الوقت يداهمنا، فقبل أن ينصرم العام الحالي 2009، سوف تستضيف الدانمرك واحداً من أهم الأحداث السياسية في زمننا المعاصر، سوف نفتح الأبواب المفضية إلى مركز المؤتمرات “بيلا سنتر” في كوبنهاجن، وسوف يعج المكان طيلة أسبوعين بوزراء ترتسم على وجههم إمارات الجدية، ومفاوضين منشغلين، وممثلين مفعمين بالحماس من المنظمات غير الحكومية. وتنتظرهم مهمة ليست باليسيرة، فعلى 192 دولة أن تصيغ اتفاقية قد ينطوي مضمونها على أكبر تحدٍ يواجه البشر في القرن الحادي عشر؛ ألا وهو التغير في المناخ بفعل الإنسان.
إن العواقب وخيمة، وآخذة في الحدوث بالفعل. فالمناخ يتغير في جميع أنحاء العالم، حيث تتزايد غزارة هطول الأمطار، وتزداد شدة العواصف، كما تطول فترات الجفاف. كما أن ذوبان الأغطية الجليدية في غرينلند والقطب الشمالي في تسارع، ومنسوب البحار في تزايد. وتواجه البيئات الطبيعية للنباتات والحيوانات التهديد، ويقع إنتاج الغذاء تحت وطأة الضغوط.
لقد رأينا العام كيف أن مصدر رزق فقراء المزارعين في مالي قد أصيب بالشلل بفعل جفاف طويل، ثم انهمرت على رؤوسهم الفاجعة بمعنى الكلمة عندما انهالت شلالات المطر الغزير. لقد توقع الخبير الاقتصادي “نورد نيكولاس ستيرن” أن الملايين – بل وربما مئات الملايين – قد يسقطون كضحايا للمناخ بحلول عام 2050، حيث يهربون من نقص المياه والمجاعة والكوارث الطبيعية.
وكأن ذلك لا يكفي، فقد أشرف التغير في المناخ على حافة الاندفاع نحو الأسوأ، فإن تُرك ليستفحل، فسوف يثير ارتفاع درجات الحرارة طوفاناً من آثار المؤشرات الموجبة والتي ستُحدث زيادة هائلة في وتيرة التغيرات، كما ستجعل من غير الممكن علاج الأضرار. ووفقاً للفائز بجائزة نوبل ورئيس الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة الدكتور باتشوري، لا تزال لدينا عشر سنوات لنغير مسار السفينة.
في التقرير التقييمي الرابع للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ ، والذي يتألف من أكثر من 2000 عالم وباحث، خلُص الفريق إلى أنه من المؤكد بنسبة تزيد عن 90% أن يكون النشاط البشري قد أسهم في الاحترار العالمي. وتنتج الزيادة في درجة الحرارة بفعل تزايد كميات غازات الدفيئة في المجال الجوي، وليس أقلها ثاني أكسيد الكربون. يرتبط انبعاث ثاني أكسيد الكربون بشكل رئيسي باستخدام الإنسان لأنواع الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط.
وفي جميع الأحوال، سيكون علينا تبني طرق للتفكير أكثر ذكاءً في المستقبل؛ ففي عام 2050، سيبلغ تعداد السكان 9 مليارات نسمة، يعيش 8 مليارات منهم في مناطق يُطلق عليها اليوم العالم النامي. فإن ذلك يجعل من الواضح تماماً أن النمو الاقتصادي يحتاج ببساطة إلى أن يكون مستداماً، فالموارد في العالم شحيحة، والالتزام بأكبر قدر ممكن من الكفاءة في استغلال الطاقة وإيجاد حلول أكثر ذكاءً للطاقة تمثل مقتضيات ضرورية للأعوام المقبلة.
لن يتم التغلب على كافة جوانب التحدي المتمثل في تغير المناخ بشكل حاسم في كوبنهاجن، ولكن في حالة سير الأمور على ما يرام، فقد يُسجل المؤتمر في التاريخ على أنه اللحظة التي اتحد فيها قادة العالم واتخذوا خطوة هامة نحو احتواء التغيرات المناخية الخطرة والمدمرة.
إن استضافة هذا المؤتمر تمثل شرفاً عظيماً، وتتولى الدانمرك تلك المهمة بكل تواضع وهي على أتم المعرفة بأنه مهما حاولنا بكل جد، فليس ثمة ما يضمن النجاح. إننا سنعمل لتحقيق نتيجة طموحة، ولكن إذا ما دب الخلاف، فإنه يمكن لدولة واحدة أن تؤدي إلى انهيار الأمر برمته. بذلك فإن الدانمرك تتحمل التزامات خاصة؛ فعليها بالإنصات والتوسط، كما يجب عليها أن تحرص على التوصل إلى اتفاق، وأن تشارك فيه كافة الدول.
ولكن بغض النظر عن الإنصات والتوسط، فلديها مهمة أخرى هامة؛ ألا وهي إبلاغ الرسالة. إنني أشعر على المستوى الشخصي بأنه من المهم للغاية ألا يقتصر المؤتمر على مشاركة فئة ضئيلة من الجهات الفاعلة المتخصصة؛ أي من الساسة والمسؤولين الإداريين ورجال الأعمال.
إن التغير في المناخ شأن يُهم الجميع؛ وإنما يتعلق الأمر بالخيارات التي نجريها كل يوم. إننا نسهم في الاحترار العالمي في كل مرة نقود فيها السيارة، وفي كل مرة نقوم فيها بتشغيل التلفزيون، وفي كل مرة نستخدم فيها الطائرات في السفر في العطلات. يتحمل الجميع مسؤولية شخصية للتصرف والمشاركة.
إننا نهدف من وراء هذا الموقع الإلكتروني لإشراك الناس من جميع أنحاء العالم في نقاش حول المناخ، وما الذي ينبغي القيام به وكيفية القيام بذلك؟ أوليس النقاش تنفيساً عن الشحن؟ هل يُحدث فارقاً؟ من واقع الخبرة العامة الدولية، فإنه يحدث فارقاً بالفعل. سوف تكتسبون فكرة ما، وتصادفون حقائق جديدة أو وجهة نظر مثيرة للاهتمام في مدونة أو مقال، وسوف تخبرون غيركم، فينقلونها بدورهم أو يدرجونها في دراسة أو مذكرة توضيحية. وفجأة، في يومٍ ما، تتحول الفكرة إلى معرفة مقبولة على نطاق عام ويشار إليها في المقابلات والخُطب والمستندات الرسمية.
أعدهـا عمـاد سعـد