لم يكن متوقعاً من مجموعة من المراهقين من بريطانيا أن يتحدوا ظروفا قاسية من خلال قيادة سيارة تعمل بالطاقة الشمسية بالكامل لقطع مسافة طويلة في سباق دولي يُجرى في أستراليا.
إنه سباق في ظروف قاهرة. يتوجب على قائدي تلك السيارة أن يجابهوا مخاطر مختلفة على الطريق، منها الحرائق، ومواجهة الشاحنات الضخمة، وحيوانات الكنغر التي تعبر الطريق، وغيرها من الحيوانات البرية.
هذا بالإضافة إلى درجات حرارة عالية تصل إلى 45 درجة مئوية أو أكثر. كل تلك المخاطر وهم يقودون سيارة تعمل بشكل كامل بالطاقة المولدة من ألواح شمسية موجودة على سطح السيارة.
تمتد مسابقة “التحدي العالمي للطاقة الشمسية” من الشمال الأسترالي باتجاه الجنوب لمسافة تصل إلى 3,000 كيلو متر. وبالنسبة لـ “مات برايس” وزملائه من أعضاء الفريق معهد آردنغلي في المملكة المتحدة، كان النجاح في الوصول إلى قائمة الفرق المشاركة في هذا التحدي يعني إنجازاً هائلاً.
كان ذلك تحدياً عسيراً حتى بالنسبة لمتسابقين من ذوي الخبرة، لكن “برايس” لم يتجاوز عمره 17 ربيعاً فقط، وكان جميع أعضاء فريقه أيضا من المراهقين. لقد خططوا لسباقهم في نفس وقت تجمعهم لأداء إمتحاناتهم المدرسية، واستمر العمل لمدة ثلاث سنوات متواصلة من أجل إعداد سيارتهم لخوض ذلك السباق.
يضم الفريق خمسة طلاب، تتراوح أعمارهم جميعا ما بين 17 و 18 عاما. وقد سافروا جميعاً إلى أستراليا لينافسوا 45 فريقاً آخر؛ والعديد من هذه الفرق يضم شبابا من جامعات مرموقة، وبتمويل جيد، ومن كافة أنحاء العالم.
وقبل بدء السباق، قال جيمس برايس، أحد سائقي فريق معهد آردنغلي ومديره الإعلامي: “تُعتبر هذه المهمة شاقة بعض الشيء، وعند إلقاء نظرة على بعض السيارات الأخرى، يبدو أن السباق سيكون أمراً لا يُصدق”.
وأضاف: “إنها مغامرة جديدة للجميع أن نجتاز نصف البلد قاطعين الطريق السريع رقم 1، وأن نخيم في المناطق النائية ـ إنها فرصة لن تتكرر ثانية طوال العمر.”
إنه حدثٌ مرهق. فهم يقودون سياراتهم من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساء كل يوم ـ أثناء ساعات النهار الحارة لكي تستطيع مركباتهم امتصاص ما يكفي من الطاقة الشمسية. وقد بدأ التحدي يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول، وكان مقررا أن ينتهي في 25 من الشهر نفسه.
كان يتوجب على الفريق أن يتكيف مع الفروقات الكبيرة في الطقس، من الحرارة اللافحة في الصحراء، إلى الأجواء الأكثر برودة في الجنوب، مروراً بالرطوبة في الشمال.
كان على الفِرق السابقة أيضا أن تتجنب المواشي وحيوانات الكنغر على الطرقات، وأن تحذر من الأفاعي عند الذهاب إلى النوم ليلا.
ويعد سباق “التحدي العالمي للطاقة الشمسية” طريقة صارمة لمحاولة إيجاد أكثر السيارات الكهربائية كفاءة في العالم. وتقام المسابقة مرة كل عامين، ويُدعى إليها “بعضٌ من أكثر اليافعين الأذكياء على سطح كرتنا الأرضية”، ليفكروا في أمور تتعلق بالنقل المستدام.
تُصنف الفِرق المشاركة في السباق إلى ثلاثة فئات. وتدخل المركبات التي تنتمي لـ “فئة التحدي” في ذلك السباق ليرى المنظمون أيا منها سيكون أسرع في عبور القارة. وتميل مركبات هذه الفئة لأن تكون منخفضة ومصقولة.
ويتنافس فريق معهد “آردنغلي” ضمن “فئة كروزر” (أو فئة الطواف)، وينبغي على مركبات هذا الصنف أن تكون “عملية”، وأن تكون ذات أربع عجلات ومقعدين لشخصين. هناك وثيقة تضم نحو 366 من القواعد والأنظمة التي يجب الإلتزام بها ـ وهو ما يمثل تحديا آخر مثل السباق نفسه. يقول “برايس”: “إنها وثيقة من 43 صفحة”.
أما الفئة الثالثة في هذا السباق، وهي “فئة المغامرة” فقد خُصصت للمركبات التي لا تحقق الأنظمة الصارمة، وللسيارات التي شاركت بالفعل في تحديات السنين السابقة. وغالباً ما يقود هذه المركبات أعضاء فِرقٍ جدد.
تتألف سيارة “آردنغلي” من هيكل مركب من عدة أجزاء تم نصبه على هيكل معدل لسيارة ’لوتس7‘. تم تصميمها باستعمال برنامج كمبيوتر لتصاميم السيارات ذات الأبعاد الثلاثية. وقد زودتهم شركة “نيو تكنولوجي كادكام” بهذا البرنامج، وقامت بتدريب أعضاء الفريق ومساعدتهم لتبدو سيارتهم أقرب ما يكون إلى سيارة محترفين.
يقول “برايس”: “أعطى ذلك دفعة أولية قوية للمشروع”. حتى تلك اللحظة، كان الترويج للمشروع لدى الشركات والبحث عن راعٍ له يمثلان تحدياً كبيراً، حيث لم يكن لدى الفريق شيء ملموس بعد ليعرضوه.
أما بالنسبة للأداء فيقول “برايس”: “حصلنا على سرعة قصوى وصلت إلى 82 كيلومتر في الساعة. تنطلق السيارة من حالة التوقف لتصل إلى سرعة 60 كيلو متر في الساعة خلال 9.3 ثانية. ليست هذه السرعة كافية لتفوز السيارة في أي سباق، لكنها في نفس الوقت ليست خاملة جداً.”
السيارة مزودة بـ264 خلية شمسية. هذه الألواح ذات فعالية فائقة (نسبة تحويل الطاقة هي 24 في المئة، مقارنة بنسبة تتراوح بين 11 و 15 في المئة لأكثر الخلايا الشمسية). رغم ذلك، فإنهم لا زالوا بحاجة إلى مساحة أكبر ليولدوا طاقة كافية. ويُستفاد من سقف السيارة ومقدمتها ومؤخرتها كدعائم لتلك الألواح المسطحة.
نتيجة ذلك، تبدو المركبة أشبه بصندوق، لكن المكافأة هنا تكمن في الفعالية، وليس الناحية الجمالية. يعني هذا أن سرعة القيادة ستقتصر على حدود واقعية تصل إلى 50 كيلومتر في الساعة. ويتم الاحتفاظ بجزء من الطاقة لاستعمالها عند محاولة اجتياز الشاحنات الأسترالية الضخمة التي تعترضها على الطريق.
كان فريق “آردنغلي” يقوم بإبلاغ مشجعيه عن آخر التطورات أولاً بأول عن طريق موقعي فيسبوك وتويتر على الإنترنت.
كان على الفريق أيضا أن يتعاملوا مع أفراد الشرطة الذين أوقفوهم خلال السباق، وقد نجحوا أيضا في تجنب صدام كان وشيكا، وخاصة بعد أن سلكوا مسارا خاطئا.
لم يحصد الفريق أيا من المراكز الثلاثة الأولى، لكن أعضائه كانوا سعداء لأنهم تمكنوا من إكمال السباق حتى آخره، وقطع المسافة المقررة (3.000 كيلومتر) بسيارتهم التي تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية.
ويأمل أعضاء الفريق في أن يتمكنوا من تطوير تلك السيارة في الفترة المقبلة.
بي بي سي