ينشغل العالم بتعقيدات المشهد الدولي وتشابكات الإسلام السياسي وحروب الدول الكبرى في ملاعب الدول الصغرى. لكن، سرعان ما يعاود الجميع العودة إلى مشاكل الحياة اليومية التي تجمع، ولو بدرجات متفاوتة، مواطني دول العالمين الأول والثالث وما بينهما من علاقات وتشابكات، على رأسها الطاقة.
ويعاني عدد من دول الشرق الأوسط الأمرّين من نقصان الطاقة اللازمة لتسيير الحياة اليومية، لأسباب تتعلق بالقلاقل السياسية التي تجتاح المنطقة، ومشاكل ذات صلة بالبينة التحتية، وتزايد السكان بإطراد شديد لا يتناسب مع زيادة التقنيات التي من شأنها توفير المقدار اللازم من الطاقة. ولكن، تلوح في الأفق حلول عدة قادرة على التخفيف من حدّة المشكلة، إن لم يكن حلها جذرياً.
الهدر بصفته أزمة
في ظل ذلك المشهد المعقّد، لا تزال دول الخليج العربي بعيدة من الكفاءة في مجال استخدام الطاقة، مع ملاحظة أن الشطر الأكبر من اقتصاداتها ما زال يأتي من صادرات النفط والغاز.
تظهر صورة مشابهة في دول المنطقة غير المنتجة للنفط، إذ لا تتمتع تلك الدول بالمقدار نفسه من الرفاه الاقتصادي الذي تتمكن منه دول الخليج، لكنها تعاني ضغوطاً هائلة في مسألة الطاقة، تنجم أساساً عن استخدام لا يصل إلى درجة الكفاءة المثالية. وبدا ذلك واضحاً في شهور الصيف التي وضعت ضغوطاً هائلة على قطاعات الطاقة المختلفة في دول المنطقة، ومن بينها دول الخليج العربي.
وفي مناسبة يوم «أسواق رأس المال العالمية» الذي جرى الاحتفاء به أخيراً في بلدان عدّة، شهدت لندن منتدىً جمع خبراء في الكهرباء والطاقة المتجددة، مع اختصاصيين في حلول المعلوماتية والتطبيقات الرقميّة الذكيّة، إضافة إلى إعلاميين من دول عدّة. رعت المنتدى شركة «إيه بي بي» العاملة في مجال تكنولوجيا الطاقة والتشغيل الآلي. ورسمت نقاشات المنتدى وجهاً جديداً للمنطقة العربيّة في مجال الطاقة.
وبعد عقود طويلة من ظهور مفاهيم الطاقة الخضراء، وابتكار الحلول الصديقة البيئة وإرساء قواعد الترشيد، باتت غالبية الدول العربيّة تميل طوعاً عبر قناعاتها أو إجباريّاً تحت ضغط ضيق ذات اليد، إلى عوالم الحلول الذكيّة للمشكلات المستعصية في الطاقة، وهي حلول تعتمد تقنيات متقدمة تضمن توجّهات ذكيّة على المديين المتوسط والبعيد.
وتوشك شركة «إيه بي بي» على التوسّع بصورة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، باعتبارها منطقة تضمّ أسواقاً واعدة وناشئة، إضافة إلى معاناتها ظواهر تتصل بهدر الطاقة.
أول ملامح التوسّع جاءت عبر المملكة العربية السعوديّة، حيث فازت الشركة بتعاقد قيمته 14 مليون دولار من «الشركة السعوديّة للكهرباء»، وهي الشركة المسؤولة عن توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها، إضافة إلى بناء محطات توليد الطاقة الكهربائيّة وتطويرها في السعوديّة.
وينطوي جانب من التعاقد الذي أُبرم قبيل عقد المنتدى اللندني، على قيام «إيه بي بي» بإمداد السعوديّة بمحوّلات الطاقة ومحطات لخدماتها، ما يتيح رفع الكفاءة في عمليات نقل الطاقة، وتقوية مزوّدات الطاقة التي تمد مدينة الرياض والمناطق المحيطة بها.
وفي ذلك الصدد، أوضح ماركوس هايمباك، وهو مسؤول أعمال المحوّلات في «إيه بي بي»، أن الأجهزة التي تصنعها شركته تتمتع بتكنولوجيا متقدّمة تساعد في تفريغ ونقل الطاقة بكفاءة، ما يساعد على تلبية الطلب المتنامي على الكهرباء في المنطقة.
ومنذ فترة ليست قصيرة، تواجه السعوديّة إقبالاً متزايداً على الكهرباء، بسبب زيادة عدد السكان، إضافة إلى تنامي الصناعات المرتكزة على قطاعي النفط والغاز. وكذلك تمتلك المملكة العربية السعوديّة خطة طموحة لمضاعفة قدرتها على توليد الطاقة التي يلامس مستواها حاضراً 60 غيغاواط/ساعة.
مدن خُضُر
لا تقتصر مشاكل الطاقة على مسألة توليدها وتقنيّاتها، إذ تواجه معظم دول العالم العربي مشكلة مزدوجة، تتمثّل في طاقة أقل وأسعار أعلى، ما يعني وجود دعم حكومي أقل ومعاناة شعبية أعلى. ويؤدي ذلك إلى أن دول المنطقة يتحتم عليها ان تبني سياسة متقدّمة في تحسين طرق إدارة الطاقة، وتخزينها ونقلها وتوزيعها.
وفي ذلك السياق، تلاحظ شركة «إيه بي بي» اتجاهاً ملحوظاً في عدد من دول المنطقة، نحو إعادة هيكلة مدنها لتصبح أكثر «اخضراراً» في مجال استخدام البيئة. ويشمل ذلك الملمح خفض كلفة الطاقة، والاعتماد على منهجيات صديقة للبيئة، ورفع كفاءة توزيع الطاقة وتشغيلها ونقلها.
كذلك تميل دول المنطقة الأقل ثراء، كمصر ولبنان والأردن، إلى الاعتراف بالحاجة إلى رفع كفاءة الطاقة بصورة سريعة. ويشير خبراء كفاءة الطاقة إلى أن إدخال تعديلات لرفع كفاءة المحوّلات، أضحى ضرورة قصوى لمنع انقطاع التيار في ساعات الذروة، في عدد من الدول العربيّة.
ومع تكاثر مشاريع رفع كفاءة الطاقة في دول المنطقة، يلاحظ حدوث تغيير جذري في انتقال الاهتمام الحكومي والقطاع الخاص من الأوراق إلى أرض الواقع. ويكفي القول إن عدداً من دول الخليج على رأسها السعوديّة والإمارات وأبوظبي تنظر في كيفية تحقيق تنفيذ خــطط خضر في المباني الجديدة، مع تحســـين كفاءة الطاقة في المباني القديمة.
ومع تحسّن الصورة الكليّة للطاقة واستخداماتها الرشيدة والمسؤولة، ينفتح المجال للحديث عن دور مواطني منطقة الشرق الأوسط، إذ شرع هؤلاء بصورة ملحوظة في انجاز دراسات أوليّة عن الجدوى والكفاءة في الأجهزة الكهربائيّة، وباتوا يسعون إلى شراء الأجهزة الأعلى كفاءة والأقل هدراً في الطاقة، ما يعني أيضاً كونها أجهزة صديقة للبيئة.
أمينة خيرى
الحياة