على الرغم من الحماس الكبير الذي رافق انطلاق أول موديلاتها، إلا أن انتشار السيارة الكهربائية في ألمانيا مازال يواجه عقبات عدة. الحكومة وضعت خططاً للتشجيع على استخدامها، ليصل عددها في شوارعها إلى مليون سيارة بحلول 2020.
“قبيحة وباهظة الثمن” أول وصفين يطلقهما رئيس المجلس الاستشاري للرابطة الاتحادية لصناعة المحركات الكهربائية على السيارات الكهربائية الجديدة في الأسواق المحلية في ألمانيا. ويقول يان ترينكر: “إن المشكلة الأساسية التي تواجه تسويق المركبات الجديدة تكمن في عدم وجود عروض تتناسب مع حاجة الأسواق والمستهلكين”. ويضيف الخبير الألماني بالقول: “إن السيارة الكهربائية بضاعة استهلاكية وعليها أن توفر الشروط السائدة في السوق”. ويشير إلى أن المستهلك الألماني يفضل شراء سيارة ألمانية الصنع، لأنه “على قناعة بجودتها وبسلامتها الأمنية وتصميمها المتناغم مع ذوق المستهلكين، إضافة إلى السمعة الجيدة للمنتجين الألمان”. ويعتقد ترينكر أنه عندما تتوفر هذه المواصفات في السيارة الكهربائية، عندها فقط يمكن أن تكون “بضاعة رائجة” في ألمانيا. لهذا السبب يطالب المنتجين بتوفير سيارة كهربائية “جذابة ومثيرة”.
ومن المتوقع أن يُعرض في الأسواق الألمانية أكثر من 15 نوعاً مختلفاً من السيارات الكهربائية بحلول عام 2014. ويبقى أن ننتظر ما إذا كانت هذه الأنواع ستثير “شهية” الزبون. والثابت هو أن الأنواع الحالية في الأسواق أخفقت في تحقيق ذلك حتى الآن، فجميع السيارات الكهربائية الحالية في الأسواق مثل بيجو iOnونيسان Leafوميتسوبيشي i-MiEv ورينو Kangoo Z.E وأوبلAmpera وسمارت EDFortwo لا تقدم أي فائدة تذكر للزبائن سوى أن محرك السيارة يعمل بالطاقة الكهربائية.
كما أن نقائص السيارة الكهربائية الحديثة كثيرة هي الأخرى، فمثلاً أسعارها أغلى من السيارات العادية بثلاثة إضعاف، والمسافة التي تقطعها قصيرة قياساً بتلك التي تعمل بالبنزين، وعدم توفر محطات شحن البطاريات في كل مكان، إضافة إلى تعقيدات التقنيات الحديثة. وباختصار فإن النظرية القائلة بأن السيارة الكهربائية هي الوسيلة المثلى للحركة داخل المدن، لم تُثبت حتى اليوم في الواقع العملي.
حوافز الشراء غير متوفرة
تسير في شوارع ألمانيا حالياً 4541 سيارة كهربائية، وجميعها تقريباً تعمل لحساب الشركات أو لغرض الترويج لها. حقيقة تضع حتى وزير المواصلات والنقل بيتر رامزاور أمام الأمر الواقع. في هذا السياق يقول الوزير إنه لا يمكن تعجيل التطورات التقنية والمجتمعية بأمر إداري أو سياسي ولا يمكن فرضها على المجتمع. ويتابع رامزاور قائلاً: “بعض العمليات تحتاج إلى وقت كافي حتى تنضج”، لكن على الرغم من ذلك يعتقد الوزير أن “المركبات الكهربائية تشكل خطوة كبيرة إلى الأمام”.
ويشارك هينينغ كاغيرمان، رئيس المنتدى الوطني للسيارات الكهربائية، الوزير الألماني في رأيه. وبمبادرة من الحكومة الألمانية يحتضن المنتدى منذ عامين ممثلي شركات صناعة السيارات الألمانية ومجهزي الطاقة في البلاد وموردي السيارات والعلماء والباحثين والنقابيين. ويقول كاغيرمان إن “ألمانيا ستحقق هدفها على أي حال في أن تكون الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية وفي استخدامها داخل البلاد”. ويضيف بالقول: “إن قطاع صناعة السيارات استثمر بشكل هائل في هذا المجال، فخلال مرحلة إعداد السوق حتى عام 2014 تم استثمار قرابة 17 مليار يورو في مجالي البحث العلمي والتقني”، مشيراً إلى أن المنتدى واثق أكثر من ذي قبل من أن ألمانيا ستنجح في صناعة بطارية مدمجة في المستقبل.
بيد أن كاغيرمان يعتقد أيضاً أن رواج السيارة الكهربائية في السوق الألمانية لن يكون ناجحاً دون “حزمة من المحفزات المشجعة للسوق”. لكن الآراء تختلف في شكل المحفزات المطلوبة وحجمها. وخصصت الحكومة الألمانية حتى الآن 500 مليون يورو لأغراض البحث العلمي والتطوير التقني. وسيتبع ذلك وحتى نهاية الدورة التشريعية الحالية في أيلول/ سبتمبر 2013 حوالي مليار يورور.
وستناقش الحكومة الألمانية قريباً مشروعاً يخص المحفزات المالية للمستهلكين للسيارات الكهربائية، ويُنتظر أيضاً إقرار تخفيض ضريبي وتسهيلات ضريبة أخرى لمستخدمي السيارات الكهربائية.
متعة باهظة الثمن
وترفض الحكومة الألمانية بشكل قاطع منح مكافأة نقدية محفزة لاستخدام السيارة الكهربائية، كما هو الحال في دول أوروبية أخرى، كما يؤكد ذلك الوزير رامزاور. ويضيف الوزير أن هذه المنحة النقدية قد تكلف الحكومة الألمانية حتى عام 2020، أي عندما تكون حوالي مليون سيارة كهربائية تسير في شوارع البلاد، حوالي 5 مليارات يورو. ويتابع الوزير بالقول إن هذا المبلغ هو مخصصات وزارته السنوية لتجديد وإعمار شبكة الشوارع في عموم البلاد. أذن ينبغي أن تقود المحفزات المالية التي تقدمها الحكومة الألمانية، إلى نجاح انتشار السيارات الكهربائية في ألمانيا.
وبنظرة سريعة إلى معطيات السوق الحالية يُلاحظ ضعف استخدام السيارات الكهربائية، خصوصاً لدى شركات تأجير السيارات. فشركة كار تو غو الخاصة بتأجير السيارات، وهي شركة تابعة لدايملر الألمانية، تمتلك حوالي 4000 سيارة، بينها 625 سيارة كهربائية فقط. ويُعزى ذلك أولاً إلى قلة وجود المحطات الخاصة بشحن بطاريات هذه السيارات، وإلى ارتفاع تكاليف تشغيلها، التي يمكن أن تصل إلى 400 يورو يومياً.
أفكار جديدة
شركات تأجير السيارات ليست الوحيدة التي تطالب بمحفزات لزيادة استخدام السيارات الكهربائية، فإلقاء نظرة على الدول المجاورة يساعد على فهم جوهر الفكرة: ففي امستردام وضع نظام محفز لاستخدام السيارات الكهربائية. ويتمثل النظام في إعفاء أصحاب السيارات الكهربائية من أجور ركنها في الشوارع، فيما يدفع أصحاب السيارات العاملة بالبنزين خمسة يورو مقابل ساعة وقوف واحدة. إلى جانب ذلك تتوفر إمكانية شحن البطاريات مجاناً من الأعمدة الكهربائية الكثيرة المنتشرة في المدينة الهولندية.
مثل هذه المحفزات يطالب بها الباحث والمسؤول في شركة السكك الحديدية الألمانية آندرياس كني. وفي هذا السياق يقول كني: “إذا كان وقوف السيارة الكهربائية في المرآب مجاناً، فإن ذلك سيساعد على الترويج لها”. ويطالب كني أيضاً بضرورة إعادة النظر في مجمل نظام الحركة والمرور في البلاد.
وحسب رأيه فإن الأمر يتعلق بـ”نظام جديد” و”فكرة سيارة جديدة”، مشيراً إلى ضرورة مشاركة أو ربط كل المشاركين في الحركة المرورية في المدن، من سيارات وحافلات وقطارات ودراجات هوائية، بمنظومة واحدة أو بشبكة واحدة تعتمد على التعاضد والتعاون من أجل ضمان حركة مرورية سهلة وانسيابية. لكن الخبير الألماني يعلم أيضاً أن الكثير من الوقت سيمضي حتى يصل التطور إلى تلك الحدود المرجوة، فيما يخص النضوج التقني للسيارات الكهربائية واستعداد المجتمع للتعامل معها في عصر جديد، حماية البيئة أبرز ما يميزه.
المصدر: DW عربية