في سياق سعيها للإتكال على الطاقة النظيفة، دخلت أوروبا في مشروع «ديزرتيك» DESERTEC، الرامي لتوليد الكهرباء من الشمس في صحاري شمال أفريقيا، ثم نقلها الى أوروبا.
وينهض بهذا المشروع تكتل «ديزرتيك إندستريال إنيشياتيف» Desertec Industrial Initiative، وترجمتها حرفياً «المبادرة الصناعية عن تكنولوجيا الصحراء». وتشتهر باسمها المختصر «دي أي أي» Dii. وشاركت فيه الشركات الألمانية الضخمة الاثنتا عشرة العاملة في حقلي الطاقة والمال، في تحقيق حلمها بتحويل صحراء شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى مورد للطاقة الكهربائية النظيفة المستمدة من الشمس، ما يجعله جزءاً من روافد حماية البيئة والمناخ. والمفارقة ان موقع «ديزرتيك» على الانترنت، رفع شعاراً لتلك الخطوة هو «تحويل الرؤية الى حقيقة».
ومن المقرر تنفيذ هذا المشروع العملاق على مراحل تمتد حتى عام 2050، مع الإشارة الى أنه يؤمن، حين الإنتهاء منه، قرابة الـ15 في المئة من إجمالي حاجات أوروبا من الكهرباء، إضافة إلى جزء من حاجات الدول العربية المعنية بالمشروع. وكما يذكره هذا التكتل، يتمثّل الدافع الكبير للمشروع بالمساهمة في مواجهة التغيّر المناخي الناجم عن تراكم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وغيره من غازات التلوّث التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.
كهرباء نظيفة ومتجدّدة
وبيّنت شركة «سيمنز» Siemens الضخمة في بيانات متتالية، أن العالم يدخل حاضراً عتبة «عهد كهربائي جديد» يتضمَّن إنتاجاً لها من مصادر متجددة ومستدامة، ونقلها عبر شبكات ذكية. وأشار إلى أن استهلاك الطاقة سيتزايد سنوياً بمعدل 1.5 في المئة حتى عام 2030، مترافقاً مع تزايد استهلاك الكهرباء بنسبة 2.4 في المئة.
ولفتت إلى فتح مرحلة جديدة من استثمار الطاقة، عبر مشاريع ضخمة ورؤى إبداعية متنوّعة، مؤكدة ان ضغوط المناخ ومشاكل الطاقة الإحفوري دفعت البشرية إلى التفكير بأشياء مثل نقل الكهرباء إلى أوروبا من الصحراء، وبناء آلاف المراوح الضخمة في بحر الشمال لتوليد الكهرباء وتوزيعها في دول أوروبية وتخزين الفائض منها، واستغلال الطاقة الشمسية مباشرة من الفضاء على نحو ما تخطط له وكالة الفضاء في اليابان.
وتذكر هذه الخطة اليابانية بأفلام السينما الخيالية. لكنها تعتمد على فكرة لخبراء يابانيين لوضع مرايا ضخمة قرب مدار الأرض عام 2030، كي تمتص أشعة الشمس وترسلها إلى الأرض بواسطة أشعة ليزر أو موجات كهرومغناطيسية قصيرة (مايكروويف).
وإضافة إلى هذه المشاريع العملاقة، بدأ العمل في غير دولة على تطوير تقنيات أساسية في السيارات الهجينة والكهربائية، باتت جزءاً أساسياً من صورة الطاقة في المستقبل القريب، مع الإشارة الى أن ثلث النفط يستعمل في المواصلات.
وتتواتر هذه الأمور ضمن مساعٍ دولية لحماية المناخ والبيئة، وتطوير طاقات متجددة ربما ضمنت الاستغناء مستقبلاً عن الوقود الاحفوري بأنواعه كافة.
ولم يعد مشروع «ديزرتيك» يشكل رؤية بعيدة المنال، لأن التكنولوجيات المطلوبة له موجودة فعلياً. ورأى غير خبير ألماني في الطاقة، أن التحدي فعلياً لا يكمن في التقنية المطلوبة لتنفيذ مشروع «ديزرتيك» ولا في ضخامته، بل في إقناع مسؤولي الدول المعنية بالانخراط فيه.
وفي السياق عينه، فتحت الشركات الألمانية المعنية بمشروع «ديزرتيك»، مثل «دويتشه بنك» و «سيمنز» و «مونيخ ري» و «إيون» و «إرإي في»، الباب أمام شركات أوروبية وعربية محدّدة، للدخول في المشروع والمساهمة في تمويله وتنفيذه. وتتضمّن قائمة تلك الشركات «إنيل» الإيطالية و «رِد إليكتريكا» الإسبانية، و «إي دي إف» الفرنسية و «سيفيتال» الجزائرية، إضافة إلى شركات تونسية ومغربية ومصرية، مع الاشارة الى ان مجموع تلك الشركات لا يتجاوز 20 شركة.
ومن المفترض أن تنتهي على الورق خطط بناء معامل الطاقة الشمسية للمشروع عام 2012، على رغم استمرار العوائق بصدد التمويل.
وهناك مَنْ يحذّر مِن وجود أخطار متنوّعة في المشروع، مثل العواصف الرملية الشديدة في منطقة الصحراء الكبرى، والاستهلاك الكبير للمياه في تنظيف المرايا في مناطق يشح فيها الماء. وكذلك يحتاج تنفيذ المشروع إلى تنسيق بين الشركات المشاركة فيه وبين حكومات دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وثمة خلافات عميقة بين عدد من دول المغرب العربي، خصوصاً بين الجزائر والمغرب.
وأدى «الربيع العربي» إلى تجديد الآمال بزوال هذا العائق تحديداً، بفضل تحسّن العلاقات بين الجزائر والمغرب، بل مجمل العلاقات بين دول المغرب العربي.
دار الحياة