“الخضر” التونسيون سيصنعون تاريخاً بيئياً عربياً جديداً في الخامس والعشرين من هذا الشهر، حين يخوض حزب بيئي عربي لأول مرة الانتخابات التشريعية على المستوى الوطني.
“حزب الخضر للتقدم”، الذي تأسس في تونس قبل ثلاث سنوات، علامة فارقة في العمل البيئي السياسي. فقد نجح خلال فترة قصيرة في التحول الى مؤسسة لها أعضاؤها وهيئاتها المنتخبة في جميع المناطق التونسية. ووضع برنامجاً سياسياً لم يقتصر على المفردات البيئية الخطابية، بل شمل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية من منظور بيئي، وربط نجاح أي برنامج حزبي باعتماد مبادئ الديموقراطية وحرية التعبير.
الحملة الانتخابية لحزب الخضر في تونس ستكون أكبر عملية توعية بيئية على المستوى الوطني في العالم العربي. فالحزب يستخدم في حملته جميع الوسائل المتاحة لايصال برنامجه إلى المواطنين: لوحات الطرق، الملصقات، الاعلانات في الصحف، المقابلات التلفزيونية والاذاعية، الرسائل الصوتية والمكتوبة على شبكات الهاتف، الرسائل عبر الانترنت. وسيكون اهتمام الناس بالانتخابات وسيلة جذب لايصال صوت البيئة اليهم، من خلال محتوى يرتبط بهمومهم اليومية ومستقبلهم.
الحزب يخوض الانتخابات على أساس برنامج. ولكن اختيار رؤساء القوائم والمرشحين يعبّر أيضاً عن برنامج حزب الخضر ونظرته المتطورة، إذ يغلب على المرشحين طابع الشباب، مع معدل عمري يبلغ 42 سنة، ويتراوح بين 25 سنة لأصغر المرشحين سناً و64 سنة لأكبرهم. وبين رؤساء القوائم الستة والعشرين خمس نساء. وتتوزع مهن المرشحين على المحاماة والهندسة والطب والفلاحة والتعليم والتجارة والصحافة والادارة. وبين رؤساء القوائم طالبة جامعية.
الحزب خلية نحل تحضيراً للانتخابات. الأعضاء يتوافدون من أنحاء تونس على مركزه الرئيسي في العاصمة لوضع اللمسات الأخيرة على خطط العمل. و”التونسي”، جريدة الحزب الأسبوعية السياسية، تصدر أعداداً خاصة لعرض برامج الحزب ومرشحيه. وقطاعات الطلاب والعمال والنساء تنشط لاستقطاب التأييد.
نحن أمام تجربة جديدة وجدية في العمل الحزبي البيئي العربي. قبل تونس، تم الاعلان عن أحزاب “خضر” في بلدان عربية أخرى، من لبنان والعراق إلى مصر وفلسطين، لكنها افتقدت في الغالب البرنامج السياسي واقتصرت مبادئها المعلنة على بعض الشعارات البيئية. ولم تقدم رؤية اقتصادية ـ اجتماعية. واختلط على بعضها العمل الحزبي الملتزم مع العلاقات العامة، فتحول حديث مسؤوليها عن البيئة وكأنه ترويج لبيع ورقة يانصيب (لوتو) إما تخسر وإما تربح وإما تفوز بجائزة ترضية، بدل التعاطي مع البيئة على أنها قضية حياة أو موت لهذا الكوكب الواحد، ولا خيار بين الاثنين. كما أفسحت بعض “أحزاب” الخضر العربية في مجال الانتساب إليها وإلى حزب آخر في الوقت عينه. فلمن الولاء وأين الرؤية السياسية؟ ليس غريباً أن أياً من هذه “الأحزاب” لم يتحول إلى مؤسسة ولم يستطع بناء كيان له على المستوى الوطني.
الحزب كيان سياسي بامتياز. وإذا لم يكن هدفه الوصول إلى السلطة، فهو ليس حزباً، مهما سمت مبادئه وبلغ اندفاع أعضائه. فلماذا الاختباء وراء اسم “حزب” إذا كانت أهداف هذه الهيئات وبرامجها لا تتخطى، في أحسن حالاتها، حدود عمل الجمعيات الأهلية.
مع الخضر التونسيين، نحن أمام عمل حزبي جدي. والحزب يخوض الانتخابات ليس للتسلية، بل ليفوز بمجموعة مقاعد. ومهما كانت النتيجة، فإن الحيوية التي يخوض بها حزب الخضر التونسي الانتخابات التشريعية على المستوى الوطني ستحقق تقدماً في مستوى الوعي الشعبي البيئي في تونس، خلال شهر، يفوق بأضعاف ما تحقق في معظم عالمنا العربي خلال سنوات. فهي ستضع البيئة على جدول الأعمال السياسي والشعبي بالخط العريض، من خلال برامج مرشحين جديين يمثلون شرائح المجتمع المتنوعة.
المعركة الانتخابية لحزب الخضر للتقدم في تونس هي معركة جميع البيئيين العرب.
لو كنت تونسياً، لاقترعت لمرشحي حزب الخضر، لأن البيئة تستحق صوتاً سياسياً جدياً.
نجيـب صعـب، العدد 139، أكتوبر 2009
افتتاحية مجلة البيئة والتنمية
أشكركم جزيل الشكر على هذا العمل القيم