بعد أن أمضت عقودا في استخراج واستخدام الوقود الأحفوري لبناء وإنماء مدنها في الصحراء، بدأت بعض دول الخليج الغنية بالنفط والغاز التطلع إلى الطاقة الشمسية.
وأعلن عن عدة مشاريع ضخمة لاستخدام طاقة الشمس التي تشرق على مدار السنة، وذلك خصوصا في السعودية وقطر والإمارات.
كما تنظم في الخليج مؤتمرات وقمم دولية حول موضوع الطاقات المتجددة، فيما بدأت مؤسسات أبحاث متخصصة في شؤون الطاقات المتجددة تبصر النور.
والأهم من هذا كله هو أن صناع القرار في الخليج بدأوا على ما يبدو يعون أهمية الطاقات المتجددة بالنسبة للمستقبل.
إلا أن الاهتمام يأتي أيضا من منطلق اقتصادي بحسب عدنان أمين المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) التي مقرها أبوظبي.
وبحسب أمين، “إن دعم أسعار المحروقات مكلف أكثر من الاستثمار في الطاقات المتجددة” وفقا لـ “الفرنسية”. ودول الخليج تبقى متأخرة عن الدول المتقدمة في مجال حماية البيئة واستخدام الطاقات النظيفة، إلا أن التوجه نحو الاستدامة يبدو متزايدا.
وقال أمين إن منطقة الخليج يمكنها أن تصبح المنطقة التي “تشهد أكبر نمو للطاقات المتجددة في العالم”، وأشار إلى أن وجود “إيرينا” في أبوظبي دليل على هذه التوجه لا سيما أن الإمارات تعد صاحبة ثالث أعلى معدل انبعاث كربوني في العالم نسبة لعدد السكان.
وبحسب أمين، فإن الإمارات التي تملك ثروة نفطية هائلة، هي في الواقع بلد يحرص على “توفير الطاقة”، و”سيستثمر بشكل كبير لدعم الطاقات المتجددة”.
وأبرز مشروع في الإمارات في هذا المجال هو مشروع مدينة مصدر التي صممت لتكون مع أقل قدر ممكن من الانبعاثات الكربونية إذ ستستخدم فيها السيارات الكهربائية والإضاءة والتبريد بالطاقة الشمسية.
إلا أن هذه المدينة لا تزال في مراحلها الأولى وليست حاليا إلا بعض المباني التي تحتضن خصوصا مقر معهد مصدر، وهو برنامج دراسات عليا للأبحاث في مجال الطاقات النظيفة. وصممت المباني بشكل يتيح لها الاستفادة من ضوء الشمس وتجنب حرارتها، وبذلك تبقى الحرارة داخل أروقة المباني أقل بما بين 10 و15 درجة مئوية مقارنة بالحرارة في مدينة أبوظبي التي لا تبعد إلا كيلومترات قليلة.
وقال بدر اللمكي مدير مدينة مصدر “إن جميع العناصر من التصميم وصولا إلى التعامل مع القمامة، باتت واقعا في مدينة المستقبل”. وبحسب اللمكي، فإن هناك ضوابط جديدة للمباني الجديدة في أبوظبي ودبي، وهي ضوابط تضمن خفض استهلاك الطاقة، فيما تقوم سلطات متخصصة بالرقابة على المباني الموجودة.
وباتت “مصدر” على وشك إنجاز واحدة من أكبر محطات إنتاج الطاقة الشمسية، وهي مشروع شمس 1 الواقع في جنوب أبوظبي والذي أتى ضمن شراكة مع الشركة الإسبانية أبيغوا سولار والفرنسية توتال. ويفترض أن يتم إنجاز المشروع قبل نهاية السنة. ويمتد المشروع على مساحة 2,5 كيلومتر مربع، وستبلغ قدرته الإنتاجية 100 ميجاواط,
وبحسب اللمكي، فإن المشروع سيسهم في تخفيض الانبعاثات الكربونية بمقدار 175 ألف طن سنويا، وهو ما يوازي “سحب 15 ألف سيارة من الطرقات أو زراعة 1,5 مليون شجرة”.
وقد وضعت أبوظبي لنفسها هدف تأمين 7 في المائة من حاجاتها من الكهرباء بواسطة الطاقات المتجددة بحلول عام 2020. وتهدف إمارة دبي إلى بلوغ نسبة 5 في المائة في 2030.
وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلنت دبي عن خطة لإنشاء محطة شمسية تنتج ألف ميجاواط. وسيتم إنجاز المرحلة الأولى من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية والبالغة قدرته 10 ميغاواط، في عام 2013. وقال محمد عيسى أبوشهاب مدير قسم المناخ في الخارجية الإماراتية “نعم، نحن نبنى مدنا في الصحراء ونعمل على بناء مدن مستدامة”. وفي السعودية – التي تملك أكبر احتياطات نفطية في العالم – تطمح مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة إلى أن تبلغ قدرتها الإنتاجية في غضون 20 سنة نحو 41 جيجاواط.
وبدورها أطلقت قطر – وهي صاحبة أعلى معدلات انبعاث كربوني في العالم نسبة لعدد السكان، وتملك ثالث أكبر ثروة غازية في العالم – خططا لتأمين التكييف للملاعب التي ستستضيف مباريات كأس العالم لكرة القدم في 2022، بواسطة الطاقة الشمسية.
ووصف مدير الطاقة النظيفة في منظمة “جرين بيس تيسكي سفين” دول الخليج بأنها “العملاق النائم” في مجال الطاقة المتجددة.
وقال إن المنطقة يمكن أن تكون “سوقا ضخما ومركزا كبيرا للطاقة الشمسية ومن الرياح … هناك الكثير من المؤتمرات والكثير من المشاريع والقليل من العمل. لكن هناك إقرارا وفهما بأنه قد آن الأوان للتحرك”.
الاقتصادية