منذ بداية هندسة العمارة، نُظِر إلى ضوء الشمس بوصفه عنصراً مؤثّراً في تصميم المباني. وكان اليونانيّون والصينيّون سبّاقين في استخدام وسائل التخطيط المدني والمعماري المتطوّرة التي تعتمد على استغلال الطاقة الشمسيّة، إذ وضعوا واجهات المباني في الجهة التي تحصل على حصة كبيرة من أشعة الشمس، توخّياً للحصول على الضوء والدفء.
ومن الخصائص الشائعة حاضراً في التخطيط المعماري المستند إلى طاقة الشمس، مراعاة مساحة الأسطح المشمسة، والتظليل الانتقائي، والكتلة الحراريّة للمبنى وغيرها. وعندما تتوافر تلك الخصائص بما يتناسب مع البيئة والمناخ، من الممكن أن تنتج منها أماكن جيّدة الإضاءة، مع تمتّعها بدرجات حرارة معتدِلَة.
ومع زيادة كثافة السكان في كثير من المُدن، ظهر ميل الى تشييد المباني بعضها بالقرب من بعض، مع زيادة عدد الطبقات، بما يتناسب وتزايد الحاجة للسكن في مناطق حضريّة. وفي المقابل، تحجب تلك المباني المرتفعة والمتراصة، ضوء الشمس فتعيق وصوله إلى الأزِقّة والشوارِع الضيّقة، إضافة إلى حجبه عن الغرف والطوابق السفليّة.
وفي ظل حاجة مصر للاقتصاد في الطاقة، يعمل الدكتور خالد نصّار، وهو أستاذ مساعد في قسم الهندسة الإنشائية والمعمارية في الجامعة الأميركية في القاهرة، مع فريق بحثي من طلاب الدراسات العليا وأساتذة من جامعة «عين شمس»، على تصميم ألواح من البلاستيك لتحسين الإضاءة في المناطق المُظلِمة.
ويبيّن نصّار إنها فكرة بسيطة للغاية، إذ جرى العمل على تصنيع قطعة من البلاستيك المُضلّع، تُرَكّب على حوافي سطوح المنازل وجوانب المباني، مع تدلي متر منها على الحافة، لتوجيه ضوء الشمس نحو الأزِقّة والطبقات السفليّة، وذلك لزيادة الإضاءة أثناء النهار. وتستطيع الألواح توصيل الإنارة حتى مع حدوث تغيرات في وضع الشمس أثناء اليوم، ما يلائم بيئة الشرق الأوسط.
فوائد متنوّعة
إضافة إلى أنها غير مُكلِفَة، تعدّ الألواح مصدراً للطاقة المستدامة، وبديلاً نظيفاً من الكهرباء المتأتّية من حرق الوقود الأحفوري.
وحصل الفريق على تمويل لاختبار الألواح من قِبَل «صندوق العلوم والتنمية التكنولوجيّة»، فصنع نموذجين، أحدهما مُصغّر والآخر بالحجم الحقيقي للألواح. وقدّم الفريق بحثاً عنهما بعنوان «إنارة المناطق الحضريّة المُظلِمة باستخدام ألواح تعيد توجيه الضوء». ونشِر البحث في دوريّة «أوبتكس إكسبرس» Optics Express العلميّة، مع توضيح تصميم الألواح واستخداماتها المتنوّعة بشكل تفصيلي.
ويوضح نصّار وجود رغبة رسميّة في استخدامها في الإنارة تحت الجسور أو في الأزِقّة، ما يفتح الباب إمام ظهور سوق متّصلة بها في القطاع الخاص.
ويقول: «تلقيت اتصالات كثيرة أتى بعضها من المدن الجديدة، وممن يمتلكون ساحات خلفيّة وحمّامات سباحة، لكن المباني تحجب ضوء الشمس عنها. ربما يظهر سوق كبير لهذه الألواح في تلك الأماكن».
بصورة عموميّة، تصَنّع تلك الألواح من مادة «بوليميثيل ميثاكريلات»، وهي مسحوق زجاجي مبلمَر يشتهر باسم «زجاج الأمان». وتتمتع بمتانة عالية في مواجهة الظروف المناخية المتقلِّبة. وتكمن إحدى فوائد الألواح في قدرتها على ملاشاة الآثار السلبيّة لعدم التعرض لأشعة الشمس الذي يؤدي إلى آثار سلبيّة مباشرة على الصحة الجسديّة والنفسيّة، بما فيها ضعف بنية الجسد وحِدّة المزاج وتقلّباته.
كذلك يوضح نصار أن هناك نوعاً من الاكتئاب يتّصل بقلّة الحصول على ضوء الشمس، يسمّى «الاضطراب العاطفي الموسمي». ويفيد الجلوس في ضوء يمتلك توزيعاً طيفيّاً مطابِقاً لنور للشمس في علاجه، كذلك يتسبّب عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس في نقص «فيتامين د» الذي ربما يتسبّب في الشعور بالآلام والضعف الجسدي.
ويسعى الفريق إلى بيع ألواح البلاستيك بأسعار زهيدة للقطاع الخاص الذي أبدى اهتماماً فائقاً بألواح الشمس البلاستيك.
الحياة