالنسبة للمستهلك الأميركي لأنه رفع ادخاره وزاد في موارده، إلا أنه في المقابل فاقم مشكلة الإفراط في استهلاك الطاقة وكرسها أكثر، وهو ما يحتم فرض ضريبة على الكربون لإعادة التوازن لعملية الاستهلاك.
وفي الوقت الذي كان فيه التخوف الأساسي في السابق يذهب إلى الأعباء التي ستلقيها ضريبة الكربون على كاهل الطبقة الوسطى الأميركية وعلى المستهلكين بصفة عامة مثل الذين يقودون سياراتهم لمسافة طويلة، أو الذين يملكون بيوتاً كبيرة يستدعي تدفئتها كلفة باهظة، يبدو اليوم أنهم تخففوا من هذه الأعباء بفضل الانخفاض في أسعار الطاقة، بحيث يمكن فرض ضريبة مهمة على الكربون دون أن تتحمل تلك الشرائح الاجتماعية عبء الزيادة المكلف كما كان عليه الأمر قبل أشهر، فقد تراجع سعر البنزين بأكثر من دولار، فيما ستوفر ضريبة بقيمة 25 دولاراً لاستهلاك طن من الكربون للحكومة مداخيل تصل إلى تريليون دولار على مدى العقد المقبل، وكل ذلك مع زيادة بسيطة في سعر البنزين لن تتعدى 25 سنتاً.
أما من يخشى تضرر الصناعات الأميركية وتراجع تنافسيتها بسبب الضريبة وتشجيع هروبها للخارج، فلا بد من التأكيد أن الضريبة لن تستهدف فقط الملوثين المحليين، بل أيضاً ستطال جميع محتويات الكربون من الواردات القادمة من بلدان لا تفرض ضرائب على الكربون، ويمكن للولايات المتحدة الدفع بأن الضريبة تنسجم مع قواعد منظمة التجارة الدولية، ومن شأن هذه الطريقة أن تشجع البلدان المصدرة لأميركا التي تريد تفادي الضريبة الأميركية على الكربون أن تفرض ضريبتها الخاصة على منتجاتها، وهو ما يصب في النهاية في صالح الجهود العالمية الرامية لمكافحة التغير المناخي، ولا شك أيضاً أن هذه الضريبة على الكربون ستمثل خطوة أميركية رمزية في مجال الحد من الاحتباس الحراري تسبق قمة المناخ العالمية التي ستعقد في باريس نهاية السنة الجارية.
لكن السؤال الآخر الذي يصاحب الضريبة على الكربون يتعلق بحجمها، وهنا يبرز خطر التقليل من حجم القيمة أكثر من المبالغة فيها، فما أن يستقر مبدأ فرض الضريبة على الكربون ويغدو مقبولا لدى الجميع حتى يمكن التعامل مع قيمتها بمرونة أكبر، بحيث يبدو سعر 25 دولارا للطن الذي سيوفر مائة مليار دولار كل سنة معقولاً كنقطة بداية ليتم الانتقال إلى نقاش آخر ينصب على استخدام العائدات، وهنا أيضاً يظل الوصول إلى اتفاق حول مبدأ الضريبة أهم من التداول حول أوجه صرفها، وفي رأيي الخاص يمكن توجيه المداخيل مناصفة بين الاستثمار في البنية التحتية وخصومات ضريبية تستهدف التشجيع على العمل.
لورانس سمرز
الإتحاد