يرى الخبراء أن عصر سيارات البنزين والديزل لم يصبح بعد على شفا الانقراض، فتطوير محركات الاحتراق الداخلي لتكون أكثر ملائمة للبيئة في انتعاش مستمر، وهو ما يضع علامة استفهام حول اعتبار السيارات الكهربائية سيارات للمستقبل.
يبدو أن الهالة الإعلامية حول المحركات الكهربائية في طريقها إلى الزوال، فقبل أكثر من 3 سنوات عزمت ألمانيا على أن تكون البلد الرائد في إنتاج وتسويق السيارات الكهربائية. لكن أجواء التفاؤل بالسيارات الكهربائية بدأت تخبو. وبعكس ذلك، يشهد تطوير سيارات محركات الاحتراق الداخلي انتعاشاً ملحوظاً. وقد يبدو ذلك جلياً ربما في الصورة أعلاه، إذ يقبّل رئيس شركة فورد ألان مولالي محرك بنزين في مصنع الشركة بمدينة كولونيا الألمانية.
تراجُع في قطاع المحركات الكهربائية
شهد قطاع صناعة السيارات الكهربائية تراجعاً في معرض بكين للسيارات الذي اختتم أعماله مؤخراً، وكان التراجع من جميع النواحي: فالحكومة الصينية الداعمة للسيارات الكهربائية تحدثت بشكل مفاجئ عن “أهداف متواضعة” في تطوير المحركات الكهربائية. صحيح أن شركات صناعة السيارات الألمانية الكبرى مثل دايملر وبي إم دبليو وفولكسفاغن لم تقم بإلغاء السيارات الكهربائية تماماً من جدول أعمالها، لكنها ما زالت تدعم محركات البنزين والديزل التي أثبتت جدواها على الأقل خلال السنوات العشرين المقبلة، كما يوضح أولريش هاكنبرغ رئيس قسم التطوير في شركة فولكسفاغن قائلاً: “نحن في شركة فولكسفاغن نختبر التقنيات الكهربائية بشكل مكثف، تماماً مثل منافسينا الآخرين. لذلك نعتقد أن عصر السيارات الكهربائية هو مقبل لا محالة”.
ويضيف أولريش هاكنبرغ قائلاً: “لكن في المقابل، لا يزال لتطوير محركات الاحتراق الداخلي التقليدية مستقبل واعد، وخاصة في ظل البحوث الجارية لتطوير وقود بيئي، بحيث لا ينبعث من محركات الاحتراق الداخلي غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة”. أما الخبير النمساوي والأستاذ في جامعة فيينا للتكنولوجيا فريتز إندرا فيذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن هناك وسائل للحد من استهلاك الوقود الأحفوري في المحركات التقليدية. ويعتمد فريتز إندرا في رأيه هذا على مسيرة عمله الطويلة لدى شركات صناعة السيارات الشهيرة مثل بي إم دبليو وألبينا وأودي وأوبل وجنرال موتورز التي شغل فيها مناصب رفيعة.
ويقول فريتز إندرا بهذا الشأن: “إن أفضل شيء قدمته صناعة السيارات الكهربائية لقطاع سيارات الاحتراق الداخلي هو أن المهندسين أصبحوا يشعرون بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم. إذ أصبحوا أكثر وعياً والتزاماً بالبيئة، وباتوا ينكبّون على تطوير تقنيات مراعية للبيئة في محركات الاحتراق الداخلي: مثل نظام إيقاف بعض أسطوانات المحرّك تلقائياً عند عدم الحاجة إليها وتقنية إطفاء المحرك وتشغيله بشكل أوتوماتيكي ونظام التقليل من استهلاك الوقود الباعث للغاز الضار وتقنيات العوادِم المدمجة في السيارات المخففة لانبعاثه. فهذه التقنيات تتطور بشكل أسرع مما نتصور”.
خفض استهلاك الوقود يعني تقليص الانبعاثات الغازية
خفضُ استهلاك الوقود يعني أيضا انخفاض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. ولذلك فرضت مفوضية الاتحاد الأوروبي على السيارات المنتجة حديثاً حتى عام 2015 إنقاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها بنسبة 11 في المائة، أي من المسموح انبعاث ما يعادل 130 غراماً من الغاز لكل كيلومتر في المتوسط. مع العلم أنه بانتهاء عام 2009، كان معدل انبعاثات غاز الاحتباس الحراري المسموح به 146 غراماً لكل كيلومتر.
بل ويذهب قرار خفض استهلاك الوقود إلى أبعد من ذلك، فحتى عام 2020 يجب إنقاص هذه الانبعاثات إلى حوالي 95 غراماً لكل كيلومتر، وإلى غاية عام 2025 يجب تقليصها إلى 70 غراماً لكل كيلومتر في كل سيارة جديدة يتم تصنيعها مِن قبل أي شركة في الاتحاد الأوروبي- وفي هذه الحالة يصل استهلاك الوقود إلى حوالي 3 ليترات من البنزين و2.6 ليتر من الديزل لكل مائة كيلومتر.
تحقيق ذلك ممكن من الناحية التقنية كما يقول هورست شنايدر عضو مجلس إدارة مؤسسة المراقبة التقنية الألمانية TÜV، ولكنه يرى أن تلك هي الحدود الدنيا التي يمكن لمحركات الاحتراق الداخلي العمل وفقها. ويضيف شنايدر في هذا السياق قائلاً: “أرى أنه على المدى المستقبلي المتوسط، من المؤكد أنه لن يمكن تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأقل من 70 غراماً لكل كيلومتر في سيارات الاحتراق الداخلي. وبالتالي فأنا مقتنع جداً بأنه على المدى المتوسط لن يمكن الاستغناء عن السيارات الكهربائية من أجل أغراض معينة ومحددة”.
للسيارات الكهربائية العديد من نقاط الضعف
ولكن السيارات الكهربائية لديها العديد من نقاط الضعف حتى الآن: فالبطارية المخزِّنة للكهرباء مكلفة للغاية، كما أن هذا النوع من السيارات يسير لمسافات قصيرة نسبياً، ثم أنّ أوقات شحن البطارية طويلة. شركات إنتاج السيارات الكهربائية الكبرى تستند، من ناحية أخرى، إلى الدراسات التي تشير إلى أن مسافة قيادة السيارات اليومية بشكل عام لا تتجاوز 40 كيلومتراً في المتوسط. ومن السهل تغطية هذه المسافة بواسطة السيارات الكهربائية كما يقول أنصار المحركات الكهربائية. كما يمكن شحن بطاريات السيارة الكهربائية بالطاقة ليلاً.
وهي حُجّة يعترض عليها بشدة فولفغانغ لوبِك خبير المرور والمواصلات في منظمة السلام الأخضر البيئية Greenpeace قائلاً: “أنا أريد شراء سيارة مثلاً لأنني في كثير من الأحيان أحتاج إلى قيادة سيارتي في الليل، وأحتاج إلى أن تكون سيارتي جاهزة على مدار الساعة في الليل والنهار، وربما أريد إيصال جدتي بالسيارة إلى محطة القطار أو إلى المطار ليلاً. وأنا لا أستطيع فعل ذلك بمثل هذه السيارات الكهربائية. فلماذا عليّ شراء سيارة كهربائية أكثر تكلفة بثلاث مرات سيارات الاحتراق الداخلي وأقل أداءً بثلاثة أرباع أدائها؟ لذلك، فأنا أرى عدم وجود تقبُّل للسيارات الكهربائية على المدى البعيد من وجهة نظر الزبائن ومن وجهة نظر مراعاة المناخ أيضاً”.
المحركات الكهربائية بانتظار “ثورة في الطاقة” النظيفة
من جهة أخرى، تتطلب السيارات الكهربائية شحنها بالطاقة الكهربائية التي يتم توليدها حالياً في الغالب الأعم من الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط، وبالتالي فإن الاختلاف حالياً ليس كبيراً من الناحية البيئية: فيما إذا استخدم المرء محركات الاحتراق التقليدية أو المحركات الكهربائية. ولذلك، وفي رأي خبير المحركات فريتز إندرا فإنه من المهم أولاً أن يشهد العالم “ثورة في الطاقة” النظيفة وفي توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ويقول فريتز إندرا بهذا الشأن: “أنا لا أفهم النقاش الراهن الدائر حول السيارات الكهربائية وطاقتها الخضراء. فلا علاقة لهذه بتلك حالياً، وذلك لأن الطاقة الكهربائية لا يزال يتم توليدها غالباً من مصادر أحفورية”. ويتابع حديثه قائلاً: “لن تلعب السيارات الكهربائية أي دور في الحفاظ على البيئة إلا إذا تم توليد الطاقة الكهربائية بالكامل من مصادر خضراء ونظيفة. حينها فقط ستكون السيارات الكهربائية مجدية. وحتى ذلك الحين لن يكون للسيارات الكهربائية أي جدوى في مجال الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.
في ألمانيا تمّ مؤخراً السماح بإطلاق حوالي 43 مليون سيارة، منها 4500 سيارة كهربائية فقط. ووفقا لخبراء متخصصين فمن المتوقع أن تبلغ حصة السيارات الكهربائية ثلاثة في المائة عام 2020 من إجمالي السيارات في جميع الأسواق العالمية.
كلاوس أولريش/ علي المخلافي
مراجعة: عماد غانم
DW العربية
شكرا على البحث