من المتوقع وبحسب مراقبين أن تشهد سورية قريباً أزمة في مجال الطاقة إن لم تتخذ الخطوات اللازمة لتأمين متطلباتها في هذا المجال، وهنا تبرز أهمية الطاقة المتجددة.
فبعد اتباع سورية لنظام اقتصاد السوق الاجتماعي، والذي فتح الباب واسعاً أمام الاستثمار، زاد الطلب على استهلاك الطاقة، وفي الوقت ذاته بدأ المخزون النفطي بالنضوب، وما زاد الطين بلة التقلب المستمر في الأسعار العالمية بين زيادة ونقصان .
وفيما لا تزال سورية تعتمد في تلبية احتياجاتها على المصادر التقليدية للطاقة كالنفط والغاز يبقى استخدام مصادر الطاقة البديلة خجول جدا ، حيث يشكل استخدام النفط ومشتقاته في مجال الطاقة حوالي 70% من الاحتياجات الكلية، ويليه الغاز بنسبة 23% أما الطاقة المتجدة فيبلغ الاعتماد عليها حوالي 7% فقط ، وعلى الأخص الطاقة الكهرومائية، بينما يكون استخدام الأنواع الأخرى للطاقة المتجددة هامشياً أو في بدايته.
الاستثمار الخاص
ويكمن أحد مؤشرات هذه الأزمة في التقنين الذي بدا أنه آخذ في التزايد حيث دفع هذا الخلل الكبير صناع القرار إلى جعل هذا الموضوع محل نقاش جدي، فأحد الحلول المتداولة والتي يطالب البعض بها هو تعزيز الاستثمار في هذا القطاع الحيوي على أن تكون الطاقة المتجدة في مقدمة هذه الاستثمارات.
كل ذلك يدل على حجم تلك الأزمة في هذا القطاع ما يؤشر إلى أهمية الاستثمار في الطاقة المتجدة كونها توفر الكثير من الأموال على خزينة الدولة مقارنة مع نظيرتها التقليدية وقدرتها على الحفاظ على البيئة من التلوث، إضافة إلى أنها تحافظ على المخزون النفطي.
ورغم فرض الدولة نظام الشرائح على فواتير الكهرباء فإن النتيجة لم تصل إلى المستوى المطلوب وذلك لعدة أسباب أولها التزايد السكاني الكبير والحر الشديد في فصل الصيف الذي زاد من درجة الاستهلاك.
الاستثمار العالمي
وفي هذا السياق ذكر الخبير في الطاقة زياد عربش لتلفزيون المشرق، أن أرقام عام 2008 تشير إلى حجم وأهمية هذا القطاع عالمياً فضلاً عن الأهمية التي تكتسبها الطاقة المتجدة، فبلغ الإنتاج العالمي للطاقة من النفط 35% بينما الغاز حوالي 25% أما الفحم فيقدر بـ 20%، ما يعني أن حوالي 80% من إنتاج الطاقة يعتمد على المصادر التقليدية فيما الاعتماد على المصادر الطاقة المتجدة فيبلغ حوالي 20% ، منها 7-8% من الطاقة النووية ذات الأغراض السلمية، و5-6% أما بقية المصادر”الريحية الشمسية..الخ” فتأخذ حوالي 2-3%.
وقال عربش” إن الدول الاسكندنافية تعتمد على الطاقة المتجددة بحوالي 5-7% من الطاقة.”
وأضاف أن هذا التأخير في استخدام الطاقة المتجددة مرده إلى انخفاض أسعار النفط في السابق وضعف الوعي في أهميتها باستثناء بعض الدراسات في الأوساط الأكاديمية حيث ظلت الدراسات والأبحاث في هذا المجال حبيسة الأدراج ولم تظهر إلى التطبيق إلا بعيد ارتفاع أسعار النفط حيث باتت الحاجة ملحة للبحث عن مصدر بديل أوفر تكلفة من النفط، فعندما وصل سعر برميل النفط إلى سعر 100 دولار كانت تكلفة الكيلو واط الساعي من الطاقة المتجددة تعادل ثلاثة أضعاف إنتاجه من الغاز أو النفط ، أما في عام 2009-2010 فقد بلغ النصف تقريباً وبالتالي مع مرور الوقت وتقدم العلم ستكون تكلفة إنتاجه أقل من مثيله النفطي.
وحول الفوائد الأخرى لهذا النوع من الطاقة ذكر أن لها فائدة أخرى ترتبط بالحفاظ على البيئة، وهو ما لاتجده في إنتاج الطاقة بالطرق التقليدية، وبالتالي فإن هذه التكلفة غير المنظورة إذا ما أضفناها إلى التكلفة المنظورة أي غير المادية فإن التكلفة بين نوعي الطاقة التقليدية والمتجددة تصبح متقاربة.
وبهذا الخصوص اعتبر أن المستقبل القريب سيشهد انتشاراً كبيراً للطاقة المتجددة ما يترتب عليه انخفاض تكلفته.
الأزمة العالمية وأزمة الطاقة والغذاء
لم يعد يخفى على أحد الآثار الكبيرة التي ترتبت على الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على مختلف القطاعات ومنها الطاقة، فالبشرية وبحسب عربش استهلكت على المدى البعيد من موارده الطبيعية ” مياه – غذاء … الخ” ما استهلك خلال 2000 عام، ولنأخذ سورية مثلاً نرى في السابق وجود حوال 200000 سيارة، بينما الآن نرى حوالي 1600000 سيارة، وهذا كله في ظرف أربع وخمس سنوات، فما بالك بالوضع عالمياً، فمعدل النمو الاقتصادي يأخذ بالتزايد وكذلك الاستهلاك العالمي.
وتستهلك أمريكا الشمالية وأوروبا حوالي 50% من الإنتاج العالمي للطاقة، و الولايات المتحدة وحدها تستهلك حوال 40% من البنزين، فالأزمة هنا واحدة وإن اختلفت في تسمياتها وهي مرتبطة ببعضها، وذلك من خلال بناء محطات تحويل المواد الزراعية إلى وقود حيوي بالتالي يؤثر على ارتفاع الغذاء و السبب الرئيسي غياب مفهوم التنمية المستدامة فالمستثمر وصاحب القرار لا يفكر إلا بأرباح آنية قصيرة ويستبعد الحصول على نتائج بعيدة لارتباط ذلك بمكاسب حزبية وانتخابية.
استثمار خجول
أما وضع الطاقة المتجددة في سورية فلا يزال يعاني من ضعف كبير وإن وجدت فإنها تقتصر على استخدامات ضيقة وكما يرى عربش فإن الاعتماد يقتصر على الطاقة الريحية بشكل محدود للغاية وعلى الشمسية لتسخين المياه، وهي مشاريع خجولة.
وفي هذا السياق ذكر معاون وزير الكهرباء هشام ماشفج لتلفزيون المشرق أن المحطات الحالية تنتج حوالي 145 ميغا واط ساعي وهناك دراسة لعروض تصل قدرتها إلى 1000 ميغا واط، مشيرا إلى أنه سيعلن عن محطات جديدة”.
وقال ماشفج “إن الطلب على الطاقة الكهربائية في 2008 تجاوز 48 مليار كيلو واط ساعي، أما خلال الفترة الماضية من عام 2009 بلغ الاستهلاك 20 مليار كيل و واط ساعي، أي أن نسبة الزيادة بين العامين بلغت 5% تقريباً، وفي حال حافظت الزيادة على هذا المنوال فإن الاستهلاك سيصل في عام 2020 إلى 75 مليار كيلواط ساعي”.
وأضاف ” تلبية الطلب على الطاقة مرتبط بعاملين أولهما أن الطلب اليومي المتزايد في سورية يبلغ حوالي 120- 125 مليون كيلو واط ساعي، كما أن المحطات تعتمد على الفيول والغاز وعلى المياه، فموسم الصيف وانخفاض معدلات الهطول المطري أثر على إنتاج الكهرباء.
ووافق عربش ماشفج مؤكداً أن الزيادة في استهلاك الطاقة يبلغ ضعف الزيادة السكانية، فالنمو السكاني يبلغ 2.5 % بينما استهلاك الطاقة يبلغ 5%، وذلك نتيجة للتغير نمط الاستهلاك اليومي فالطلب يزداد على الكهرباء وعليه ينبغي إدخال الطاقة الريحية والشمسية في هذا الإطار بحوالي 10 -20% بحلول عام 2020 إضافة إلى ترشيد استهلاك الطاقة، فمثلاً تشغيل المكيف لمدة ساعة زمنية، تعادل تشغيل المنزل بالإضاءة لمدة يوم كامل.
إن التطورات العلمية والاستهلاك الكبير للطاقة مع النمو المتزايد لها، ورخص تكلفة إنتاجها، فضلاً عن عدم تأثيرها على البيئة يجعل منها ضرورة ملحة وليست خياراً أمام الحكومات خاصة وأنها باتت تحظى برغبة كبيرة للاستثمار من قبل القطاع الخاص لما تحققه من ربح مادي بتكلفة قليلة، فهل سنرى يوماً ما هذا النوع من الطاقة يدخل بيوتنا أم سيظل الواقع كم هو.
أخبار البيئة – تلفزيون المشرق