طرح الدكتور مهندس الميكانيكا والخبير بالأمان البيئى والصناعى عرفة رضوان، المدرس بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، مشروعا لإقامة مظلة شمسية فضائية كبيرة تركب بين الأرض والشمس من شأنها أن تتحكم فى شدة أشعة الشمس الواصلة للأرض فوق المنطقة المستهدفة، الأمر الذى يتيح إمكانية تشغيل هذا الحجاب لخفض أشعة الشمس المباشرة الواصلة إلى تلك المنطقة بنسب حجب تتراوح بين %0 و %100 فى التوقيت الذى تقرره إدارة المشروع، وللفترة التى تراها، وفى الأيام التى تتخيرها فقط.
فكرة حجب أشعة الشمس تشغل بال العلماء منذ منتصف الستينيات، فقد ناقشها العلماء لأول مرة لمواجهة نتائج ظاهرة الاحتباس الحرارى، عن طريق إطلاق ملايين الأجسام العاكسة الصغيرة فى طبقات الغلاف الجوى العليا، لتعمل كمرايا لعكس الأشعة الشمسية، لكن دراسة أجرتها جامعة بريستول وجدت أن هذه الأجسام قد تبرد بصورة فعالة المناطق الاستوائية، لكن تأثيراتها قد تكون غير مرغوب فيها بالمناطق القطبية، نظرا لأن المناطق الاستوائية تستقبل أشعة شمس ذات شدة عالية، مقارنة بالوضع عند خطوط العرض الأبعد.
ويؤكد صاحب المشروع أن مشروعه المقترح يقدم حلا للكثير من المعضلات البيئية التى يعانى منها العالم اليوم جراء تغير المناخ بتنفيذ مشروعه الذى أطلق عليه “التحالف مع الشمس “، والذى يمكن من التحكم بالطقس والمناخ، وإدارة الدورة البيئية للمياه عبر تطبيق تقنيات متاحة ومطبقة حاليا بتطوير وتصنيع وتركيب أحجبة فضائية للعزل الحرارى ضد أشعة الشمس، كما يمكن من تصدير الأشعة الشمسية أو الطاقة المحصودة منها فى المراحل التالية.
المشروع يعتمد على مظلة تستقر عند ارتفاع الاتزان الطبيعى الذى تتواجد عنده بالفعل أقمار الاتصالات والبث الفضائى حاليا، لذا فهذا الحجاب لن يسقط إلى سطح الأرض، ولن يتحرك مبتعدا عنها لكونه مستقرا بوضع الاتزان بالفضاء، كما سيركب بهذا الحجاب نظام تحكم عن بعد عبر محطات أرضية لتحديد موقعه وتوقيت تشغيله وإغلاقه ونسبة الحجب المطلوبة، وبذلك يقدم المشروع منظومة متكاملة ترعى “توجيه” الريح والتحكم بالدورة البيئية للمياه وهو ما يعنى إمكانية إسقاط الأمطار فوق المناطق الجافة القابلة للاستصلاح والزراعة، وبذلك تتحول الصحارى إلى أراض منزرعة، كما قد تتحسن تركيبة المحاصيل بتلك المناطق، وبذلك يقدم المشروع حلا جذريا لمعضلتى الاحتباس الحرارى والتصحر وغيرها من تأثيرات تغير المناخ.
ويقترح عرفة رضوان إمكانية تطبيق هذا الحجاب الفضائى المقترح “المظلة ” لتقليل شدة أشعة الشمس بالمدن الحارة الجافة كمكة المكرمة والمدينة والرياض وأبوظبى ودبى والكويت والدوحة والمنامة والمدن الليبية والجزائرية والسودانية، وكذلك بالقاهرة وأسوان وغيرها من المدن العربية والمصرية، كما يمكن تطبيقه بأية منطقة حارة جافة بما يؤدى إلى تخفيض درجات الحرارة والحفاظ على متوسطها فى فصل الصيف بين 22 و33 درجة مئوية؛ ليؤدى إلى تحسن الإنتاجية الزراعية وتركيبة محاصيلها مع خفض معدلات فقد المياه بالتبخر إلى النصف، وبالتالى خفض استهلاك مياه الرى بالمناطق الزراعية؛ أما بالمدن فيؤدى المشروع إلى خفض استهلاك الكهرباء المهدرة لأغراض التكييف كما سيمدد موسم الأعمال والسياحة على مدى النهار والعام بالكامل.
ويمكن تشغيل المظلة خلال كل فصول العام عدا فصل الشتاء، بصورة يومية بدءا من الحادية عشرة ظهرا وحتى الرابعة عصرا، وهى الفترة الضارة صحيا واقتصاديا، وبنسبة حجب %90، مع العلم بأنه حتى فى حالة الحجب التام %100 لأشعة الشمس المباشرة ستظل الأشعة غير المباشرة تصل للمنطقة المظللة كحال يوم طبيعى فيه سحب. الوصول إلى درجة حرارة 26 درجة مئوية طوال العام سيتسبب فى إعادة برمجة النشاط الإنسانى ليعيده لطبيعته النهارية ويؤدى لتحسن المزاج الإنسانى والتفاعل الاجتماعى ورفع كفاءة وإنتاجية العمالة والعمليات الإبداعية والتربوية وتحسين الحالة الصحية وتقليل الأمراض المتعلقة بزيادة التعرض لأشعة الشمس تمدد موسم الأعمال والسياحة على مدى كامل النهار وكامل العام فى مدينة مثل أسوان تعمل فى الشتاء فقط ويعمل على توفير الكهرباء والوقود والحد من استخدام تكييف الهواء الذى تقدر الدراسات استخدامه بنحو %80 من استهلاك الكهرباء للأغراض غير الصناعية.
ويشير الباحث إلى أن تقنية المشروع تتميز بطول عمرها الافتراضى – 10 إلى 15 عاما – ومرونة تشغيلها، حيث يتم التحكم فيها آليا عن بعد عبر محطات أرضية للتحكم فى المظلة كالأقمار الصناعية، كما أن المشروع يعد قليل التكلفة سواء من حيث التشغيل أو الإنشاء باعتباره مشروعا للبنية الأساسية، بل يتميز بالجدوى الاقتصادية العالية إذ يسترد تكلفته الإنشائية فى العام الثالث للتشغيل، وإن كان يتطلب بعض الأبحاث التطبيقية وتعاون مع القوى الفضائية.
وقال الباحث إن إضافة مرايا عاكسة لأحد جانبى الأحجبة سوف يتيح تصدير أشعة الشمس الفائضة فى صورتها الخام من الدول الحارة كحال أغلب الدول العربية، إلى مدن الشمال الباردة كحال أغلب المدن الأوروبية، فى صورتها الخام دون الحاجة إلى موصلات أو كابلات، لتتضاعف بذلك جدوى المشروع اقتصاديا، ووفقا لتصور صاحب المشروع يمكن كمرحلة نهائية للمشروع استخدامه كمحطات فضائية لحصد الطاقة الشمسية من الفضاء وتحويلها من صورتها الخام إلى أشعة ليزر أو ميكروويف تبث إلى مستقبلات أرضية لتحولها إلى طاقة كهربية للاستهلاك المحلى أو للتصدير فى صورة كهرباء، وهو المشروع المعروف باسم «Space-based solar power SBSP».
وقد عرض الباحث لمشروعه بالمؤتمر العلمى الدولى للأمان الإنسانى فى الظروف الراهنة بأوروبا، والمنعقد بأوكرانيا قبل 4 أعوام، كما عرض المشروع بمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى الدوحة 2012، وفى مارس العام الجارى، عرض الباحث ورقة بحثية عن المشروع بعنوان «الأشعة الشمسية مصدر للطاقة أو سبب لاستهلاكها» فى مؤتمر البترول والبيئة وآفاق التنمية.
ويقترح الباحث تطبيق مشروعه فوق بحيرة ناصر والمناطق المحيطة بها متضمنة مدينة أسوان وصولا إلى منطقة توشكى، لتخفيض درجات الحرارة والحد من معدلات تبخر المياه هناك، فقد لوحظ أن متوسط درجة الحرارة بمدينة أسوان حاليا يتجاوز 40 درجة مئوية صيفا و24 درجة مئوية شتاء، وأن الحصة السنوية لمصر من مياه النيل تبلغ 55 مليار متر مكعب، بينما يصل معدل تبخر المياه من البحيرة 10-16 مليار متر مكعب سنويا، موزعة شتاء %12، ربيعا %22، صيفا %42، وخريفا %24، بما يعادل 20 إلى %30 من حصة مصر السنوية، كما يمثل 6 إلى %11 من متوسط المحتوى المائى بالبحيرة. تخفيض درجة حرارة الهواء المحيط بمقدار 10 درجات مئوية كما يقول رضوان يؤدى لتخفيض معدلات تبخر المياه إلى نصف قيمتها الأولية، وتنفيذ الحجاب فوق تلك المنطقة، طوال العام عدا فصل الشتاء، متوقعا تحول المناخ هناك إلى مناخ شتوى ربيعى مستمر ليكون متوسط درجة الحرارة بمدينة أسوان 26 درجة مئوية طوال العام كله، وتنخفض معدلات تبخر مياه البحيرة لتكون 5-8 مليار متر مكعب سنويا، أى %56 من القيمة الأصلية وهو ما يزيد من حصة مصر بنسبة 10-15.
وتتضمن خطة التنفيذ مرحلة تحضيرية لبناء واختبار النموذج الأولى ثم تصنيع وشحن وتركيب المنظومة فى الفضاء، ثم الاختبار الأولى ومراقبة الجودة للمنظومة متوقعا وصول التكلفة إلى 10 مليارات دولار، وتكون قابلة للتنفيذ خلال 10 إلى 16 عاما. وختاما يشير الباحث إلى أن التوسع فى تطبيق المشروع بتعدد المظلات المستخدمة سيؤدى تلقائيا وبمرور الوقت لتقليل كمية طاقة أشعة الشمس الواصلة لكوكب الأرض – والتى تمثل المصدر الأساسى لتدفئة الغلاف الجوى – وبذلك تحل مشكلة الاحتباس الحرارى جذريا، بعكس التقنيات المتاحة حاليا، والتى تهدف للتخفيف من المشكلة.
اليوم السابع