تحتل الصين الريادة عالميا في مجال استخراج الطاقة من مصادر متجددة، إلا أن التنمية لا تتم بسلاسة كما هو متوقع، إذ إن مشاكل ضخمة تعترض النجاحات الكبيرة كما أن بعض الأوروبيين يشككون في قصة النجاح الصينية.
تتجدد الأنباء حول استثمار الصين المستمر في الطاقات المتجددة، وتلقى هذه الأنباء اهتماماً عالمياً واسعاً، لأن الحكومة في بكين تضع أهدافا طموحة للتوسع في هذا المجال. وتهدف الخطط الحالية لرفع القدرة على إنتاج طاقة الرياح إلى أربعة أضعاف، والطاقة المنتجة من الكتلة الحيوية إلى ما يقرب من 50 غيغاواط في عام 2010، وإلى 200 غيغاواط بحلول عام 2020، وهذا يعادل متوسط استهلاك الطاقة الكهربائية لمدينة أوروبية يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة على مدار العام.
وتتصدر الصين، التي أصدرت في عام 2005 لأول مرة قانونا خاصا بالطاقة المتجددة، دول العالم في إنتاج تكنولوجيا الطاقة الخضراء، ووفقا لمعهد الرصد العالمي فإن الصين هي الدولة المصنعة الرائدة في مجال المصابيح الكهربائية الموفرة للطاقة وتوربينات الرياح والألواح الضوئية.وبسببدعم الدولة سابقا، تمكنت جمهورية الصين الشعبية أيضا من إنتاج واستخدام المواقد الموفرة للطاقة والمجمعات الحرارية الشمسية والتي يتسنى عن طريقها تسخين الماء وتدفئة المباني.
المياه قبل الرياح
ولا يشمل التطور السريع إنتاج أحدث المعدات فحسب، ولكن أيضا القدرة على إنتاج الكهرباء الخضراء، إذ لا يوجد بلد يستثمر الأموال في مجال تطوير مصادر الطاقة المتجددة مثلما تفعل الصين.وتعطى الأولوية هناك لتوليد الطاقة الكهرومائية، وهي أهم مصدر للطاقة المتجددة بعد الكتلة الحيوية، التي تضم أنواع الوقود التقليدية مثل الخشب والروث، فضلا عن النفايات العضوية والغاز الحيوي.
كما تضع الصين خططا طموحة لبناء سدود كبيرة، من شأنها أن توفر 120 غيغاواط إضافية من الكهرباء – وهو ما يوازى إنتاج 120 مفاعل نووي. ومن المتوقع أن ترتفع كمية طاقة الرياح المنتجة بحلول عام 2015 إلى مائة غيغا واط. أما تقنية الطاقة الحرارية الضوئية فهي تأتي بشكل واضح في المركز الثالث، ومن المخطط أن تصل كمية الطاقة المنتجة عبر هذه التقنية خلال خمس سنوات إلى 15 غيغاواط.
وتستخدم الطاقة النووية في الصين أيضاً كمصدر للطاقة النظيفة.ومن المنتظر أن تصل كمية الطاقة المنتجة عبر المفاعلات الجديدة إلى 25 غيغا واط بحلول عام 2015، أي ثمانية أضعاف الإنتاج الحالي.
ويبقي أخيرا الفحم الذي يوفر 80 في المئة من احتياجات البلاد من الكهرباء.وبحسب الإحصائيات فإن هناك مصنعا جديدا يفتتح أسبوعيا في الصين، وهو تطور خطيرة جدا كما ترى الحكومة والشعب أيضا، بحسب سوزان لانغزدورف الخبيرة في المعهد البيئي الصيني Ecologic، “فتلوث الهواء مشكلة تتم مناقشتها بشكل شبه يومي، خصوصا في المدن.”
الأولوية للاقتصاد
وتعد الطفرة في مجال الطاقة المتجددة هي الوسيلة للتقليل من الاعتماد على الفحم وكذلك لحماية السكان، حيث تبلغ وفيات أمراض الجهاز التنفسي الآلاف سنويا.ولكن الأهم من هذا هو الهدف الاقتصادي، الذي يتمثل في الحد من استهلاك الطاقة التقليدية في قطاع الصناعة وهو مرتفع جدا، كما أن أسعار النفط والغاز البلد مرتفعة وتكلف مبالغ كبيرة.وقد أصبحت الصين التي كانت تصدر النفط في التسعينات، تستورد الآن أكثر من نصف حاجتها المواد الخام، لذلك “يجب فصل النمو الاقتصادي عن استهلاك الموارد، وإلا سيكون من الصعب الحفاظ عليها”،كما تقول الخبيرة الاقتصادية كلاودياكيمفيرت، من المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية.
لكن النمو الاقتصادي في الصينيعدنعمة ونقمة في آن واحد، فنبغي أن تكون مصادر الطاقة المتجددة أكثر كفاءة ورفقا بالبيئة، وبالتالي أكثر فعالية وأقل تكلفة، لكن لا يجب قطع أي التزامات خاصة بصحة المناخ تهددذلك النمو الاقتصادي. فالصين التي تعد المصدر الأول على مستوى العالم لثاني أكسيد الكربون، تريد الحد من الانبعاثات بحلول عام 2020، ولكن بشكل نسبي فقطـ أي 40 إلى 45 في المائة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بعام 2005.لكنانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لن تنخفض بذلك، وإنما سترتفع بوتيرة أبطأ فقط. والهدف المحدد في مطلع عام 2010 كان يتضمن خطوات بشأن حماية المناخ حتى عام 2005، لكن الدلائل تشير إلى أنها مجرد شعاراتمعلنة.
مسؤوليات مجزأة
وترى الخبيرة البيئية لانغزدورف التي عملت في شؤون الطاقة بمؤسسة فريدريش إيبرت في شنغهاي، أن هناك مشاكل داخلية كثيرة جدا تقف عائقاً أمام تحقيق هذه الخطوات وثمة مشكلة كبيرة تتمثل في تجزئة المسؤوليات، فالحكومة المركزية التي تتمتع بمستو عال من التنظيم، لا تسمحبأي حال من الأحوال، بتغيير قوانينها الخاصة، ونجد مثلا إنالعديد من المسؤوليات في وزارة الطاقة غير محددة.
كما أن هناك الإدارات المحلية التي يسودها الفساد والتي تفتقر إلى الموظفين المدربين وإلى المال أيضا في كثير من الأحيان.وبصرف النظر عن مجلس الدولة، وهو المؤسسة السياسية الأقوى، فإن هناك ثلاث جهات على الصعيد الوطني مسؤولة عن أسعار الطاقة، وهي لجنة الإصلاح والتنمية(NDRC)، وتقع تحت إدارتها أقسام من الإدارة الوطنية للطاقة (NEA)التي انبثقت عام 2008عن لجنة الإصلاح، وتتولى مهمة التنسيق اللجنة الوطنية (NEC)ويترأسها رئيس الوزراء وين جياباو.
مشكلة الكفاءة
وبصرف النظر عن هذه المشاكل المتعلقة بالتنسيق، فهناك مشاكل أخرى تتعلق بمجال آخر وهو مجال كفاءة الطاقة. وفي هذا المجال يمكن لبلد كبير مثل الصين إنجاز أكثر بكثير مما حققته حتى الآن، وتقدر بعض الدراسات بأن الإمكانية متوفرة للاقتصاد في استهلاك الطاقة بنسبة 50 في المئة. ولاستغلال تلك الإمكانات المتاحة، يتطلب الأمر صيانة الملايين من المنازل القديمة، وكذلك تجديد الآلاف من محطات الطاقة.وترى الخبيرة سوزان لانغزدورف أن التقدم بطيء جدا وثمة مشكلة أخرى نجدها في أوروبا أيضا، وهي تتمثل في بطء توسيع الخطوط، لذا فإن ثلث توربينات الرياح ليست موصلة بالشبكة. وفي الوقت الراهن تستثمر الحكومة الصينية مئات المليارات من الدولارات لتوسيع شبكة الكهرباء.
على المدى المتوسط سيستفيد قطاع الطاقة الشمسية، الذي لم تستنفذ بعد كل قدراته العالية في الصين، فحتى الآن لم يتم سوى تركيب عدد قليل من النظم الشمسية. لكن قطاع الأعمال هذا سيستمر في النمو لأن الحكومة قامت بتحديد تعريفة لأسعار تغذية الشبكة بالكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية، وهو ما قامت به ألمانيا منذ بضع سنوات، وتقوم الفكرة على تلقي كل جهة تقوم بتزويد الشبكة بالطاقة الشمسية أجرا ثابتا مقابل ذلك. شركات صناعة الطاقة الشمسية الألمانية التي كانت رائدة حتى الآن، أصبحت تواجه أزمات بسبب المنافسة مع الصين، وهي تنظر بتشكك إزاء توسع النفوذ الصيني في أوروبا. وكما يوضح الصحفي المتخصص في قضايا الطاقة بيرنفارد يانتسيغ، فإن الشركات الصينية تبدي اهتماما كبيرا بالشركات الألمانية، وخاصة على خلفية براءات الاختراع، ويملك مستثمرون صينيون حصصا أكبر سواء كان ذلك في شركةSunways للطاقة الضوئية أو شركةEDP البرتغالية العملاقة للطاقة. وهكذا تتم كتابة فصل جديد من قصة النجاح الصينية، وهي تحملعنوانا رئيسيا: “أوروبا
المصدر: DW العربية