لايعتبر تفشي فيروس إيبولا الحالي هو الوحيد الأسوأ في التاريخ بعد أن أودى بحياة أكثر من مجموع عدد الوفيات الناتجة عن حوادث التفشي الأخرى.
ويبذل العاملون في حقل الرعاية الصحية قصارى جهودهم لمواجهة التفشي “الفتاك” الذي لا ينذر إلا بتفاقم الوضع على نحو كبير.
ويتفشي الفيروس طوال العام، غير أن الإحصاءات التي أثارت مخاوف أظهرت أن 40 في المئة من جميع حالات الوفيات حدثت خلال الثلاثة أسابيع الماضية.
فما المتوقع حدوثه خلال الشهور، وربما السنوات، المقبلة؟
إنطلاق
يذكر أنه تم احتواء حالات التفشي السابقة لفيروس إيبولا بسرعة بعد أن أصابت فقط العشرات من الأشخاص، لكن الفيروس أصاب هذه المرة ما يزيد على 3900 شخص، لكن ثمة دلائل أولية تبرز لنا من خلال البيانات الراهنة.
يواجه كرستوفر داي، مدير استراتيجية في مكتب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تحديات صعبة بشأن التنبؤ بما قد يحدث.
وقال لبي بي سي :”لابد أن اعترف بقلقنا البالغ بشأن البيانات الأخيرة التي جمعناها.”
قبل أسبوعين وحتى الآن، اجتاح تفشي الفيروس ليبيريا، لاسيما على مقربة من مركز التفشي في مقاطعة لوفا وفي العاصمة مونروفيا.
غير أن البلدين الأخريين المتضررين بتفشي الفيروس، سيراليون وغينيا، مستقران نسبيا. فأعداد حالات الإصابة الجديدة، لم تتراجع، لكنها لم تسجل ارتفاعا.
وقال داي “في معظم المناطق الأخرى، تسجل حالات الإصابة والوفيات ارتفاعا على ما يبدو. وهو ما كان بمثابة صدمة لي.”
ارتفاع فقط
هناك قصص لا حصر لها لدى العاملين في حقل الرعاية الصحية الذين بلغ بهم الأمر مداه، فضلا عن رصد عدم توافر قفازات الحماية الأساسية على نطاق واسع.
وتملك منظمة “أطباء بلا حدود” الخيرية مركزا للرعاية الصحية منعزلا يسع لـ160 سريرا في مونروفيا، لكنها تقول إن طوابير الانتظار تمتد وأنهم بحاجة لـ800 سرير إضافي للتعامل مع عدد المرضى بالفعل.
ليس هذا سيناريو لاحتواء الوباء، بل لتفشيه.
ويقول داي، برؤية مبدئية قاتمة “نشهد حاليا 500 حالة إصابة جديدة أسبوعيا، وهذه الأعداد في طريقها للتزايد.”
وأضاف :”إذا استمرت الاتجاهات الراهنة على ما هي عليه، لن نشهد مئات الحالات المصابة أسبوعيا، بل الآف الحالات، وهو أمر مزعج للغاية.”
وقال “الوضع سئ للغاية وعلينا الاستعداد للأسوأ.”
وتستعين منظمة الصحة العالمية بتقديرات بحثية تشير إلى احتمال إصابة 20 ألف شخص قبل وقف انتشاره، لكي تتمكن من وضع خطة للاستجابة.
لكن الاحتمال الحقيقي للتفشي غير معلوم، في حين وصف بعض العلماء لي أرقام منظمة الصحة العالمية بأنها تدعو للتفاؤل.
تفشي دولي؟
بدأ تفشي الفيروس في غويكودو في غينيا على الحدود مع ليبيريا وسيراليون.
لكن سرعان ما انتشر الفيروس بسرعة ورصدت منظمة الصحية العالمية أنه “للمرة الأولى منذ بدء تفشي الفيروس” كانت غالبية الحالات في الأسبوع الماضي خارج هذا المركز وأصبحت العواصم مركزا رئيسيا للإيبولا.
وسوف ينشر سيمون هاي، من جامعة أوكسفورد، تحليله العلمي الأسبوع المقبل بشأن الوجه المتغير لحالات تفشي إيبولا.
وحذر من أن زيادة إجمالي حالات الإصابة، ينذر بخطر الانتشار الدولي.
وقال لي :”أعتقد أنك ستشهد انتشار المزيد من هذه الحالات الفردية في مناطق جديدة، وكذا التدفق المستمر على السنغال وساحل العاج وجميع الدول بينهما، لذا فأنا غير متفائل جدا في اللحظة الراهنة بأننا سنحتوي هذا الوباء.”
وتتمثل هذه المخاطر في احتمال انتقال حالة من هذه الحالات إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية.
غير أن الدول الغنية لديها الامكانات التي تحول دون انتشار حالة واحدة ليصبح الوضع تفشيا خارج نطاق السيطرة.
والمقلق أن دولا أفريقية أخرى وما بها من موارد فقيرة قد تجد نفسها في وضع شبيه بغينيا وليبيريا وسيراليون.
وقال “نيجيريا هي التي أنظر إليها ببالغ القلق. فإذا بدأت الأمور تخرج عن نطاق السيطرة في نيجيريا، فقد ينذر الأمر بخطورة شديدة.”
ومن غير المعلوم أيضا متى سيقف هذا التفشي.
وتقول منظمة الصحة العالمية رسميا أن التفشي يمكن السيطرة عليه في غضون ستة إلى تسعة أشهر. غير أن ذلك يتوقف على الموارد المستخدمة للتصدي للتفشي.
موجود للأبد
لكن هناك مخاوف تزداد من جانب بعض علماء الفيروسات بأن احتواء فيروس إيبولا ربما يكون مستحيلا.
ويصف جوناثان بال، عالم الفيروسات بجامعة نوتينغهام، الوضع بأنه “ميؤوس منه”.
ويعرب عن مخاوفه من أن الفيروس يأخذ فرصته الأولى للتكيف نتيجة العدد الكبير لحالات انتقال العدوى بين البشر خلال هذا التفشي غير المسبوق.
وعلى النقيض من فيروس الإيدز والانفلونزا، فان الشفرة الوراثية لفيروس إيبولا هي شريط من “آر إن إيه”. وبالنظر إلى هذا الشريط فهو أقل استقرارا من شريط الحمض النووي “دي إن إيه” الذي يحمل معلوماتنا الوراثية.
وذلك يعني أن إيبولا لديه معدلات تحول عالية، ومع وجود هذا التحول تزاداد احتمالية التكيف.
كما توجد علاقة بين قدرة الفتك للفيروس وسرعة الانتشار. فبوجه عام كلما كان الفيروس أقل فتكا بك، أصبحت ناقلا له على الأرجح، على الرغم من أن الجدري استثناء من ذلك.
وأضاف :”هو مثل فيروس الإيدز، الذي كان ينتقل بين البشر لمئات السنين قبل أن يجد في النهاية الطريقة الصحيحة للتحور والانتشار بين السكان من البشر.”
أضرار جانبية
من السهل التركيز على فيروس إيبولا فقط عندما يصبح تأثيره أوسع نطاقا في هذه الدول.
لقد بدأ حاليا موسم الإصابة بالملاريا، الذي ينتشر عادة في الفترة من سبتمبر/أيلول و أكتوبر/تشرين الثاني.
ذلك سيطرح عددا من القضايا. هل ستكون هناك قدرة لعلاج المرضى المصابين بالملاريا؟ هل سيسعى المصابون بالملاريا إلى طلب العلاج إذا كان أقرب مستشفى لهم يكتظ بحالات يشتبه في إصابتها بفيروس إيبولا؟ كيف سيتكيف العاملون في الحقل الصحي عندما يوجد مرضى مصابون بالملاريا وإيبولا ولديهم نفس الأعراض.
ومن غير المرجح تقدير الأضرار الجانبية لفيروس إيبولا إلا بعد التفشي.
ويقول نيل فيرغستون :”هذا الصيف كان هناك الكثير من الأخبار المهمة عالميا في أوكرانيا والشرق الأوسط، لكن ما شهدناه من أحداث اندلعت في غرب أفريقيا كان كارثة، وأسفر عن مقتل الآلاف في المنطقة ، كما نشهد انهيارا لنظام هش للرعاية الصحية.”
وأضاف :”لذا أعتقد أنه يلزم التحرك على الصعيد السياسي أسرع مما هو عليه.”
BBC