أدلة جديدة تشير من جهة إلى ذوبان بعض الكتل الجليدية في القارة القطبية الجنوبية أسرع مما كان معتقدا في الماضي، وأبحاث تثبت من جهة أخرى ارتفاع مستوى مياه البحر في أنحاء العالم نتيجة ذوبان الجليد.
منذ 15 عاما والعلماء يراقبون اختلال التوازن في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية، فبعض الكتل الجليدية تنفصل عن الجبال الجليدية وتصبح مرتبطة بالجليد المحيط بها عن طريق ما يسمى بـ “خط الأساس الجليدي”، وتمتد هذه المنصات أو الكتل المنفصلة من الساحل إلى سطح المحيط مكونة بذلك منصات عائمة سميكة.
تعتبر “مَثْلَجَة” أيسلندا الجليدية واحدة من الكتل الضخمة الجليدية التي تساهم في فقدان جليد المنطقة القطبية أكثر من غيرها. العالِم غاييل ديرون وعلماء آخرون من جامعة غرونوبل في فرنسا تمكنوا من رصد توقعات لمستقبل “المَثْلجات” اعتمادا على ثلاثة نماذج مختلفة تُظهر جميعها نفس النتيجة.
وأوضح عالِم الجليد ديرون في مقابلة أجرتها معه DWأن: “حجم -المَثْلَجَة- سوف يتقلص في السنوات القليلة القادمة”. وأضاف: “هذا يعني، أن هذا سيحدث دون تأثير من مياه المحيط أو درجات الحرارة. إنها عملية ديناميكية داخلية. وعاجلا أم آجلا ستنفصل قطع جليدية أو تذوب، ما سيساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر”.
التأثير على مستوى سطح البحر
يتوقع العالِم ديرون بزيادة الارتفاع في مستوى سطح البحر تصل إلى سنتيمتر في العقدين المقبلين، ويقول في هذا الصدد: “بالنسبة للمَثْلجة فهذا شيء ضخم حقا”. وللمقارنة، ففي عام 2010 ارتفع مستوى سطح البحر في العالم بنسبة 3.2 ميليمتر، أي بضعف النسبة قبل 20 عاما.
ووصفت أنجيليكا هومبيرت من معهد ألفريد فاغنر (AWI) بمدينة بريمرهافن في مقابلة مع DWأيضا، أن هذه النتيجة “مرتفعة للغاية”. فعالَِمة الجليد والتي تجري أبحاثها على “مَثْلَجَة” أيسلندا الجليدية تؤكد على أن جميع نماذج الدراسة التي طُرحت حول “مَثْلَجَة” أيسلندا الجليدية هي مجرد نماذج مجردة، وأن ذوبان هذه “المَثْلَجَة” بشكل متزايد مسئول في المستقبل بالتأكيد عن ارتفاع مستوى سطح البحر.
دراسات لا تبشر بالخير
تصف أنجيليكا هومبيرت هذه الدراسة الجديدة بأنها: “تقدما كبيرا مقارنة بالأبحاث السابقة”. حيث قامت في العام الماضي صحبة زملاء من معهد ألفريد فاغنر وجامعة كايزرسلاوترن بمراقبة فقدان الكتلة الجليدية لأجزاء منها، ويدرس فريق البحث الآن الأسباب التي تؤدي إلى هذا الانفصال المتزايد وديناميكية “المَثْلَجَة”.
“تقع -مَثْلَجَة- أيسلندا الجليدية على قاع صخري، جزء منه مثبت فوق اليابسة والجزء الآخر يعوم فوق الماء”. وتريد هومبيرت وفريقها أن تعرف ماذا يحدث في النقطة الانتقالية بين الجزء على الصخرة والجزء الآخر العائم على المحيط. ولفهم ذلك يحاول العلماء رسم خرائط باستخدام نماذج تُسلط الضوء على آليات تحرك “المَثْلَجَة”.
وتُبين الدراسة الجديدة أن “المَثْلَجَات” تفقدُ حجمها بطريقة لا رجعة فيها، كما يقول عالِم الجليد غاييل ديرون. فـالمَثْلَجَة تختفي بشكل سريع، لأن تيارات المحيط الدافئة تقوم بجرف كتلة جليد -المَثْلَجَة- العائمة من الأسفل، وبالتالي تضعفُ قوة -المَثْلَجَة- في الاحتفاظ بجليدها وتُسرع نقل المزيد من الجليد إلى المحيط.
حتى ولو انخفضت درجات حرارة الهواء والمحيطات إلى الوضع الذي كانت عليه قبل 100 سنة، فإن “المَثْلَجَات” لن تتعافى من ذلك. وسوف يسير تطورها في هذا الاتجاه كما يقول غاييل ديرون. وترى العالمة الألمانية أنجيليكا هومبيرت أنه من الصعب نسبيا تقييم عودة الحالة إلى ما كانت عليه من قبل.
نقطة تغير في المناخ
يرى عالم الجليد غاييل ديرون أن نتائج الأبحاث الجديدة مهمة جدا لأبحاث المناخ العالمي ويقول:
“لقد وصل وضع هذه المَثْلَجَة إلى نقطة حاسمة لا رجوع فيها إلى الوراء. وهذا يعني أننا نؤثر بسلوكنا على التغير المناخي، وسوف يستمر في التغير. وفي رأيي فإن ذلك يُعتبر نقطة تغير قمنا باختراقها”.
ويضيف غاييل ديرون: “لدينا سبب في التخوف من استمرار تدهور الوضع، وأن يُصيب ذلك “مَثْلَجَات” أخرى في المنطقة وتفقد هي الأخرى من جليدها وتنهار في نهاية المطاف”. ويمكن أن يستغرق هذا الوضع قرونا، ولكن من شأنه أن يرفع من مستوى سطح البحر لعدة أمتار.
وحذر التقرير الأخير للمجلس الدولي للتغير المناخي من آثار زعزعة توازن واستقرار “المَثْلَجَات” في غرب القارة القطبية الجنوبية. ودعم غاييل ديرون رأيه بالقول إن: “اختلال التوازن في “مَثْلَجَة” أيسلندا الجليدية حقيقة لا شك فيها، أثبتناها الآن في دراسات علمية”.
DW.DE