أطباق الحشرات غير رائجة على موائد البلدان العربية والغربية، لكن نحو بليونين يأكلونها في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وهناك نحو 2000 نوع من الحشرات التي تؤكل على نطاق واسع في تلك المناطق، خصوصاً الجراد والجنادب والخنافس والنحل والدبابير والصراصير والنمل واليرق.
وقد أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) عام 2013 برنامجاً لتشجيع تربية الحشرات على نطاق واسع وبطريقة مربحة ومراعية للبيئة، بهدف مكافحة الجوع في البلدان النامية. وأوضحت المنظمة أن الحشرات «غنية بالبروتين والمعادن وتتمتع بمعدلات نمو وتكاثر مرتفعة ولها تأثير بسيط على البيئة طوال فترة حياتها». وهي فعالة جداً في تحويل الغذاء إلى «لحم».
في هذا المقال الخاص بـ «البيئة والتنمية»، والصور الحصرية، يعرض البروفسور أرنولد فان هويس، الباحث في علم الحشرات في جامعة واغنغن الهولندية، إمكانات استغلال الحشرات طعاماً للبشر وعلفاً للحيوانات.
تتوقع تقارير دولية أن يزداد الطلب العالمي على اللحوم بنحو 70 في المئة بحلول سنة 2050. لكن مساحة الأراضي التي تستغلّ للإنتاج الحيواني تشكل حالياً 80 في المئة من مجمل الأراضي الزراعية المستخدمة. وقد يكون من الممكن زيادة غلال الأراضي الزراعية الحالية، لكن هناك حدوداً لتكثيف استغلال أراضي المحاصيل.
ومن التدابير الأخرى الممكنة زيادة كفاءة السلسلة الغذائية «من الحقل الى الشوكة»، لزيادة محصول المراعي أو لتغيير أنماط الغذاء في اتجاه أطعمة تحتاج إلى أراض أقل. ومن بين الخيارات استغلال الحشرات كطعام وعلف.
يؤكل نحو 2000 نوع من الحشرات في أنحاء العالم، معظمها في البلدان الاستوائية. وثمة اعتقاد خاطئ في الغرب بأن سكان البلدان الاستوائية يأكلون الحشرات لدواعي الحاجة والفقر.
هذا لأن الحشرات لم تعتبر أبداً في العالم الغربي طعاماً. والواقع أن لدينا موقفاً سلبياً تجاه الحشرات لا يمكن تبريره، علماً أن 0.1 في المئة فقط من مجمل الأنواع الحشرية المقدر وجودها في العالم، أي 5000 نوع من أصل 5 ملايين، هي مضرة بالنباتات والبشر والحيوانات.
فغالبية الحشرات نافعة، إذ توفر خدمات أساسية للنظم الإيكولوجية، مثل التلقيح والمكافحة الطبيعية للآفات وتحليل النفايات، وبعضها يوفر منتجات مثل الحرير والعسل. وتؤكل أصناف من مجموعات الحشرات كافة، مثل الخنافس واليساريع والدبابير والنحل والنمل والزيزان والجنادب والجراد والبق واليعاسيب والذباب. ومعظمها يجمع من الطبيعة.
هل هناك فوائد غذائية من أكل الحشرات؟ يصعب التعميم مع وجود 2000 نوع مأكول. لكن بالمقارنة مع اللحوم التقليدية عموماً، فإن محتواها البروتيني مماثل، فضلاً عن أنها تحوي كميات أكبر من الأحماض الدهنية «الجيدة» غير المشبعة، وكميات أكبر من المعادن مثل الحديد والزنك.
وهذا مهم جداً باعتبار أن فقر الدم (أنيميا) يصيب نحو ربع سكان العالم ويتركز لدى الأطفال قبل سنّ الدراسة ولدى النساء. ويسفر نقص الزنك عن عبء مرضي كبير، خصوصاً لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، ما يؤدي الى نحو 453 ألف وفاة كل سنة.
الحشرات أفضل من المواشي؟
لماذا يجب أن نروج استغلال الحشرات كطعام وعلف؟
هناك عدة أسباب بيئية للتفكير في استبدال اللحوم التقليدية بمصادر بروتينية بديلة. عالمياً، تساهم نظم المواشي والدواجن بـ18 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة التي يسببها الانسان.
وأهمها الميثان الذي ينبعث من الحيوانات (25 في المئة) وثاني أوكسيد الكربون من استعمالات الأراضي وتغيراتها (32 في المئة) وأوكسيد النيتروز من الروث ووحول المخلفات الحيوانية (31 في المئة). ولتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، تم اقتراح عدد من الاستراتيجيات، مثل تحسين نوعية علف الحيوانات المجترة، واقتناء سلالات المواشي الأكثر إنتاجية، والتحول عن تربية الأبقار والأغنام والمعزى إلى الدواجن. لكن التحول عن المواشي التقليـدية الى أنواع من «المواشي» البالغة الصغر مثل الحشرات قلَّما أُخذ في الاعتبار.
وثمة ملوِّث جوي آخر تسببه المواشي هو الأمونيا، المسؤول عن نحو 60 في المئة من الانبعاثات العالمية. وتترسب الأمونيا المنبعثة وتسبب تحمض التربة وازدياد المغذيات في النظم المائية وخسارة التنوع البيولوجي.
السؤال الآن هو ما إذا كانت الحشرات أفضل بيئياً من المواشي التقليدية. تظهر دراسات أن عدداً من الأنواع الحشرية التي تُروَّج للاستهلاك البشري، مثل الجنادب والجراد وديدان الطحين، تنتج كميات أقل كثيراً من غازات الدفيئة والأمونيا.
وقد أظهرت تحاليل لدورة حياة دودة الطحين (يرقة نوع من الخنافس) أخذت في الاعتبار عملية الإنتاج الكاملة، أن المساحة اللازمة لإنتاج كيلوغرام من البروتين من ديدان الطحين هي 18 متراً مربعاً، في حين أن المساحة اللازمة لإنتاج كيلوغرام من البروتين البقري هي أكبر بعشرة أضعاف.
وثمة فائدة بيئية أخرى هي ارتفاع كفاءة تحويل العلف، أي عدد كيلوغرامات العلف اللازمة لإنتاج كيلوغرام من وزن الجسم الصالح للأكل. على سبيل المثال، نحتاج الى 25 كيلوغراماً من العلف لإنتاج كيلوغرام من اللحم البقري، في حين نحتاج الى نحو كيلوغرامين فقط من العلف لإنتاج كيلوغرام صالح للأكل من الجنادب (crickets).
وهناك ميزة أخرى للحشرات، فبالإمكان تربية عدة أنواع منها على النفايات العضوية، خصوصاً إذا اعتبرنا أن ثلث الغذاء والإنتاج الزراعي العالمي يذهب هدراً. إن في إمكان الحشرات تحويل المنتجات العضوية المتدنية القيمة إلى منتجات بروتينية عالية القيمة.
نستطيع أيضاً استغلال الحشرات لإطعام الحيوانات المدللة والدواجن والمواشي والأسماك. وتزداد أهمية هذا التدبير مع تزايد كلفة المكونات الحالية للعلف البروتيني، مثل دقيق السمك.
فعلى سبيل المثال، تؤمن مزارع الأسماك الآن أكثر من 50 في المئة من مجمل إمدادات الأسماك التي يأكلها سكان العالم، والتي تزداد بنحو 9 في المئة سنوياً. لكن دقيق السمك الذي يستعمل علفاً للأسماك الآكلة للحوم، مثل الشبّوط والسلمون والتيلابيا والسلَّور، يتناقص ويزداد ثمنه. فهو يصنع من الأسماك التي تقتات على الأعشاب، وهي تتناقص بسبب الإفراط في استغلال المحيطات.
صحيح أن بالإمكان استعمال أعلاف نباتية، مثل الصويا، لكن محتواها من الحمض الأميني وعوامل سلبية غذائياً وعدم استساغتها وارتفاع نسبة الألياف فيها تحدّ من فاعلية إدخالها في علف السمك.
أما الحشرات فهي مصدر مستدام للبروتين، بكمية ونوعية جيدتين وخصائص غذائية مقبولة. وهناك أنواع حشرية واعدة في مجال إنتاج العلف، مثل ذبابة المنزل الشائعة.
هل أكلها مأمون؟
إن ترويج الحشرات للاستهلاك البشري، واستخدام دقيق الحشرات في علف الحيوانات والأسماك، يحتاجان الى إنتاج مكثف للحشرات. والخبرة متوافرة. ففي الشرق الأقصى يتم إنتاج الحرير على نطاق واسع، صناعياً ومن دود الحرير.
وثمة شركات في أنحاء العالم تنتج الحشرات كطعوم للأسماك وكعلف للطيور والزواحف. وفي الغرب شركات تنتج حشرات نافعة وتسوّقها لمكافحة الآفات التي تفتك بالمحاصيل الزراعية.
لكن الشركات التي تنتج أعلافاً حشرية للاستزراع السمكي وتربية المواشي تحتاج إلى ضمان كمية كبيرة ومستمرة من الحشرات وذات جودة معينة. ويجب أن يكون سعر المنتجات الحشرية تنافسياً مع المصادر البروتينية المستعملة حالياً. وهذا ممكن من خلال مكننة عملية الإنتاج وجعلها أوتوماتيكية.
وبالنسبة إلى الاستهلاك البشري، هناك مزارع لتربية الحشرات الصالحة للأكل، في تايلاند بنوع خاص حيث تنتشر نحو 20 ألف مزرعة متوسطة وكبيرة تنتج سنوياً 7500 طن من الجنادب إضافة إلى أنواع أخرى تربى بتقنيات بسيطة. ومع ازدياد رفاه العيش في تايلاند، يزداد الطلب على الحشرات التي يقبل السكان على أكلها.
هل أكل الحشرات مأمون؟ ثمة عوامل مشتركة بين المواشي والبشر، وقد انعكس ذلك في أمراض مشتركة، لذا فإن سلالات جديدة من أمراض المواشي قد تكون مميتة للبشر. لكن الحشرات تخلتف كثيراً عن البشر، لذلك يُتوقع أن يكون هذا الخطر منخفضاً جداً.
أما الحالات القليلة التي تحدث فيها مشاكل في سلامة الغذاء ناجمة عن الحشرات، فلها علاقة بتلوث من مسببات الأمراض. لذلك يجب تربية الحشرات في أوضاع صحية مضبوطة. وكما في المنتجات الحيوانية الأخرى، تتعرض الحشرات لأخطار ميكروبيولوجية، ولذلك تكون المعالجة الحرارية وشروط التخزين المناسبة ضرورية.
هل يمكن أن يواجه الأشخاص الذين يعانون حساسية للأطعمة البحرية وعثّ الغبار المنزلي مشاكل عند تناولهم الحشرات؟ أظهرت دراسات مختبرية أن ذلك ممكن، وتجرى حالياً اختبارات على البشر للتأكد من الأمر. وإذا ثبتت هذه الإمكانية، فلا بد من ذكرها على ملصق المنتج الحشري.
كيف يمكن إقناع المستهلكين بتناول الحشرات؟ حتى بالتشديد على الحسنات البيئية والقيمة الغذائية والسلامة الصحية، وحتى لو كان طعمها لذيذاً، فإن المستهلكين قد لا يقتنعون بأكلها في البلدان التي لم تعتبر الحشرات طعاماً. القبول الثقافي والاجتماعي متعلق بالمشاعر والحالة النفسية. لكن مع العولمة يمكن أن يتكيف المستهلكون مع أطباق الحشرات، كما تبين مع أطباق السوشي التي اجتاحت العالم.
توفر الحشرات خدمات كثيرة للإنسان، وفوائدها عديدة كغـذاء وعلف بدلاً من اللحوم التقليدية. والاحتمال كبير أن تصبح قطاعاً جديداً في الزراعة وصناعة الغـذاء والأعلاف حول العالم.
البروفسور أرنولد فان هويس باحث في علم الحشرات في جامعة واغنغن في هولندا، وهو أحد مؤلفي كتاب «فن طبخ الحشرات».
البيئة والتنمية