لم يفاجأ العكاريون بالنتائج المخبرية التي أجراها العديد منهم والتي تفيد بتلوث المياه والأنهر الرئيسية التي تخترق المحافظة، إذ لطالما رفع مزارعو سهل عكار الصوت للمطالبة برفع قنوات الصرف الصحي عن مجاري الأنهر التي تروي بساتينهم الزراعية.
وقد بات معلوما أن مشكلة التلوث الناتجة من الصرف الصحي هي من المشاكل المزمنة التي تعاني منها محافظة عكار التي تفتقر إلى شبكات صرف صحي تتمتع بالمواصفات الفنية والبيئية السليمة، ما يجعل الواقع البيئي والصحي مأساويا للغاية، خصوصا بالنسبة لمنطقتي الشفت والسهل حيث يصب نهر الأسطوان والنهر الكبير وكلاهما مشبع بالمياه المبتذلة.
تتجمع في تلك المنطقة روافد المياه المبتذلة لغالبية القرى العكارية المرتفعة، التي تعمد لرفع التلوث عنها عبر تحويل مجاري الصرف الصحي إلى أقرب واد أو مجرى مائي وتصب جميعها في مجاري الأنهر الرئيسة، كنهر عين طايا الذي ينبع من أعالي الجرود العكارية ويلتقي بمصادر مائية أخرى في قرى وبلدات الجومة والدريب الأوسط، كالدوسة وشربيلا والريحانية وصولاً إلى مزرعة بلدة، والهد، وكوشا، وبيت الحج، وكروم عرب، وخريبة الجندي، وحيزوق، ومشحا، وحلبا، والشيخ طابا… حيث يتحول نحو نهر الأسطوان الذي يروي سهل عكار، وتحديداً الجزء الأعلى منه، الذي يعرف بسهل حلبا والشيخ طابا.
كذلك الحال بالنسبة للنهر الكبير الجنوبي الذي ينبع من أعالي وادي خالد ويخترق غالبية بلدات الدريب الأعلى والأوسط، ويروي أجزاء من سهل عكار قبل أن يصب في منطقة العريضة.
ويمكن القول إن غياب الخطط الجذرية لمعالجة المشكلة التي تتفاقم يوما بعد يوم، ما عاد خفيا على أحد فأقنية المجارير والروائح الكريهة المنتشرة في غالبية البلدات الساحلية، حيث يقطن العديد من المواطنين وسط المياه المبتذلة المكشوفة، التي تمر بمحاذاة أراضيهم الزراعية وأمام منازلهم.
وهو ما بات يهدد سهل عكار الذي يعتبر الشريان الاقتصادي والزراعي لأبناء الشمال.
أكبر من حجم بلدية
يتحدث أحد أكبر المزارعين في سهل عكار عن حجم المأساة التي تطال غالبية المزارعين: «اننا لا نملك خيارا حيث تمر قنوات الصرف الصحي بمحاذاة الأراضي الزراعية وهي تلقائيا تختلط بالمزروعات وتروي قسما كبيرا منها».
ويضيف: «حتى لو عمدنا الى تحويل مياه الصرف الصحي عن أراضينا، فإن السيول والأمطار العزيرة شتاء غالبا ما تؤدي الى فيضان الأنهر، وتغمر المياه الحقول الزراعية».
ويتحدث المزارع فهمد الأحمد عن قيامه بزراعة بعض المزروعات الحشيشية إضافة الى البطاطا أمام منزله، ويرويها من البئر الارتوازي المخصص لتعبئة مياه الشرب، أما ما يقوم بزراعته في قسم من سهل الشيخ طابا فهو مخصص فقط للبيع، ولا أتمكن من ادخاله الى المنزل لأنني أعرف أنه غير صحي.
ويضيف: «ليس بيدنا حيلة فنحن نراجع بلديات المنطقة باستمرار ولا أحد يستجيب، بل نراهم يشتكون أكثر منا».
ويؤكد رئيس بلدية حلبا سعيد الحلبي «أن مصادر المياه ملوثة بنسبة تزيد على 90 في المئة وعلى مصلحة المياه العمل سريعا لمراقبة المياه التي يستخدمها أصحاب المؤسسات والمزارعون لأن مجاري المياه تحولت الى مجاري صرف صحي، إضافة الى كونها مكبا لنفايات العديد من المسالخ الخاصة».
ويشير: «لقد طالبنا مرارا بضرورة رفع التلوث عن نهر الأسطوان الذي يغذي جزءا كبيرا من الأراضي الزراعية، إضافة الى المطالبة بإنشاء محطة تكرير لكن أحدا لم يستجب لنا».
ويشدد على «أن الحل ليس بيد بلدية بمفردها بل بمشروع ضخم تشترك فيه كل البلديات. ويبدأ من أعلى بلدة في منطقة الجومة التي عليها رفع قنواتها عن مجاري الأنهر»، إضافة إلى تكاتف جهود بلديات الشفت بالتعاون مع الوزارات المعنية للتمكن من إقامة شبكة تكرير صرف صحي.
السفير